- الرئيسية
- الأخبار
- أخبار الاقتصاد العالمي
- الاقتصاد البريطاني يسجل أكبر انكماش شهري منذ عام 2023 وسط ضغوط خارجية وداخلية
الاقتصاد البريطاني يسجل أكبر انكماش شهري منذ عام 2023 وسط ضغوط خارجية وداخلية

سجّل الاقتصاد البريطاني انكماشاً غير متوقع في أبريل 2025، هو الأكبر منذ أكتوبر 2023، نتيجة لتأثيرات داخلية من ارتفاع الضرائب والطاقة، وخارجية من اضطرابات الاقتصاد العالمي بفعل السياسات التجارية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
هذا التراجع أثار قلق الأسواق، وطرح تساؤلات حول مسار السياسة النقدية لبنك إنجلترا، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ركود النمو واستمرار الضغوط التضخمية.
الاقتصاد البريطاني
أظهرت بيانات رسمية صادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني يوم الخميس أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة انكمش بنسبة 0.3% خلال شهر أبريل 2025 على أساس شهري، وهو ما يمثل أكبر تراجع منذ أكتوبر 2023، ويأتي بعد تسجيل نمو قوي بنسبة 0.7% في الربع الأول من العام.
وقد فاق هذا الانكماش توقعات المحللين التي أشارت إلى تراجع طفيف لا يتجاوز 0.1%، مما زاد من حدة المخاوف بشأن استقرار التعافي الاقتصادي في بريطانيا بعد عام من الأداء المتذبذب.
يعزى هذا التراجع الحاد في الناتج المحلي الإجمالي إلى ضغوط داخلية متزامنة تمثلت في:
-
ارتفاع أسعار الطاقة، بما في ذلك فواتير المياه والكهرباء.
-
زيادة مساهمات التأمين الوطني التي بدأ تطبيقها في أبريل، ما أدى إلى زيادة تكاليف التوظيف.
-
انتهاء الإعفاءات الضريبية المؤقتة على شراء العقارات، وهو ما انعكس سلباً على قطاعي العقارات والخدمات القانونية، وأسهم وحده في تراجع النمو بنسبة 0.2 نقطة مئوية من إجمالي الانكماش المسجل.
كما شهد قطاع الصناعة ركوداً ملحوظاً، إذ أبلغ مصنعو السيارات عن تراجع كبير في الإنتاج والصادرات إلى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تباطؤ سنوي وصدمة خارجية بفعل سياسات ترامب
وعلى أساس سنوي، نما الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.9% فقط، مقارنة بـ1.1% في الشهر السابق، وهو ما يُظهر تباطؤاً تدريجياً في وتيرة النمو.
يأتي هذا التباطؤ في وقتٍ يشهد فيه الاقتصاد العالمي اضطرابات نتيجة فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات جمركية واسعة النطاق، والتي أحدثت صدمة اقتصادية انعكست مباشرة على الاقتصاد البريطاني.
وفي هذا السياق، قالت ليز ماكيون، مديرة الإحصاءات الاقتصادية في مكتب الإحصاءات الوطنية:
"بعد أربعة أشهر من النمو المتواصل، شهدنا في أبريل أكبر انخفاض شهري على الإطلاق في صادرات السلع إلى الولايات المتحدة، وشمل هذا الانخفاض معظم أنواع السلع بعد فرض التعريفات الجديدة."
توقعات النمو: تضارب بين التفاؤل القريب والتشاؤم بعيد المدى
ورغم هذا الانكماش الشهري، فقد سجل الاقتصاد البريطاني أداءً قوياً في الربع الأول من 2025، بنمو بلغ 0.7%، ما جعله يتفوق على معظم اقتصادات مجموعة السبع، ودفع بنك إنجلترا إلى رفع توقعاته لنمو الاقتصاد في عام 2025 إلى 1%.
إلا أن الصورة تصبح أكثر تشاؤماً بالنسبة لعام 2026، حيث خفّض البنك توقعاته إلى 1.25%، محذراً من أن السياسات التجارية الأمريكية الجديدة قد تقلص الناتج المحلي البريطاني بمقدار 0.3% خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ضغوط السياسة النقدية وتوقعات أسعار الفائدة
يواجه بنك إنجلترا وضعًا معقدًا يجمع بين تضخم مرتفع فوق المستهدف البالغ 3.5% ونمو راكد. ومع أن البنك خفّض سعر الفائدة الأساسي في مايو بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.25%، إلا أن التوقعات تشير إلى أنه سيتجه إلى تثبيت الفائدة في الاجتماع المرتقب الأسبوع المقبل، بانتظار وضوح أكبر في المؤشرات الاقتصادية.
ووفق تصريحات محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، فإن وتيرة خفض الفائدة أصبحت "محاطة بقدر أكبر من عدم اليقين"، في ضوء التأثيرات غير المتوقعة للتعريفات التجارية الأمريكية على الاقتصاد العالمي.
رغم ذلك، تتوقع الأسواق خفضين إضافيين للفائدة خلال 2025، أحدهما محتمل في أغسطس، والآخر في الربع الأخير من العام، ما قد يخفض سعر الفائدة الأساسي إلى 3.75% بنهاية العام.
يواجه بنك إنجلترا ضغوطاً متزايدة في تحديد مسار السياسة النقدية المقبلة، خاصة مع:
-
تباطؤ النمو الاقتصادي.
-
ارتفاع معدل البطالة إلى أعلى مستوى منذ يوليو 2021.
-
بقاء التضخم فوق المستوى المستهدف عند 3.5%، مع توقعات باستمراره في الصعود.
وكان البنك قد خفّض سعر الفائدة الأساسي إلى 4.25% في مايو الماضي بمقدار 25 نقطة أساس، لكن المحافظ أندرو بيلي أشار في تصريحات الأسبوع الماضي إلى أن وتيرة خفض أسعار الفائدة أصبحت محاطة بـ"قدر أكبر من عدم اليقين"، في ظل التأثيرات غير المتوقعة للتعريفات التجارية الأمريكية.
ومن المتوقع أن يُبقي البنك سعر الفائدة ثابتاً في اجتماعه المقبل، بينما تشير الأسواق إلى احتمالية خفضين إضافيين هذا العام، ربما في أغسطس ثم في الربع الأخير، ليصل السعر إلى 3.75% بنهاية 2025.
خطة مالية توسعية
في ظل هذه الأوضاع، كشفت وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز يوم الأربعاء عن مراجعة موسعة للإنفاق العام، شملت:
-
زيادة ميزانيات الإدارات الحكومية بنسبة 2.3% سنوياً بالقيمة الحقيقية.
-
خطة استثمارية كبرى بقيمة تتجاوز 2 تريليون جنيه إسترليني موجهة للبنية التحتية، والدفاع، والإسكان الاجتماعي.
وتهدف هذه الخطة إلى تحفيز الاقتصاد في الأمد المتوسط، وتعزيز الإنفاق العام في ظل الضغوط التضخمية والركود النسبي.
أشارت بيانات الإنفاق الاستهلاكي لشهر مايو إلى انخفاض واضح في إنفاق الأفراد، مما يعكس حالة من الحذر والقلق في أوساط المستهلكين، على خلفية ارتفاع التكاليف وفقدان اليقين الاقتصادي، رغم مؤشرات محدودة على عودة الاقتصاد إلى النمو في بعض القطاعات.
أداء الجنيه الإسترليني اليوم ونظرة فنية
سجّل الجنيه الإسترليني تراجعًا مقابل الدولار، منخفضًا إلى 1.3546 دولار، كما تراجع أمام اليورو إلى 0.8499، في ظل المخاوف المتزايدة بشأن النمو والتضخم.
من الناحية الفنية، يظهر زوج الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي (GBP/USD) إشارات مختلطة، حيث يواصل اختبار القمة المسجلة مؤخرًا عند 1.3600، والتي تُعد أعلى مستوى له منذ أكثر من عامين. وقد شهد الزوج مسارًا عرضيًا مؤخرًا بعد ارتفاعات قوية.
المؤشرات الفنية مثل مؤشر القوة النسبية (RSI) بدأت تعاود الارتفاع من فوق مستوى التوازن 50، فيما يقترب مؤشر الستوكاستيك من تقاطع صعودي، مما يعكس تراجعًا في الزخم الهبوطي على المدى القريب.
وفي حال تمكنت قوى الشراء من كسر القمة السابقة، ستتوجه الأنظار نحو 1.3750 ثم 1.3900. أما في حال استمرار الحركة الجانبية، فإن الدعم الأول سيكون عند المتوسط المتحرك البسيط لـ20 يومًا عند 1.3440، ومن بعده الدعم الأهم حول 1.3310، وهو ما يشمل المتوسط المتحرك لـ50 يومًا ومستوى ارتداد فيبوناتشي 61.8%. كسر هذا المستوى سيفتح الباب أمام هبوط نحو القاع السابق عند 1.3160.
خلاصة: مستقبل اقتصادي ضبابي بين تحفيز داخلي وتوترات خارجية
يمر الاقتصاد البريطاني بمرحلة حساسة تتداخل فيها الضغوط الداخلية كارتفاع الضرائب والطاقة، مع الاضطرابات العالمية كالتعريفات الجمركية الأمريكية ويبدو أن المسار الاقتصادي في النصف الثاني من 2025 سيعتمد بشكل كبير على قرارات السياسة النقدية والمالية، إضافة إلى مدى قدرة بريطانيا على مواجهة التحديات التجارية الخارجية.
ومع مراقبة الأسواق لتوجهات بنك إنجلترا ونتائج خطة الخزانة الجديدة، تبقى الأنظار متجهة إلى المؤشرات القادمة حول الإنفاق، التوظيف، والتضخم لتحديد ملامح التعافي أو استمرار التباطؤ.