- الرئيسية
- الأخبار
- أخبار الاقتصاد العالمي
- رحلة الدين الأميركي من ملايين إلى تريليونات.. ارتفاع قياسي بالدين يثير قلق الأسواق العالمية
رحلة الدين الأميركي من ملايين إلى تريليونات.. ارتفاع قياسي بالدين يثير قلق الأسواق العالمية

تعيش الولايات المتحدة الأميركية واحدة من أخطر مراحلها المالية في التاريخ الحديث، بعد أن اقترب الدين العام الفيدرالي من حاجز 38 تريليون دولار، وسط ارتفاع قياسي في حجم الاقتراض خلال يومين فقط.
هذا التصاعد الحاد في الديون يعكس هشاشة التوازن المالي الأميركي ويثير مخاوف عالمية بشأن مستقبل الاقتصاد الأكبر في العالم، لا سيما في ظل ارتفاع معدلات الفائدة وتشديد السياسات النقدية.
قفزة قياسية بالدين العام الأمريكي
وفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، ارتفع الدين العام بمقدار 358 مليار دولار خلال يومين فقط أثناء الانتقال من السنة المالية السابقة إلى الحالية، في زيادة غير مسبوقة من حيث السرعة والحجم.
ففي 30 سبتمبر/ أيلول 2025 – آخر يوم من السنة المالية السابقة – ارتفع الدين بنحو 131 مليار دولار، ثم قفز في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2025 بمقدار 226.5 مليار دولار، ليصل الإجمالي إلى نحو 37.86 تريليون دولار.
الزيادة الكبرى جاءت من التزامات الحكومة تجاه الوكالات الفيدرالية، والتي ارتفعت بنحو 266 مليار دولار خلال يومين فقط.
ويُشير محللون إلى أن هذا الارتفاع يعكس توسعاً مستمراً في الإنفاق الحكومي، خاصة في قطاعات الدفاع والرعاية الصحية والتقاعد، مقابل تراجع في الإيرادات الضريبية.
وبحسب تقديرات بنك أوف أميركا، فإن الولايات المتحدة تنفق الآن ما يعادل 44% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، وهو مستوى يقارب ما شهدته البلاد في فترة الحرب العالمية الثانية وأزمة 2008 المالية العالمية.
كان صندوق النقد الدولي قد أصدر تحذيراً في أبريل/ نيسان 2024 من أن ارتفاع الديون الأميركية لمستويات قياسية يشكل تهديداً مباشراً للاستقرار المالي العالمي.
وأشار التقرير إلى أن تنامي الدين الأميركي وارتفاع أسعار الفائدة يؤديان إلى زيادة عوائد سندات الخزانة الأميركية، ما ينعكس على تكاليف الاقتراض العالمية ويرفع معدلات الفائدة في العديد من الدول.
رحلة الديون الأميركية: من ملايين إلى تريليونات
منذ التأسيس وحتى القرن العشرين
بدأت الولايات المتحدة رحلتها مع الدين العام بعد حرب الاستقلال (1775 – 1783)، حين بلغت الديون حوالي 75 مليون دولار فقط.
لكن مع مرور الوقت وتوسع الحكومة الفيدرالية، ارتفعت الديون بشكل تدريجي، خاصة بعد الحرب الأهلية الأميركية (1861 – 1865)، التي ضاعفت الديون إلى ما يقارب 3 مليارات دولار.
وفي بداية القرن العشرين، ورغم فترة ازدهار اقتصادي، ارتفعت الديون مجدداً بسبب الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي والحرب العالمية الثانية، حيث تجاوز الدين حينها 260 مليار دولار، أي أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي.
مرحلة الحرب الباردة والإنفاق العسكري
في فترة الخمسينيات والستينيات، ومع تصاعد سباق التسلح خلال الحرب الباردة، حافظت الديون على مستويات مرتفعة لكنها مستقرة نسبيًا.
غير أن الحرب في فيتنام وبرامج الرعاية الاجتماعية في عهد الرئيس ليندون جونسون أدت إلى زيادة جديدة، فبلغ الدين نحو 400 مليار دولار بحلول عام 1970.
عصر الريغان والديون المضاعفة
شهدت فترة الرئيس رونالد ريغان (1981–1989) طفرة في الدين العام الأميركي نتيجة خفض الضرائب وزيادة الإنفاق العسكري، ليرتفع الدين من حوالي 900 مليار دولار إلى أكثر من 2.6 تريليون دولار خلال ثمانينيات القرن الماضي.
واستمر الاتجاه الصعودي خلال التسعينيات رغم محاولات التقشف، ليصل الدين إلى 5.6 تريليون دولار بحلول عام 2000.
الألفية الجديدة: أزمات متتالية
مع اندلاع هجمات 11 سبتمبر 2001 وحروب أفغانستان والعراق، بدأت الديون بالتصاعد مجدداً.
وفي عهد الرئيس جورج بوش الابن، تجاوز الدين 10 تريليونات دولار، ثم تضاعف تقريباً بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، حيث تبنت الحكومة حزم تحفيز ضخمة لدعم النظام المالي.
أما في عهد باراك أوباما، فقد تجاوز الدين 19 تريليون دولار، واستمر في الارتفاع خلال عهد دونالد ترامب، مدفوعاً بسياسات خفض الضرائب وجائحة كوفيد-19، ليصل في عام 2020 إلى أكثر من 27 تريليون دولار.
المرحلة الحالية: تضخم غير مسبوق في الدين
منذ عام 2021 وحتى اليوم، تسارعت وتيرة تراكم الديون نتيجة برامج الإنفاق الاجتماعي والبنية التحتية التي أقرّتها إدارة جو بايدن، إلى جانب تكاليف رفع أسعار الفائدة من قِبل الاحتياطي الفيدرالي لمكافحة التضخم.
وبحلول أكتوبر 2025، اقترب الدين من 38 تريليون دولار، وهو مستوى قياسي تاريخي، يعادل تقريباً 120% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي.
انعكاسات أزمة الديون على الأسواق العالمية
الدولار والذهب في دائرة التأثر
ارتفاع الديون الأميركية عادة ما يضغط على قيمة الدولار الأميركي على المدى الطويل، إذ يؤدي إلى مخاوف من زيادة المعروض النقدي وتمويل العجز عبر الاقتراض.
وفي المقابل، يستفيد الذهب كملاذ آمن، حيث يلجأ المستثمرون إليه للتحوط من مخاطر الدين والتضخم وضعف الدولار.
وبالفعل، أظهرت الأسابيع الأخيرة اتجاهاً صعودياً في أسعار الذهب بالتزامن مع تصاعد القلق من تراكم الدين الأميركي، وارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل التي تؤثر بدورها على الأسواق العالمية.
احتمالات المستقبل: هل تقترب واشنطن من أزمة ثقة مالية؟
يُجمع الخبراء على أن استمرار هذا المسار دون إصلاحات مالية هيكلية سيضع واشنطن أمام معضلة حقيقية.
فخدمة الدين (مدفوعات الفائدة فقط) قد تتجاوز قريباً تريليون دولار سنوياً، وهو ما يعني أن الحكومة الأميركية ستنفق أكثر على الفوائد من إنفاقها على الدفاع أو التعليم.
وفي حال فشل الكونغرس في التوصل إلى اتفاقات بشأن رفع سقف الدين أو ضبط الإنفاق، قد تواجه الولايات المتحدة أزمة ثقة تهز مكانة سندات الخزانة التي تعدّ أساس النظام المالي العالمي.
خلاصة: جبل ديون يهدد الاقتصاد العالمي
بينما تتجه الديون الأميركية لتجاوز حاجز 38 تريليون دولار، يبدو أن الاقتصاد العالمي مقبل على مرحلة دقيقة تتطلب توازناً بين الاستدامة المالية والسياسات التحفيزية.
فأكبر اقتصاد في العالم يواجه اليوم تحدياً يتمثل في السيطرة على الدين دون خنق النمو، وهي معادلة صعبة قد تحدد مستقبل النظام المالي لعقود قادمة.