أول إغلاق حكومي منذ سبع سنوات يهز أمريكا .. الإغلاق الحكومي الأمريكي ماذا يعني ذلك؟
أغلقت الحكومة الأمريكية معظم عملياتها وأنشطتها التشغيلية صباح اليوم الأربعاء، بعدما حالت الانقسامات الحزبية العميقة دون توصل الكونجرس والبيت الأبيض إلى اتفاق بشأن التمويل اللازم. وقد أشعل هذا الفشل السياسي مواجهة قد تطول وتكون مرهقة. ومن المحتمل أن يؤدي الإغلاق الحكومي الأمريكي إلى فقدان آلاف الوظائف الفيدرالية وتعطيل خدمات حيوية.
ووفقًا لما ذكرته وكالة “رويترز”، تحذيرات الوكالات الحكومية من أن هذا الإغلاق -وهو الإغلاق الخامس عشر للحكومة منذ عام 1981- سيؤدي إلى وقف إصدار تقرير التوظيف لشهر سبتمبر.
وهو من أكثر التقارير الاقتصادية متابعة عالميًا. علاوة على ذلك، سيتسبب الإغلاق الحكومي الأمريكي في إبطاء حركة الطيران، وتعليق الأبحاث العلمية. بالإضافة إلى حرمان 750 ألف موظف من أجورهم، بتكلفة يومية تُقدر بنحو 400 مليون دولار.
بداية الإغلاق الحكومي الأمريكي وأسبابه المباشرة
مع انتهاء السنة المالية منتصف ليل الثلاثاء، فشلت محاولات الكونغرس لإقرار مشروع قانون التمويل المؤقت، ما أدى إلى إغلاق معظم أنشطة وعمليات الحكومة الفيدرالية صباح الأربعاء.
ويُعزى هذا الإغلاق إلى الانقسامات الحزبية العميقة، حيث رفض الديمقراطيون مشروع القانون الجمهوري بسبب تجاهله تمديد مزايا صحية أساسية لملايين الأمريكيين، بينما أصر الجمهوريون على تمريره دون تعديل معتبرين أن الخلافات الصحية يجب أن تُناقش بشكل منفصل.
تداعيات فورية على الوظائف والخدمات
بحسب تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس ووكالة "رويترز"، فإن ما يقارب 750 ألف موظف فيدرالي سيتوقفون عن العمل يومياً خلال الإغلاق، مع خسائر مالية تقدر بنحو 400 مليون دولار يومياً.
ومن أبرز التداعيات:
-
تأجيل إصدار تقرير التوظيف لشهر سبتمبر، وهو من أهم المؤشرات الاقتصادية العالمية.
-
تعطّل جزئي لحركة الطيران، وتأثر خدمات مراقبة الحركة الجوية.
-
تعليق بعض الأبحاث العلمية والبرامج التعليمية.
-
توقف برامج القروض الطلابية والتفتيش الغذائي وخدمات المتنزهات الوطنية.
-
حرمان الموظفين من رواتبهم مؤقتاً، مع استمرار الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية وإنفاذ القانون.
ترامب والتوظيف السياسي للأزمة
كما حذّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ــ الذي تقود حملته لإعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية إلى إخراج نحو 300 ألف موظف بحلول ديسمبر ــ الديمقراطيين في الكونجرس من أن الإغلاق الحكومي الأمريكي قد يمهد الطريق أمام إدارته لاتخاذ إجراءات “لا رجعة فيها”. وتشمل هذه الإجراءات تسريح مزيد من الموظفين الفيدراليين وإلغاء برامج حكومية مهمة لهم.
في حين بدأ الإغلاق فعليًا بعد ساعات من رفض مجلس الشيوخ لمشروع قانون قصير الأجل للإنفاق، كان من شأنه أن يبقي على عمل الحكومة حتى 21 نوفمبر. وعارض الديمقراطيون المشروع بسبب رفض الجمهوريين تمديد مزايا صحية حيوية لملايين الأمريكيين. بينما أكد الجمهوريون أن هذه القضية يجب أن تُعالج بشكل منفصل.
القضية المحورية المتنازع عليها في التمويل الحكومي تتعلق بـ1.7 تريليون دولار مخصصة لتشغيل الوكالات وهو ما يعادل ربع الميزانية الحكومية الإجمالية البالغة 7 تريليونات دولار. بينما يذهب معظم المبلغ المتبقي من الميزانية إلى برامج الصحة والتقاعد ومدفوعات فوائد الدين العام الذي بلغ مستوى قياسيًا عند 37.5 تريليون دولار.
من ناحية أخرى، حذّر محللون مستقلون من أن الإغلاق الحالي قد يستمر لفترة أطول بكثير من إغلاقات الميزانية السابقة. ويعزى ذلك إلى تهديدات ترامب ومسؤولي البيت الأبيض بمعاقبة الديمقراطيين عبر خفض البرامج الحكومية والوظائف الفيدرالية. وكان مدير ميزانية ترامب، راسل فوت، قد هدّد الأسبوع الماضي بعمليات تسريح دائمة في حال حدوث الإغلاق. داعيًا إلى “تقليص التوافق الحزبي” في قوانين الاعتمادات.
تاريخ عمليات الإغلاق في الولايات المتحدة
ويجدر التذكير بأن أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة استمر 35 يومًا بين ديسمبر 2018 ويناير 2019 وذلك إبان فترة ترامب الأولى بسبب خلاف حول أمن الحدود. وفي إشارة إلى الجمود الحالي، قال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك شومر: “كل ما يريدونه هو التنمر علينا، ولن ينجحوا” وذلك في خطاب ناري بعد اجتماع في البيت الأبيض انتهى بتباعد المواقف بين الحزبين.
كذلك، وصف زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، الجمهوري جون ثيون، مشروع القانون القصير الأجل الفاشل بأنه “إجراء غير حزبي” خالٍ من الإضافات السياسية. وأكد ثيون أن الديمقراطيين لم يعترضوا على مثل هذه الإجراءات في الماضي. مضيفًا: “الفرق هو أن الرئيس ترامب الآن في البيت الأبيض. الأمر كله سياسة، ولا يوجد سبب موضوعي لحدوث الإغلاق الحكومي”.
منذ عام 1980، شهدت الحكومة الأمريكية 15 إغلاقاً حكومياً. لكن بالمقارنة ببضعة عقود مضت، فمدة تلك الإغلاقات كانت أقصر بكثير، إذ تراوحت بين يوم واحد وخمسة أيام.
شهد الرئيس الجمهوري رونالد ريغان 8 عمليات إغلاق خلال فترة رئاسته في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت جميعها قصيرة نسبياً.
وخلال ولاية ترامب الأولى، حدثت ثلاث عمليات إغلاق، بينها تلك الأطول في التاريخ الأمريكي بـ 35 يوماً، بسبب الخلافات حول تمويل جدار على الحدود مع المكسيك، وانتهت في يناير/كانون الثاني 2019.
وقدّر مكتب الميزانية في الكونغرس أن ذلك أدى إلى خفض الإنتاج الاقتصادي بنحو 11 مليار دولار، بما في ذلك 3 مليارات دولار لم تُستعد قط.
وتعتبر عمليات الإغلاق بسبب الميزانيات فريدة من نوعها إلى حد كبير في السياسة الأمريكية وبموجب النظام الأمريكي، يتعين على الفروع المختلفة للحكومة التوصل إلى اتفاق بشأن خطط التمويل والإنفاق قبل أن تصبح قانوناً.
وفي أغلب البلدان، تصبح أصوات الميزانية بمثابة أصوات ثقة في الحكومة نفسها - لكن لأن الولايات المتحدة لديها فروع حكومية متساوية ومنقسمة في كثير من الأحيان، فإن الأمر ليس كذلك.
أمريكا تدخل الإغلاق الحكومي رسمياً.. ماذا يعني ذلك؟
بدأ تنفيذ الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً، في أعقاب فشل تمرير مشروع قانون التمويل في مجلس الشيوخ، والذي يهدف لتمديد سقف التمويل الفدرالي مؤقتاً. وذلك في أول إغلاق تواجهه الحكومة منذ قرابة سبع سنوات.
وبما أنّ الكونغرس فشل في إقرار تشريع يضمن تمويل عمل الإدارات الفدرالية قبل منتصف ليل الثلاثاء (الذي يمثّل نهاية السنة المالية)، فإنّ الحكومة تستيقظ اليوم الأربعاء، على إغلاق من شأنه أن يضع واشنطن في أزمة سياسية جديدة.
وفي رسالة صادرة عن مدير مكتب الموازنة في الكونغرس قبل الإغلاق الحكومي، قدّر المكتب أن نحو 750 ألف موظف فيدرالي قد يتم إيقافهم يومياً عن العمل مؤقتاً، بتكلفة يومية إجمالية تقارب 400 مليون دولار.
ورغم أنه سيطلب من الجيش الاستمرار في العمل خلال فترة الإغلاق، لكن أفراده لن يتقاضوا رواتبهم إلا بعد انتهاء الإغلاق.
ورغم أن المواجهات بشأن الميزانية شائعة في السياسة الأمريكية، إلا أن معركة "التمويل" هذه تتسم بتوتر خاص لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قضى الأشهر التسعة الماضية في خفض حجم الحكومة الوطنية بشكل كبير.
كيف حدث الإغلاق الحكومي؟
الإغلاق هو نتيجة لعجز الحزبين الديمقراطي والجمهوري عن التوصل إلى توافق لإقرار مشروع قانون يموّل الخدمات الحكومية خلال أكتوبر/تشرين الأول وما بعده.
ورغم أنَّ الجمهوريين يسيطرون على مجلسَي الكونغرس، وتمكنوا من تمرير المشروع في مجلس النواب، إلا أنهم يفتقرون في مجلس الشيوخ للأصوات اللازمة لتمرير مشروع القانون وحظي المشروع بدعم 55 صوتاً مقابل 45 صوتاً ضده، علماً بأن مشروع القرار يحتاج إلى أغلبية 60 صوتاً لاعتماده من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ.
لذلك، يتمتع الديمقراطيون ببعض النفوذ في هذه الحالة، فيما سيستمر الإغلاق حتى يتوافق الجانبان على حل وكان زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، الجمهوري جون ثون، انتقد زملاءه الديمقراطيين لعدم إقرارهم مشروع القانون، وقال في وقت سابق من فشل التصويت: "يعرقل الديمقراطيون مشروع القانون لأغراضهم الحزبية الخاصة. هذا المشروع جاهز للإقرار الآن، وهذا يُبقِي الحكومة مفتوحة".
في حين قال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، إن زملاءه الجمهوريين يميلون إلى "الكذب".
ما أسباب الخلاف؟
بالنسبة للمطالب الجوهرية لكل جانب، فالجمهوريون يريدون تمديداً قصير المدى لمستويات الإنفاق الحالية، أي تأجيل اتخاذ القرار التشريعي قليلا فالجمهوريون راضون عن سير الأمور كما هي، خصوصاً أن إدارة ترامب كانت تقوم بتنفيذ تخفيضات الإنفاق بنفسها دون الحاجة لمشرّعي الميزانية في الكونغرس.
وقال زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، جون ثون: "أمام الديمقراطيين في مجلس الشيوخ خيار واضح: إما التصويت لصالح القرار المستمر الذي أقره مجلس النواب والذي يُبقي مستويات الإنفاق ثابتة، أو إغلاق الحكومة".
ويؤكد ثون أن الجمهوريين لن يُؤخَذوا "رهينة" لمنح "المهاجرين غير الشرعيين رعاية صحية مجانية" أمّا الديمقراطيون، فيريدون إنهاء النهج الجمهوري. إذ يتساءلون: ما الجدوى من التفاوض على اتفاقيات مستويات الإنفاق إذا كان ترامب سيتجاهلها؟
كما يعلن الديمقراطيون رفضهم دعم مشروع القانون الذي قدّمه الجمهوريون، بحجة أنه سيجعل الحصول على الرعاية الصحية أكثر صعوبة للأمريكيين، مطالبين بتمديد الإعفاءات الضريبية التي تخفض تكلفة التأمين الصحي لملايين الأمريكيين - المهددة بالانتهاء قريباً - والتراجع عن تخفيضات أجراها ترامب في برنامج الرعاية الطبية "ميديكيد".
كما يعارضون خفض الإنفاق على مراكز السيطرة على الأمراض والمعاهد الوطنية للصحة.
عدم إقرار الكونغرس لمشروع قانون قانون تمويل الحكومة المدعوم من الجمهوريين، لن يغلق الحكومة بأكملها، إذ من المتوقع أن تستمر عمليات حماية الحدود والرعاية الطبية في المستشفيات وإنفاذ القانون ومراقبة الحركة الجوية، خلال فترة الإغلاق.
لكنّ خبراء يتوقعون أن يكون هذا الإغلاق أكبر من ذلك الذي حدث في أواخر عام 2018. ويتوقعون منح قرابة 40 في المئة من العاملين في الحكومة الفيدرالية - أي أكثر من 800 ألف شخص - إجازة مؤقتة.
وبشكل عام، يستمر العاملون في الخدمات الأساسية بعملهم كالمعتاد - بعضهم دون أجر مؤقتاً - بينما يُمنح الموظفون غير الأساسيين إجازة مؤقتة دون راتب، علماً بأن هؤلاء العمال تقاضوا رواتبهم بأثر رجعي في الماضي.
وهذا يعني أنه من المتوقع تقليص أو إغلاق خدمات مثل برنامج المساعدة الغذائية، ومرحلة رياض الأطفال الممولة فيدرالياً، وإصدار القروض الطلابية، وعمليات التفتيش على الأغذية، والعمليات في المتنزهات الوطنية.
وبينما سيستمر إرسال مدفوعات الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، فإن خدمات التحقق من الاستحقاق وإصدار البطاقات قد تتوقف، كما أعلنت مكتبة الكونغرس عن استعدادها للإغلاق.
وقد يحدث تأخير في السفر إذا استمرت الأزمة وتوقف العمال الذين لم يتقاضوا أجرهم عن الحضور.
رد فعل مختلف في البيت الأبيض
وما يبرز في الأزمة الحالية هو موقف فريق ترامب، ففي الماضي، كان يُنظر إلى الإغلاقات الطويلة عادة على أنها خطيرة سياسياً، إذ كانت تعيق الحياة اليومية للناخبين وصورة المشرّعين والرئيس.
لكن هذه المرة، تبدو إدارة ترامب راضية تماماً عن إغلاق أجزاء كبيرة من الحكومة الأمريكية لفترة طويلة. وفي الواقع، هدد مسؤولون باستخدام الإغلاق لتحديد العمال "غير الأساسيين" الذين يمكن بعد ذلك تسريحهم نهائياً.
وبعد الإغلاقات السابقة، عادت العمليات الحكومية إلى طبيعتها في الغالب، إذ عادت مستويات الموظفين والإنفاق إلى مستوياتها السابقة إلى حد كبير بمجرد حل الأزمة.
وعلى مدى الأشهر التسعة الماضية، قامت إدارة ترامب بخفض الإنفاق ودفعت عمالاً إلى ترك وظائفهم، مما اختبر حدود السلطة الرئاسية، وقد يسمح الإغلاق للإدارة بتسريع تخفيضاتها الهائلة.
كيف سيؤثر الإغلاق على الاقتصاد الأمريكي؟
سيعتمد حجم الضرر، جزئياً، على المدة التي يستمر فيها الإغلاق، ومدى اتساع نطاقه في السابق، كان التعطل يميل إلى أن يكون مؤقتاً، إذ يتم تعويض معظم النشاط المفقود خلال الأشهر التي تلي انتهاء الإغلاق.
ويقدّر محللون أن الإغلاق هذه المرّة قد يخفض النمو الاقتصادي بنحو 0.1 إلى 0.2 نقطة مئوية لكل أسبوع يستمر فيه، على الرغم من إمكانية تعويض الكثير من ذلك وهذا التأثير المحدود نسبياً قد يكون السبب وراء تجاهل سوق الأوراق المالية لهذا التهديد الأخير.
لكنْ هناك طرق قد يبدو فيها هذا الإغلاق مختلفاً، فمن ناحية، هدد ترامب بطرد بعض العمال وليس مجرد منحهم إجازة مؤقتة، وهو ما سيجعل أثر الدخول في الإغلاق هذه المرة أطول أمداً.
كما أن المعركة تزيد الاضطراب في اقتصاد يُعاني بالفعل من اضطرابات ناجمة عن تغييرات تتراوح بين التعريفات الجمركية، والتخفيضات السابقة في الإنفاق الحكومي، ومداهمات الهجرة، والذكاء الاصطناعي. فضلاً عن التأخير المحتمل في نشر تقرير الوظائف الشهري لمكتب إحصاءات العمل، وهو ما يُثير قلق العاملين في وول ستريت.
خلاصة
الإغلاق الحكومي الأمريكي ليس مجرد تعطيل إداري مؤقت، بل يمثل أزمة سياسية – اقتصادية عميقة تهدد بإعادة تشكيل بنية الدولة الفيدرالية إذا استمرت.
فبينما يرى الجمهوريون في الأزمة فرصة لتقليص حجم الحكومة، يتمسك الديمقراطيون بالدفاع عن برامج الرعاية الصحية والاجتماعية.
وبين هذا وذاك، يبقى المواطن الأمريكي والاقتصاد الوطني الأكثر تضرراً، في مشهد قد يرسم ملامح جديدة لمستقبل الحكم في الولايات المتحدة.