أسعار الذهب تواصل الصعود مع ارتفاع توقعات خفض الفائدة الأمريكية في ديسمبر

واصلت أسعار الذهب العالمية تحقيق مكاسب قوية خلال تداولات الثلاثاء في الأسواق الآسيوية، مستفيدة من موجة تفاؤل متجددة في أسواق المال العالمية إثر تصاعد التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يتجه نحو خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه المرتقب في ديسمبر، الأمر الذي أعاد الزخم إلى سوق المعادن النفيسة ورفع شهية المستثمرين تجاه الأصول الآمنة.

وسجل المعدن الأصفر قفزة واضحة ليصل إلى أعلى مستوى له في أكثر من أسبوع، متجاهلاً قوة الدولار الأمريكي التي عادة ما تشكل عامل ضغط على أسعار الذهب، في مؤشر قوي على هيمنة العوامل الأساسية المرتبطة بالسياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي على حركة السوق في المرحلة الحالية.

أداء أسعار الذهب اليوم

شهدت تعاملات الذهب زخماً صاعداً مدفوعاً بزيادة الطلب على الملاذات الآمنة مع تصاعد حالة الحذر في الأسواق قبيل صدور مجموعة من البيانات الاقتصادية الأمريكية الرئيسية، والتي يُنظر إليها على أنها مؤشرات حاسمة لتوجهات أسعار الفائدة والقرارات المستقبلية للبنك المركزي الأمريكي.

وفي هذا السياق، ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.3% ليصل إلى 4,145 دولاراً للأوقية، بينما صعدت عقود الذهب الآجلة لشهر فبراير بنسبة 0.2% لتسجل 4,180 دولاراً للأوقية، وذلك بحلول الساعة 10:00 صباحاً بتوقيت تركيا، في تأكيد واضح على استمرار الاتجاه الصاعد في سوق تداول الذهب.

تصريحات الفيدرالي تدفع رهانات خفض الفائدة إلى مستويات مرتفعة

شهدت الأسواق المالية خلال الجلسات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في رهانات خفض الفائدة الأمريكية، خاصة بعد التصريحات المتساهلة الصادرة عن عدد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، والتي عززت من قناعة المستثمرين بقرب تبني سياسة نقدية أكثر مرونة.

وأظهرت بيانات مؤشر CME FedWatch أن الأسواق تسعّر احتمالية بنسبة 77.2% لخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماع الفيدرالي المقرر في 9-10 ديسمبر، مقارنة بنسبة 41.8% فقط في الأسبوع السابق، ما يعكس تحولاً سريعاً في التوقعات النقدية.

وأشار كبير محللي الأسواق في شركة “أواندا” كيلفن وونغ إلى أن أسعار الذهب تستمد قوتها الأساسية في الفترة الأخيرة من تسارع توقعات خفض الفائدة، موضحاً أن الارتفاع الحاد في هذه التوقعات كان المحرك الرئيسي لتعافي الذهب قصير الأجل وتعزيز جاذبيته الاستثمارية.

ضعف سوق العمل يعزز سيناريو التيسير النقدي

أكد عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر أن تباطؤ سوق العمل الأمريكي يُعد سبباً كافياً لدعم خفض سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في ديسمبر، رغم أنه شدد على أن أي قرارات لاحقة ستظل رهناً بالبيانات الاقتصادية المتأخرة نتيجة الإغلاق الحكومي الأمريكي المطول.

وجاءت هذه التصريحات متماشية مع ما أعلنه رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز، الذي أشار إلى أن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قد تشهد انخفاضاً خلال المستقبل القريب، وهو ما دعم سوق الذهب وزاد من تدفقات الاستثمار نحو المعدن النفيس.

يُعد الذهب من الأصول غير المدرة للعائد، ولذلك فإنه يستفيد تقليدياً من بيئة انخفاض أسعار الفائدة، حيث تتراجع جاذبية أدوات الدين ذات العوائد الثابتة، ما يدفع المستثمرين إلى البحث عن أصول تحافظ على القيمة وتوفر الحماية ضد التضخم وتقلبات الأسواق.

وفي السياق ذاته، ساهمت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين الصين واليابان، إلى جانب المخاوف المستمرة من تفاقم مستويات الإنفاق المالي في الدول المتقدمة، في تعزيز الطلب على الذهب كملاذ آمن واستثمار استراتيجي طويل الأجل.

وتشير تقديرات المتعاملين في الأسواق إلى أن احتمالية خفض الفائدة في ديسمبر باتت تقارب 81% مقارنة بنحو 40% فقط قبل أسبوع، ما يعكس زيادة متسارعة في ثقة المستثمرين بسيناريو التيسير النقدي.

أداء إيجابي واسع للمعادن النفيسة والصناعية

امتد الزخم الصعودي ليشمل باقي المعادن، حيث ارتفع البلاتين الفوري بنسبة 0.5% ليصل إلى 1,570.65 دولاراً للأوقية، بينما صعدت الفضة بنسبة 0.8% إلى 51.5555 دولاراً للأوقية، مدعومة بزيادة الطلب الاستثماري وتحسن المعنويات في أسواق السلع.

وفي بورصة لندن للمعادن، قفزت عقود النحاس القياسية بنسبة 1.2% لتصل إلى 10,887 دولاراً للطن، في ظل توقعات بتحسن الطلب الصناعي العالمي واستقرار النشاط الاقتصادي في بعض الأسواق الناشئة.

ورغم هذه التحركات الإيجابية، لا تزال أسعار المعادن تتحرك بحذر نسبي بسبب ترقب المستثمرين للبيانات الاقتصادية الأمريكية المرتقبة، والتي قد تعيد رسم ملامح التوجهات النقدية للفيدرالي.

بيانات أمريكية مرتقبة تزيد الضبابية وتؤثر على قرارات الفيدرالي

تترقب الأسواق صدور بيانات مؤشر أسعار المنتجين ومبيعات التجزئة خلال تعاملات الثلاثاء، على أن تصدر بيانات مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو المقياس المفضل للاحتياطي الفيدرالي لقياس التضخم، يوم الأربعاء.

ورغم أن هذه البيانات تعود إلى شهر سبتمبر، إلا أنها تُعتبر الأحدث نسبياً قبل اجتماع ديسمبر، خاصة في ظل احتمالية عدم نشر بيانات شهر أكتوبر نتيجة الإغلاق الحكومي المطول، ما يضع الفيدرالي أمام تحدٍ لاتخاذ القرار في ظل نقص البيانات المحدثة.

هذا الواقع دفع الأسواق سابقاً إلى ترجيح سيناريو تثبيت أسعار الفائدة، إلا أن التحول الأخير في خطاب الفيدرالي أعاد ترجيح خيار الخفض، في ظل سعي البنك المركزي لدعم النمو الاقتصادي ومواجهة أي إشارات تباطؤ محتملة.