الفضة تسجل أعلى مستوياتها منذ 14 عاماً وسط توقعات بخفض الفائدة وتزايد المخاوف الاقتصادية

قفزت أسعار الفضة إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد، مقتربة من حاجز 47 دولاراً للأونصة، لتسجل صعوداً استثنائياً مدفوعاً بتوقعات خفض الفائدة الأميركية، وتزايد الإقبال على الملاذات الآمنة مع مخاوف من إغلاق حكومي محتمل في الولايات المتحدة.

وبالتوازي مع تراجع الدولار، عززت هذه العوامل الطلب على المعدن الأبيض، الذي تفوق أداؤه على الذهب منذ بداية العام بشكل لافت، فيما انقسمت الآراء بين من يرى الصعود فرصة استثمارية ومن يحذر من مناطق الشراء المفرط.

أداء أسعار الفضة اليوم

ارتفع سعر الفضة (XAG/USD) خلال تعاملات اليوم بنسبة 2%، مسجلاً مستوى 46.9 دولار للأونصة، وهو أعلى مستوى منذ 14 عاماً، بعد أن كانت قد لامسته يوم الاثنين الماضي.

هذا الارتفاع الاستثنائي جعل المعدن الأبيض محط أنظار المستثمرين حول العالم، حيث بات يشكل بديلاً استثمارياً بارزاً بجانب الذهب في ظل الظروف الاقتصادية المعقدة التي يشهدها الاقتصاد الأميركي.

ويأتي هذا الصعود مدفوعاً بشكل أساسي بتوقعات السوق بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيواصل سياسة التيسير النقدي، مع احتمالية كبيرة لخفض جديد لأسعار الفائدة في اجتماعه المقبل خلال أكتوبر.

دور البيانات الأميركية في دعم الفضة

أظهرت بيانات التضخم الأميركية، المتمثلة في مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، ارتفاعاً سنوياً بنسبة 2.7% خلال أغسطس مقارنة بـ 2.6% في يوليو، وجاءت القراءة متماشية مع توقعات المحللين. أما المؤشر الأساسي الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة فسجل 2.9% على أساس سنوي، مما يعكس استمرار الضغوط التضخمية بوتيرة معتدلة.

هذه البيانات عززت من توقعات المستثمرين بأن الفيدرالي سيتجه نحو مزيد من خفض الفائدة. وتشير الأسواق حالياً إلى وجود احتمالية بنسبة 89% لخفض الفائدة في أكتوبر، مع فرصة بنسبة 66% لخفض إضافي في ديسمبر، وفقاً لأداة متابعة الفائدة الأميركية على موقع "إنفستنغ السعودية".

المخاوف السياسية والإغلاق الحكومي يزيدان من جاذبية الفضة

لم يكن العامل الاقتصادي وحده هو الداعم لصعود الفضة، بل ساهمت أيضاً الأوضاع السياسية المتوترة داخل الولايات المتحدة. إذ يستعد المتداولون لاحتمال إغلاق حكومي مطلع أكتوبر في حال فشل الإدارة الأميركية والكونغرس في التوصل إلى اتفاق بشأن تمويل الحكومة.

ومن المقرر أن يجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع قادة الكونغرس يوم الاثنين لمناقشة الملف المالي، في وقت تتزامن فيه هذه الأزمة مع دخول رسوم جديدة حيز التنفيذ تشمل الشاحنات والأدوية وعدداً من السلع الأخرى.

ويحذر خبراء من أن الإغلاق الحكومي، إن حدث، قد يؤدي إلى تأجيل صدور بيانات اقتصادية محورية مثل تقرير الوظائف لشهر سبتمبر وبيانات أخرى أساسية، وهو ما يزيد من حالة عدم اليقين، ويدفع المستثمرين إلى تعزيز حيازاتهم من الملاذات الآمنة مثل الفضة والذهب.

تراجع الدولار يمنح دعماً إضافياً

إلى جانب هذه التطورات، ساعد تراجع مؤشر الدولار الأميركي، الذي يقيس قوة العملة الأميركية أمام سلة من ست عملات رئيسية، في زيادة جاذبية الفضة للمستثمرين الدوليين. فقد تراجع المؤشر ليقترب من مستوى 98.00 نقطة، الأمر الذي يجعل الفضة المسعّرة بالدولار أكثر إغراءً لحائزي العملات الأخرى.

الفضة تتفوق على الذهب في المكاسب

على الرغم من أن الذهب واصل تسجيل مستويات قياسية خلال الأشهر الماضية، إلا أن أداء الفضة كان أكثر لفتاً للأنظار منذ بداية العام الجاري.

• ارتفعت أسعار الفضة في بورصة "كومكس" بنسبة 57% منذ مطلع العام.

• بينما بلغت مكاسب الذهب 45% فقط خلال الفترة ذاتها.

وفي شهر واحد فقط، قفزت الفضة بنسبة 15%، لتقترب من مستوى 50 دولاراً للأونصة، وهو السقف الذي لامسته في عام 2011. كما تمكنت العقود الأكثر نشاطاً على "كومكس" من تجاوز حاجز 47 دولاراً يوم الاثنين الماضي، في سابقة لم تحدث منذ 14 عاماً.

رؤى المحللين وتفسيرات متباينة للصعود

تباينت تفسيرات المحللين حول أسباب الصعود الحاد للفضة، حيث قالت "ثو لان نغوين"، رئيسة أبحاث الصرف والسلع في "كومرتس بنك"، إن هذا الارتفاع لا يستند بالضرورة إلى محفزات أساسية جديدة.

وأوضحت نغوين أن نقص المعروض في سوق الفضة المادية كان قائماً منذ فترة طويلة، لكن العامل الأبرز الذي عزز الطلب مؤخراً هو الارتفاع القياسي للذهب، الذي دفع بعض المستثمرين إلى البحث عن بدائل أقل تكلفة وأكثر جاذبية، ما جعل الفضة خياراً استثمارياً مثالياً.

نظرة مستقبلية: الحذر مطلوب

رغم الزخم الصعودي القوي، حذرت نغوين من أن الفضة باتت في منطقة شراء مفرط وفقاً لمؤشرات فنية مثل MACD اليومي، مما قد يفتح الباب أمام عمليات جني أرباح في حال وصول الأسعار إلى مستويات مقاومة تاريخية.

ويترقب المستثمرون خلال الأيام المقبلة سلسلة من البيانات الأميركية الهامة، أبرزها:

• تقرير فرص العمل.

• بيانات الوظائف في القطاع الخاص.

• مؤشر مديري المشتريات الصناعي (ISM).

• تقرير الوظائف غير الزراعية (NFP).

هذه البيانات ستكون حاسمة في رسم ملامح السياسة النقدية للفيدرالي خلال الفترة المقبلة، وبالتالي ستؤثر بشكل مباشر على مسار الفضة والذهب.

الخلاصة

تواصل الفضة خطف الأضواء من الذهب بعد قفزة قوية أوصلتها إلى أعلى مستوياتها منذ 14 عاماً، مدفوعة بمزيج من توقعات خفض الفائدة الأميركية، المخاوف من إغلاق حكومي محتمل، وتراجع الدولار.

ورغم أن بعض المحللين يحذرون من احتمالية التصحيح السعري، إلا أن المعدن الأبيض يظل مرشحاً لمزيد من الزخم، خاصة إذا استمرت حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي العالمي.