سعر البتكوين يتراجع تحت ضغط التوترات التجارية ومخاوف التضخم في الولايات المتحدة

شهدت عملة البتكوين تراجعًا ملحوظًا في قيمتها وسط تصاعد التوترات التجارية ومخاوف التضخم في الولايات المتحدة يأتي هذا الانخفاض بالتزامن مع تقارير وتحليلات اقتصادية وتحركات مثيرة من قبل بعض الشركات الكبرى لاعتماد العملات الرقمية كأصول مالية بديلة.

كما يبرز محضر اجتماع الفيدرالي الأميركي كمحور أساسي في تفسير هذا التراجع، بالإضافة إلى تحركات لافتة لشركات مثل "ترامب ميديا" و"تسلا" نحو البيتكوين. في هذا التقرير الموسع، نستعرض أبعاد هذه التطورات، ونحلل اتجاهات السوق، ونتناول أبرز العملات الرقمية الأخرى المتأثرة.

أداء سعر البيتكوين اليوم

في تمام الساعة 10:00 صباحًا بتوقيت تركيا، تراجع سعر عملة البتكوين بنسبة 1.76% ليصل إلى 103,867 دولارًا، بانخفاض لافت عن مستويات الأيام الماضية.

ويتزامن هذا الانخفاض مع استمرار موجة التوترات التجارية بين الاقتصادات الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى تنامي المخاوف من ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ النشاط الاقتصادي الأميركي.

كما تراجع رأس المال السوقي الكلي للعملات الرقمية ليصل إلى 2.06 تريليون دولار، ما يعكس تراجع ثقة المستثمرين في الأصول الرقمية في الوقت الراهن، وسط بيئة اقتصادية شديدة التقلب.

الجدير بالذكر أن هذا الانخفاض يأتي بعد وقت قصير من تسجيل البتكوين أعلى مستوى قياسي له على الإطلاق، إذ تجاوز 111,000 دولار في 22 مايو الجاري، قبل أن يبدأ سلسلة من التراجعات التصحيحية المتتالية. وكان السعر قد استقر في الأيام السابقة حول مستوى 108,000 دولار، ما يشير إلى أن موجة التصحيح الحالية قد تكون نتيجة ضغوط خارجية متزايدة، أبرزها السياسة النقدية الأميركية.

محضر الفيدرالي الأميركي

أحد المحفزات الرئيسة لهذا الانخفاض تمثل في محضر اجتماع لجنة السياسة النقدية للفيدرالي الأميركي لشهر مايو، والذي كشف عن مخاوف متزايدة بين المسؤولين بشأن استمرار ارتفاع معدلات التضخم، والتحديات المرتقبة التي قد تعيق جهود تحقيق استقرار الأسعار دون التسبب في ركود اقتصادي.

وحذر المحضر من أن الاحتياطي الفيدرالي قد يُجبر على اتخاذ "مقايضات صعبة" بين كبح التضخم المرتفع والتعامل مع نسب البطالة المتزايدة. كما أشار إلى مخاطر على الاستقرار المالي في ظل التقلبات العنيفة التي شهدتها أسواق السندات، مؤكدًا أن أي تغيير جوهري في النظرة العالمية للدولار الأميركي كملاذ آمن قد يخلّف تأثيرات عميقة على النظام المالي العالمي.

تحول الشركات إلى العملات الرقمية

أثار تقرير تحليلي نُشر في صحيفة فايننشال تايمز جدلًا واسعًا، بعدما سلط الضوء على توجّه متصاعد بين بعض الشركات الأميركية نحو اعتماد البتكوين كأصل مالي رئيسي ضمن نماذج أعمالها، بديلًا عن النقد التقليدي أو توزيع الأرباح على المساهمين.

أشار التقرير إلى أن الفرضيات المالية التقليدية تنصح بعدم احتفاظ الشركات بكميات كبيرة من السيولة، بل إعادة هذه الأموال للمساهمين ومع ذلك، فقد تحولت شركات ضخمة مثل "آبل" و"بيركشاير هاثاوي" إلى خزائن مالية نقدية عملاقة دون أن تثير اعتراضات من المستثمرين، مما يعكس الثقة في قوة تلك المؤسسات.

لكن اللافت مؤخرًا، أن عددًا متزايدًا من الشركات بات لا يكتفي بالاحتفاظ بالنقد، بل بدأ في استبداله بالبتكوين، في تحوّل يعكس تراجع الثقة بالدولار الأميركي في ظل السياسات النقدية التوسعية والضغوط التضخمية.

ترامب ميديا تقود الموجة الجديدة للاستثمار في البتكوين

من أبرز الأمثلة على هذا التوجّه، شركة "ترامب ميديا آند تكنولوجي"، المالكة لمنصة "تروث سوشيال"، التي جمعت مؤخرًا 2.5 مليار دولار لهذا الغرض، موزعة بين 1.44 مليار دولار من بيع أسهم وحوالي مليار دولار من السندات القابلة للتحويل.

تم تنفيذ صفقة الأسهم عند 25.72 دولارًا للسهم، وتخطط الشركة لاستخدام صافي العائدات البالغ 2.32 مليار دولار في استثمارات تشمل شراء البيتكوين، لتلتحق بموجة شركات أخرى سبقتها على هذا الطريق من بين تلك الشركات:

• رامبل (Rumble): منصة ذات توجه محافظ.

• غيم ستوب (Game Stop): الشركة الشهيرة بتقلبات أسهمها في عام 2021.

• تسلا (Tesla): بقيادة الملياردير إيلون ماسك، الذي كان من أوائل المدافعين عن العملات الرقمية.

كما أن شركة "بي إس كيو" المرتبطة بعائلة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي تضم نجله دونالد ترامب جونيور في مجلس إدارتها، تبنّت استراتيجية مماثلة، على غرار شركة "مايكروستراتيجي" التي كانت من أولى الشركات التي استخدمت البتكوين كاحتياطي مالي.

انعكست هذه التحركات إيجابيًا على أداء سهم "ترامب ميديا"، إذ ارتفع بنسبة 2.45% ليصل إلى 21.34 دولارًا، بعد أن لامس 22.41 دولارًا خلال جلسة التداول.

أسعار أبرز العملات الرقمية الأخرى

مع تراجع البتكوين، شهدت معظم العملات الرقمية الكبرى الأخرى انخفاضات متفاوتة، ما يؤكد عمق الموجة التصحيحية وتأثيرها الواسع على السوق ككل:

• سولانا (Solana): السعر الحالي 155.05 دولار – انخفاض 4.68%

• بينانس كوين (BNB): السعر الحالي 653.30 دولار – انخفاض 2.08%

• ريبل (XRP): السعر الحالي 2.1348 دولار – انخفاض 2.54%

• دوج كوين (Dogecoin): السعر الحالي 0.189638 دولار – انخفاض 7.17%

• شيبا إينو (Shiba Inu): السعر الحالي 0.00001255 دولار – انخفاض 5.99%

• كاردانو (Cardano): السعر الحالي 0.6669 دولار – انخفاض 4.71%

توقعات السوق

في ضوء المعطيات الحالية، يرى محللون أن ما يحدث قد لا يكون مجرد تصحيح سعري عابر، بل ربما يشير إلى تغيرات أعمق في هيكل السوق والعلاقة المتقلبة بين العملات الرقمية والسياسات النقدية والمالية التقليدية.

إذا استمرت موجات التضخم في الولايات المتحدة، وتباطأ الاقتصاد، فإن توجه المستثمرين – سواء الأفراد أو المؤسسات – نحو العملات الرقمية قد يشهد مزيدًا من التوسع، لكن أيضاً مزيدًا من المخاطر، خصوصًا في ظل التحديات التنظيمية والأمنية.

خاتمة: بيتكوين في عين العاصفة المالية العالمية

يبدو أن عملة البتكوين لم تعد فقط ظاهرة استثمارية رقمية، بل تحولت إلى أداة مالية تعكس مزاج الأسواق وتقلبات السياسات الاقتصادية الكبرى. وبين تحركات الفيدرالي الأميركي، وقرارات شركات كبرى تتحدى السائد، يبقى مستقبل العملات الرقمية مرهونًا بالتوازن بين الابتكار والمخاطرة، وبين التوسع والرقابة.

وفي ظل كل هذه الديناميكيات، يظل السؤال الأهم: هل البتكوين فعلاً ملاذ آمن في زمن الأزمات، أم مجازفة محفوفة بالتقلبات؟