الذهب يرتفع لكنه بقي قريبًا من أدنى مستوى له في ثلاثة أسابيع مع استمرار قوة الدولار

شهدت أسعار الذهب العالمية يوم الأربعاء ارتفاعًا طفيفًا، لكنها بقيت قريبة من أدنى مستوى لها في ثلاثة أسابيع، وذلك في ظل استمرار قوة الدولار الأميركي وتزايد رهانات المستثمرين على ما سيصدر من إشارات عن السياسة النقدية خلال ندوة "جاكسون هول" المرتقبة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

يأتي ذلك بينما تتشابك العوامل الاقتصادية مع التطورات السياسية والجيوسياسية، لتجعل المشهد أكثر تعقيدًا بالنسبة للأسواق العالمية، سواء من حيث اتجاهات الذهب أو تحركات الدولار أو توقعات أسعار الفائدة.

أداء أسعار الذهب اليوم

ارتفع الذهب بشكل طفيف في تعاملات الأربعاء، لكنه ظل محاصرًا بالقرب من أدنى مستوى له في ثلاثة أسابيع، وهو ما يعكس حالة التوازن الهش بين عوامل الدعم والضغط التي تواجه المعدن النفيس.

فمن جهة، أدت قوة الدولار الأميركي إلى الحد من جاذبية الذهب للمستثمرين حاملي العملات الأخرى، حيث ارتفع مؤشر الدولار الأميركي إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من أسبوع. ومن المعروف أن ارتفاع الدولار يجعل الذهب – وهو أصل مقوم بالدولار – أكثر تكلفة بالنسبة للمستثمرين العالميين، وبالتالي يقلل من الطلب عليه.

وفي هذا السياق، أوضح المحلل الأول للأسواق في شركة "أواندا"، كلفن وونغ، أن الضغوط الحالية على الذهب لا تنبع فقط من قوة الدولار، بل أيضًا من تحسن شهية المخاطرة نتيجة التطورات الجيوسياسية الأخيرة، وهو ما يقلل من الإقبال على الذهب كملاذ آمن.

لكنه شدد في الوقت نفسه على أن المستثمرين يترقبون كلمة رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في جاكسون هول، معتبرين أن ما سيقوله قد يشكل ملامح المرحلة المقبلة من السياسة النقدية الأميركية.

ترقب ندوة "جاكسون هول" ومحاضر اجتماع الفيدرالي

يترقب المستثمرون في مختلف الأسواق العالمية خطاب جيروم باول المقرر يوم الجمعة في ندوة "جاكسون هول" بمدينة وايومنغ الأميركية، وهي الفعالية التي أصبحت إحدى أهم المنصات التي يستخدمها الفيدرالي لإرسال رسائل استراتيجية حول مستقبل السياسة النقدية.

ويزيد من أهمية هذا الخطاب أنه يأتي في وقت حساس، حيث تزايدت رهانات الأسواق على خفض أسعار الفائدة بدءًا من اجتماع سبتمبر المقبل.

إلى جانب ذلك، من المقرر أن تصدر في وقت لاحق اليوم محاضر اجتماع الفيدرالي لشهر يوليو، والتي من المتوقع أن تقدم المزيد من التوضيح بشأن النقاشات الداخلية بين أعضاء لجنة السياسة النقدية حول اتجاه أسعار الفائدة. وتكتسب هذه المحاضر أهمية إضافية لأنها قد تكشف عن مدى الانقسام داخل المجلس بشأن توقيت وحجم أي خفض محتمل للفائدة.

توقعات المؤسسات المالية: ANZ ترى دعمًا قادمًا للذهب

في مذكرة بحثية حديثة، أشارت مؤسسة ANZ إلى أن الخلفية الاقتصادية الكلية قد تصبح أكثر دعمًا للذهب في الفترة المقبلة، خاصة في حال بدأ الفيدرالي خفض أسعار الفائدة فعليًا بدءًا من سبتمبر.

وأوضحت المؤسسة أن زيادة الرسوم الجمركية سيكون لها أثر سلبي على النمو الاقتصادي الأميركي، وهو ما قد يعزز الطلب على الذهب كأداة تحوط ضد التباطؤ وعدم اليقين.

وأكدت المذكرة أن الذهب عادةً ما يحقق أداءً جيدًا في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة ومع تصاعد المخاطر الاقتصادية والسياسية، وهو ما يجعل المعدن الأصفر خيارًا استثماريًا قويًا في المرحلة المقبلة.

البعد الجيوسياسي: أوكرانيا في صدارة الأحداث

على الصعيد الجيوسياسي، جاء موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير ليضيف بعدًا جديدًا إلى معادلة الأسواق. فقد استبعد ترامب يوم الثلاثاء إرسال قوات برية إلى أوكرانيا، لكنه لم يغلق الباب أمام خيار تقديم دعم جوي كجزء من صفقة محتملة لإنهاء الحرب الروسية في المنطقة.

من جانبه، وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المحادثات مع البيت الأبيض بأنها "خطوة كبيرة إلى الأمام" نحو إنهاء أعنف صراع تشهده أوروبا منذ ثمانية عقود، وأشار إلى إمكانية عقد اجتماع ثلاثي يجمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترامب في المستقبل القريب.

هذه التطورات من شأنها أن تؤثر على أسواق الطاقة والذهب، نظرًا لأن أي بوادر انفراج أو تصعيد في الأزمة الأوكرانية عادة ما يكون لها انعكاسات مباشرة على معنويات المستثمرين واتجاهاتهم نحو الأصول الآمنة.

تصاعد المواجهة بين ترامب وباول

على الصعيد الداخلي الأميركي، صعّد الرئيس ترامب هجومه على رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، واصفًا إياه بـ "المتأخر جدًا" في اتخاذ قرارات خفض أسعار الفائدة.

وقال ترامب في منشور على منصة Truth.Social:

"هل يمكن لأحد أن يخبر جيروم ’المتأخر جدًا’ باول أنه يضر بصناعة الإسكان بشكل كبير؟ الناس لا يستطيعون الحصول على رهن عقاري بسببه. لا يوجد تضخم، وكل المؤشرات تشير إلى خفض كبير في سعر الفائدة. ’المتأخر جدًا’ هو كارثة".

ويرى ترامب أن رفض باول خفض أسعار الفائدة الآن يضر بسوق الإسكان، في وقت ترتفع فيه تكاليف الرهون العقارية. وجاءت هذه التصريحات قبل أيام فقط من الكلمة المرتقبة لباول في ندوة جاكسون هول.

اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها ترامب باول، إذ سبق أن اتهمه مرارًا بالتباطؤ في الاستجابة للمتغيرات الاقتصادية.

كما ترددت أنباء عن أن ترامب يبحث عن طرق لإقالته قبل انتهاء ولايته المقررة في مايو 2026، في خطوة تهدف إلى تقويض موقفه المتشدد نسبيًا بشأن أسعار الفائدة.

رهانات الأسواق على خفض الفائدة

تتوقع الأسواق الآن بنسبة 84.4% أن يقوم الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماعه في منتصف سبتمبر، وفقًا لمؤشر CME Fedwatch.

وقد غذّت هذه التوقعات بيانات الرواتب الضعيفة وتباطؤ تضخم المستهلك في يوليو، وهما عاملان يعتبرهما الفيدرالي من أبرز محددات سياسته النقدية.

لكن على الجانب الآخر، جاءت قراءة تضخم المنتجين أعلى من المتوقع خلال يوليو، وهو ما أثار بعض الشكوك حول مدى اقتناع الفيدرالي بضرورة الإسراع في خفض الفائدة الشهر المقبل.

ورغم أن باول لا يزال متحفظًا في التزامه بأي مسار مستقبلي للفائدة، إلا أن الضغوط السياسية من ترامب والانقسام داخل مجلس الفيدرالي نفسه، حيث صوت اثنان من أعضائه لصالح خفض الفائدة في يوليو، قد تدفع باتجاه اتخاذ خطوة ملموسة في سبتمبر.

أداء الذهب عند التسوية

عند تسوية تعاملات الثلاثاء، تراجعت أسعار الذهب متأثرة بترقب المستثمرين لمنتدى جاكسون هول. فقد انخفضت العقود الآجلة للمعدن الأصفر تسليم ديسمبر بنسبة 0.57% أو ما يعادل 19.3 دولارًا لتسجل 3,358.70 دولار للأونصة في الإغلاق.

الذهب والدولار الآن

بحلول الساعة 10:25 بتوقيت تركيا يوم الأربعاء، سجل الذهب الفوري ارتفاعًا بنسبة 0.28% ليصل إلى 3,324 دولارًا للأونصة، بعد أن لامس في وقت سابق أدنى مستوى له منذ الأول من أغسطس.

كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأميركي لتسليم ديسمبر بنسبة 0.26% لتسجل 3,367 دولارًا، في حين ارتفعت عقود مؤشر الدولار بنسبة 0.1%، وهو ما يوضح استمرار حالة التوازن بين الضغوط على الذهب والدعم المحدود له من توقعات الفائدة.

تطورات المعادن النفيسة الأخرى

لم تقتصر التحركات على الذهب وحده، بل امتدت إلى بقية المعادن النفيسة:

• تراجعت الفضة الفورية بنسبة 0.5% لتسجل 37.20 دولارًا للأونصة.

• ارتفع البلاتين بنسبة 0.6% ليصل إلى 1,314.25 دولارًا.

• في المقابل، هبط البلاديوم بنسبة 0.6% ليسجل 1,108.25 دولارًا.

هذه التحركات تعكس التباين بين العوامل المؤثرة على المعادن المختلفة، حيث يظل الذهب أكثر حساسية لتحركات الدولار وتوقعات الفائدة، بينما تتأثر المعادن الصناعية الأخرى مثل البلاديوم والبلاتين بالطلب الصناعي العالمي.

خلاصة

يمكن القول إن الذهب يقف حاليًا عند مفترق طرق حساس:

• فمن جهة، تضغط قوة الدولار وتحسن شهية المخاطرة على أسعاره.

• ومن جهة أخرى، تترقب الأسواق خطوات الفيدرالي التي قد تمنح الذهب دفعة قوية إذا ما تم خفض الفائدة في سبتمبر.

كما أن العوامل الجيوسياسية، سواء فيما يتعلق بأوكرانيا أو بالانتقادات المتصاعدة من ترامب لباول، تضيف طبقة إضافية من التعقيد إلى المشهد.

في النهاية، تبقى كلمة جيروم باول في جاكسون هول المرتقبة يوم الجمعة الحدث الأبرز الذي قد يرسم ملامح اتجاه الذهب والدولار خلال الأسابيع المقبلة.