شهدت أسعار النفط تراجعاً ملحوظاً خلال التداولات الآسيوية يوم الثلاثاء، في ظل تركيز الأسواق على احتمالية التوصل إلى اتفاق سلام بوساطة أمريكية بين روسيا وأوكرانيا، وهو تطور يحمل في طياته تأثيرات مباشرة على سوق الطاقة العالمي وتوازنات المعروض النفطي.
ورغم هذا التراجع، بقيت الخسائر محدودة بفعل دخول العقوبات الأمريكية الصارمة على أكبر شركات النفط الروسية حيز التنفيذ، ما أبقى حالة من الحذر والترقب بين المتداولين والمستثمرين في أسواق النفط الخام.
ورغم أن أسعار النفط كانت قد سجلت بعض المكاسب خلال جلسة يوم الاثنين، إلا أنها لا تزال ترزح تحت وطأة خسائر حادة تكبدتها خلال الأسابيع الماضية، وسط تنامي المخاوف من تخمة محتملة في المعروض النفطي وتراجع الطلب العالمي على الطاقة، في ظل تباطؤ النشاط الاقتصادي وغياب محفزات قوية تعيد الزخم إلى السوق.
كما أن الرهانات المتجددة على خفض أسعار الفائدة في ديسمبر من قبل الاحتياطي الفيدرالي لم تقدم دعماً مؤثراً لأسعار الخام، خاصة مع استقرار الدولار الأمريكي، الذي غالباً ما يشكل عاملاً ضاغطاً على أسعار السلع المقومة به، وفي مقدمتها النفط.
أداء أسعار النفط اليوم
سجلت العقود الآجلة لخام برنت انخفاضاً قدره 17 سنتاً، أي ما يعادل 0.3%، لتصل إلى 63.20 دولار للبرميل بحلول الساعة 01:58 بتوقيت غرينتش، فيما تراجع خام غرب تكساس الوسيط بمقدار 12 سنتاً أو 0.2% ليصل إلى 58.71 دولار للبرميل، في إشارة واضحة إلى استمرار الضغوط البيعية على سوق النفط وسط حالة من عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي.
ورغم هذا التراجع، كان الخامان القياسيان قد حققا ارتفاعاً بنسبة 1.3% خلال جلسة الاثنين، مدفوعين بتزايد الشكوك حول إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام سريع ينهي الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما قلل من التوقعات بتدفق إمدادات النفط الروسي دون قيود، وفقاً لتقارير وكالة رويترز، إلا أن هذا الدعم لم يدم طويلاً مع عودة المخاوف المتعلقة بزيادة المعروض.
في المقابل، لم تنجح التوترات العسكرية المتصاعدة في الشرق الأوسط في تقديم دعم فعلي لأسعار النفط، حتى مع ورود تقارير تفيد بأن إسرائيل انتهكت مجدداً وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي يعكس تراجع تأثير المخاطر الجيوسياسية قصيرة الأمد أمام العوامل الهيكلية المرتبطة بالعرض والطلب العالميين.
الولايات المتحدة وأوكرانيا تتحركان نحو صياغة صفقة سلام مع روسيا
كشفت تقارير يوم الاثنين أن مسؤولين من الولايات المتحدة وأوكرانيا يعملون بشكل مشترك على تطوير خطة شاملة تهدف إلى إنهاء النزاع مع روسيا، في خطوة قد تعيد تشكيل مشهد أسواق الطاقة العالمية. وقد تم الإعلان عن خطة معدلة عقب محادثات السلام التي عقدت في جنيف يوم الأحد، رغم غياب تفاصيل موسعة حول طبيعة الاتفاق المقترح وآليات تنفيذه.
وكانت واشنطن قد طرحت في وقت سابق من الشهر خطة مكونة من 28 نقطة لإنهاء الحرب، إلا أن هذه المبادرة واجهت انتقادات لكونها تميل بشكل واضح نحو المصالح الروسية، ما أثار جدلاً واسعاً بشأن توازنها وجدواها السياسية.
ويُنظر إلى احتمال إنهاء الحرب بوصفه عاملاً ضاغطاً على أسعار النفط، إذ إن هذا السيناريو قد يؤدي إلى تحرير شحنات النفط الروسي وإعادتها إلى الأسواق دون قيود صارمة، ما يعزز المعروض العالمي ويزيد من احتمالات حدوث فائض في الإمدادات، خاصة في ظل مستويات المخزون المرتفعة بالفعل.
أي زيادات إضافية في المعروض النفطي قد تسهم في تعميق اختلال التوازن في سوق الطاقة، وتدفع نحو تخمة أكبر من المتوقع خلال العام المقبل، وهو ما يثير قلق المستثمرين ويحد من فرص تعافي أسعار النفط على المدى المتوسط.
العقوبات الأمريكية على روسيا تحت المجهر
دخلت العقوبات الأمريكية المفروضة على أكبر شركات النفط الروسية، وعلى رأسها Rosneft وLukoil، حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، لتشكل واحدة من أشد حزم العقوبات التي تستهدف قطاع الطاقة الروسي حتى الآن. وتترقب الأسواق حالياً مدى تأثير هذه القيود على سلاسة إمدادات النفط العالمية وسلاسل التوريد الدولية.
وتعمل هذه العقوبات على قطع عدة مسارات تصدير حيوية لصناعة النفط الروسية، ما يجعل من الصعب على كبار المشترين الحصول على الخام الروسي، وهو ما كان قد دفع أسعار النفط إلى الارتفاع مؤقتاً قبل أن تتلاشى تلك المكاسب تحت ضغط المخاوف المتعلقة بفائض المعروض العالمي.
وفي هذا السياق، أشار دويتشه بنك في مذكرة صدرت يوم الاثنين إلى توقعه تسجيل فائض في النفط الخام خلال عام 2026 لا يقل عن مليوني برميل يومياً، مؤكداً عدم وجود مسار واضح للعودة إلى حالة العجز في السوق حتى عام 2027، وهو ما يعزز النظرة السلبية تجاه آفاق الأسعار المستقبلية.
وأوضح المحلل مايكل هسويه أن المسار المتوقع لأسواق النفط حتى عام 2026 لا يزال يميل إلى الاتجاه الهبوطي، في ظل ضعف الطلب وتزايد المعروض، وهو ما يطغى على احتمالات فشل المفاوضات السياسية لإنهاء النزاع العسكري.
وفي حال التوصل إلى اتفاق سلام فعلي بين روسيا وأوكرانيا، قد يتم رفع العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، ما سيطلق العنان لإمدادات نفطية كانت مكبلة، ويزيد الضغوط على أسعار الخام في الأسواق العالمية.
ورغم هذه التحديات، تجد أسعار النفط بعض الدعم المحدود من التوقعات المتزايدة بأن الولايات المتحدة قد تقدم على خفض أسعار الفائدة خلال ديسمبر، وهو ما قد يسهم في تحفيز النمو الاقتصادي العالمي وتعزيز الطلب على النفط الخام والطاقة، إلا أن هذا الدعم يظل هشاً أمام واقع المعروض المتزايد والمخاوف الاقتصادية المستمرة.
بهذا المشهد المعقد، يبقى سوق النفط في حالة توتر بين عوامل جيوسياسية متغيرة، وسياسات نقدية مرتقبة، وتحديات هيكلية تتعلق بتوازن العرض والطلب، ما يجعل الفترة المقبلة حافلة بالتقلبات وفرص المضاربة الدقيقة في أسواق الطاقة العالمية.
