مستقبل العلاقات السورية الأوروبية بين المصالح الاقتصادية والتحديات السياسية

تشهد الدولة السورية الوليدة تحولات داخلية وخارجية تهدف إلى تثبيت أركان الحكم وبناء أسس دولة حديثة ومن أبرز ملامح هذه المرحلة التوجه نحو تنويع الشراكات والانفتاح على مختلف القوى الدولية، ليس من باب المصالح الآنية فقط، بل من منطلق بناء علاقات استراتيجية طويلة الأمد وتأتي أوروبا في طليعة الجهات التي قد يكون لها دور جوهري في هذا المسار.

 

بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على انطلاق الدولة السورية الجديدة، بدأت ملامح السياسة الخارجية تتشكل تدريجيًّا، مع تركيز واضح على تنويع الشراكات والانفتاح شرقًا وغربًا. وفي هذا السياق، تُعدّ أوروبا أحد الشركاء المحتملين الذين قد يؤدون دورًا محوريًّا في دعم التعافي الاقتصادي والانفتاح السياسي، خاصةً في ظل التحوُّلات الإقليمية والدولية الراهنة.

أوروبا وسوريا مصالح إستراتيجية

لسنواتٍ طويلةٍ، اقتصرت نظرة أوروبا إلى سوريا على ملفات إنسانية وأمنية، خصوصًا في ظل النظام البائد. أما اليوم، فتنظر بروكسل إلى دمشق من زاوية المصالح الإستراتيجية. وهي تدرك أن سوريا تملك موقعًا حيويًّا في الشرق الأوسط، وأن تجاهلها يعني خسارة أوروبية إضافية، خاصةً مع تراجع النفوذ الأوروبي في إفريقيا، والخسائر الجيوسياسية في شرق أوروبا.


من جانبها، تدرك دمشق أن أوروبا ليست فقط تكتلًا اقتصاديًّا ضخمًا، بل قوة سياسية مؤثّرة على الساحة الدولية. والحصول على اعتراف أوروبي رسمي، إلى جانب دعم سياسي وشراكات تنموية، يُشكِّل خطوة مهمة في مسار تثبيت الدولة الجديدة وتعزيز شرعيتها الدولية.

 

قد يهمك : ماقصة تغيير العملة في سوريا عقب سقوط نظام الأسد .. وكيف تتم عملية الاستبدال ؟

شراكة اقتصادية محتملة

قبل عام 2011م، كانت أوروبا الشريك التجاري الأول لسوريا؛ إذ شكَّلت الواردات الأوروبية نحو 25% من إجمالي واردات دمشق، بينما بلغت حصة الصادرات السورية إلى أوروبا 42%. هذه الأرقام تعكس عمق العلاقة التجارية السابقة، والتي يمكن البناء عليها لإحياء شراكة اقتصادية جديدة، تقوم على المصالح المتبادَلة.


اليوم، ومع السعي لإعادة دمج سوريا في المنظومة الاقتصادية الدولية، تبدو أوروبا مؤهلة لتكون شريكًا رئيسًا، ليس فقط في التبادل التجاري، بل في الاستثمار والمساهمة بإعادة الإعمار.


من الناحية الجغرافية، تُشكّل سوريا بوابة طبيعية بين أوروبا والشرق الأوسط. فشبكات النقل والبنية التحتية، حال إعادة تأهيلها، يمكن أن تُتيح مرور التجارة الأوروبية نحو الأردن والعراق والخليج العربي، عبر مسارات برية أسرع وأقلّ تكلفة. هذا التحوُّل يُشكِّل مصلحة أوروبية مباشرة، كما يمنح سوريا مصدر دخل كبير من خلال رسوم تجارة الترانزيت.

إعادة الإعمار فرصة اقتصادية

مشروع إعادة الإعمار في سوريا يُعدّ واحدًا من أكبر المشاريع على مستوى المنطقة، بتقديرات تتجاوز 300 مليار دولار. ومن المنطقي أن تسعى أوروبا للمشاركة في هذا المشروع، سواء عبر التمويل أو الشركات المتخصصة، خاصةً أن الاستثمار يفتح أسواقًا جديدة للشركات الأوروبية. في المقابل، تستفيد سوريا من الخبرات الأوروبية، وتسريع عملية التعافي الاقتصادي.


على مستوى اللاجئين يوجد في أوروبا اليوم أكثر من مليون لاجئ سوري، ما يجعل قضية العودة الآمنة والمنظمة ملفًا بالغ الأهمية. وهنا لا بد من تعاون مباشر بين دمشق والعواصم الأوروبية؛ بهدف تأمين الظروف المناسبة للعودة، وضمان حقوق اللاجئين، وتوفير الدعم المطلوب للبنية التحتية داخل سوريا. هذا التعاون بحاجة إلى إرادة سياسية مشتركة.

نحو شراكة سورية أوروبية

في ضوء المعطيات الجيوسياسية، يبدو أن تطوير العلاقات بين سوريا وأوروبا لم يَعُد مجرد خيار سياسي، بل ضرورة إستراتيجية للطرفين. فسوريا بحاجة إلى دَعْم دولي ومنافذ اقتصادية، وأوروبا بحاجة إلى موطئ قدم مستقرّ في شرق المتوسط. ومن هنا، يمكن أن تحمل الأشهر القادمة مؤشرات على انطلاق مرحلة جديدة من العلاقات.

 

بقلم الاستاذ يحيى السيد عمر

 

تم التحديث في: الأربعاء, 07 أيّار 2025 13:41
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول