- الرئيسية
- الأخبار
- أخبار الاقتصاد السوري
- وزير المالية السوري يكشف عن رؤية اقتصادية جديدة وخطوات إصلاحية استراتيجية في ظل رفع العقوبات
وزير المالية السوري يكشف عن رؤية اقتصادية جديدة وخطوات إصلاحية استراتيجية في ظل رفع العقوبات

في تحوّل يُوصف بالمفصلي في مسار السياسة المالية والاقتصادية السورية، أعلن وزير المالية في الحكومة السورية، الدكتور محمد يسر برنية، عن مجموعة من الخطوات الجذرية التي تمثل الملامح الأولى للرؤية الاقتصادية الجديدة للدولة.
تأتي هذه التصريحات في أعقاب تغييرات لافتة على الساحة الدولية، في مقدمتها قرار الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وهو ما أضفى طابعًا استثنائيًا على المرحلة المقبلة التي تسعى فيها دمشق إلى إعادة بناء اقتصادها واستقطاب استثمارات نوعية.
الرؤية الاقتصادية الجديدة لسوريا
كشف الوزير برنية، في مقابلة مع قناة "الشرق" على هامش مشاركته في اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي للتنمية المنعقدة في الجزائر، أن الحكومة السورية تعمل حاليًا على إعداد ميزانية تكميلية للعام المالي الجاري 2025، إلى جانب موازنة جديدة لعام 2026.
وأوضح أن التركيز الرئيسي في هذه الموازنات سينصب على تعزيز الخدمات الأساسية للمواطنين، لا سيما في قطاعات الصحة، والتعليم، والشؤون الاجتماعية.
ورغم عدم الإفصاح عن الأرقام المحددة للموازنات المرتقبة بسبب "عدم توافر البيانات بشكل نهائي" على حد قوله، إلا أن المؤشرات تُظهر توجهًا جديدًا نحو إعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي بما يواكب متطلبات الإصلاح الداخلي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
لا نية للاقتراض الخارجي والرهان على الاستثمار والقطاع الخاص
وأكد وزير المالية بوضوح أن الحكومة السورية لا تتجه في الوقت الراهن إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية أو الإقليمية، مفضلًا بدلاً من ذلك الرهان على تهيئة بيئة استثمارية جاذبة وآمنة، بما يمكّن القطاع الخاص من قيادة الاقتصاد والمشاركة الفاعلة في مشاريع التنمية، في إطار سياسة جديدة تسعى إلى تمكين المستثمرين المحليين والدوليين من العمل ضمن مناخ اقتصادي مستقر وشفاف.
وشدّد على أن الحكومة "لا تريد مزاحمة القطاع الخاص"، بل تؤمن بأن دوره محوري في مرحلة إعادة الإعمار وتحريك عجلة الإنتاج، وهو ما يتطلب إزالة المعوقات وتقديم التسهيلات اللازمة لتعزيز الشراكة بين الدولة والمستثمرين.
لفت الوزير برنية إلى أن الدولة السورية هي من تضع برامج الإصلاح الاقتصادي وتشرف على تنفيذها بشكل مباشر، دون خضوع لإملاءات خارجية، في الوقت الذي تستفيد فيه من الخبرات الفنية للمؤسسات الدولية، بالإضافة إلى دعم الأشقاء من الدول العربية، في إشارة إلى بيئة التعاون الإقليمي المتنامية بعد استعادة سوريا لجزء من حضورها السياسي والدبلوماسي في المنطقة.
وبيّن وزير المالية أن جزءًا من الميزانية الجاري إعدادها سيُخصص لوضع استراتيجية اقتصادية متكاملة تعكس رؤية الدولة خلال السنوات المقبلة، وتشمل دعم بيئة الأعمال، وتعزيز البنية التحتية، وتمكين رأس المال الوطني من قيادة مشاريع الإنتاج والاستثمار، إلى جانب استقطاب التكنولوجيا والخبرات الأجنبية.
قد يهمك : تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي حول خفض الأسعار وإنعاش البورصة وطباعة العملة
رفع العقوبات خطوة مفصلية نحو التعافي الاقتصادي
وفي معرض حديثه عن قرار الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وصف الوزير الخطوة بأنها تحول كبير له أثر مباشر على الاقتصاد السوري، مشيرًا إلى أنها ستُسهم في إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتحسين الخدمات العامة، والبنى التحتية، واستقطاب التكنولوجيا والمعرفة التي تعتبر ضرورية لإنجاح عملية الإصلاح والتنمية.
وقدّر برنية الدور الإيجابي للدول العربية التي ساهمت في الدفع نحو هذا القرار، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، وتركيا، وباقي الدول العربية، مؤكدًا أن الدعم العربي والدولي هو عامل حيوي في المرحلة القادمة.
استقطاب الاستثمارات وإعادة ربط النظام المصرفي السوري بالعالم
ودعا وزير المالية المستثمرين من جميع دول العالم إلى استغلال الفرص الاقتصادية الواعدة في سوريا، مشيرًا إلى أن توفر التكنولوجيا والمعرفة، نتيجة رفع العقوبات، سيكون له أثر كبير في تحفيز المستثمرين السوريين والأجانب على دخول السوق المحلية.
كما أكد أن الحكومة السورية تعمل حاليًا على خطوات عملية لإعادة ربط البنوك السورية بالنظام المصرفي العالمي، وهو ما يُعتبر عنصرًا أساسيًا في استعادة حركة التمويل والتجارة الدولية، وتمكين القطاع المالي من أداء وظائفه بشكل طبيعي.
عودة سوريا لاجتماعات البنك الإسلامي للتنمية
وفي إنجاز دبلوماسي لافت، عبّر وزير المالية عن سعادته بعودة سوريا للمشاركة في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية بعد سنوات من الغياب، موضحًا أن البنك سيلعب دورًا محوريًا خلال الفترة المقبلة عبر تمويل مشاريع في قطاعات الكهرباء، الزراعة، الصحة، البنية التحتية، والقطاع المالي، وغيرها من المجالات الحيوية التي تحتاج إلى استثمارات نوعية لدعم التنمية المستدامة.
إلغاء الحجوزات الاحتياطية
في سياق الإصلاحات الاجتماعية، أعلن وزير المالية عن إلغاء جميع الحجوزات الاحتياطية المفروضة على أموال المواطنين السوريين المتخلفين عن أداء خدمة العلم، وهي خطوة اعتبرها جزءًا من السياسة الجديدة للدولة الهادفة إلى بناء دولة العدالة والمساواة.
ووفقًا لتصريحات الوزير، شمل القرار نحو 66 ألف مواطن سوري، وتبلغ قيمة بدلات الخدمة العسكرية التي تم إلغاء الحجوزات بشأنها نحو 530 مليون دولار. وأشار إلى أن وزارة الدفاع السورية كانت قد ألغت الإجراءات المتخذة بحق هؤلاء المواطنين، مما مهّد لهذا القرار المالي، الذي يهدف إلى إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، وتحقيق ما وصفته الحكومة بـ"العدالة الاجتماعية".
قرار الاتحاد الأوروبي: تحول دبلوماسي واقتصادي "تاريخي"
ووصف وزير المالية قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات عن سوريا بـ"القرار التاريخي"، مؤكدًا أنه سيسرّع من وتيرة بناء شراكة وتعاون سوري أوروبي قائم على المصالح المشتركة.
وأوضح، في تصريحاته لوكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، أن وفدًا أوروبيًا زار دمشق مؤخرًا وبحث سبل دعم الإصلاحات الاقتصادية والإدارية السورية، والمساهمة في الاستثمار وبناء القدرات، مشيرًا إلى أهمية الانفتاح على أوروبا في هذه المرحلة المفصلية.
تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي
من جهته، أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية أن تزامن رفع العقوبات الأميركية والأوروبية يمثّل محطة حاسمة نحو استعادة العلاقات الاقتصادية والمالية الطبيعية مع المجتمع الدولي. وأوضح أن هذه الخطوة ستدعم استقرار النظام المالي وتُعيد الثقة الدولية بسوريا كبيئة صالحة للاستثمار والتعاون الاقتصادي.
وشدّد على أهمية استمرار الدعم من الدول الأوروبية الصديقة، معتبرًا أن الجهود الدبلوماسية المشتركة تعكس التزامًا صادقًا بالحوار والتفاهم الدولي، مشيرًا إلى أن ذلك سيكون له دور محوري في مرحلة إعادة الإعمار الاقتصادي والمؤسساتي.
خلاصة:
تشير هذه التطورات إلى مرحلة تحول اقتصادي شاملة في سوريا، ترتكز على إصلاحات هيكلية، وموازنة جديدة، وفتح أبواب الاستثمار، والعودة إلى الساحة المالية الإقليمية والدولية. وتأتي هذه الخطوات في سياق رفع العقوبات الغربية، مما يعزز الأمل في استعادة النمو الاقتصادي واستقطاب الدعم الدولي، بالتوازي مع سياسات حكومية جديدة تؤكد الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع الدولي.