اليوان الصيني يسجّل أعلى مستوى في 3 أسابيع أمام الدولار بدعم من تهدئة التوترات التجارية

شهد اليوان الصيني ارتفاعًا ملحوظًا يوم الأربعاء ليصل إلى أعلى مستوياته في ثلاثة أسابيع أمام الدولار الأمريكي، في ظل أجواء إيجابية ناجمة عن بوادر تهدئة في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى تحركات منسقة من قبل بنك الشعب الصيني لتثبيت سعر الصرف المرجعي عند مستويات أقوى من المتوقع، ما عزّز ثقة الأسواق وأعطى دفعة قوية للعملة المحلية.

أداء اليوان الصيني اليوم

ارتفع اليوان الصيني في تداولات الأربعاء بشكل لافت، مدفوعًا بمجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية، في مقدمتها ما بدا أنه تحسن في المزاج العام حول مستقبل العلاقات التجارية بين بكين وواشنطن، وهما أكبر اقتصادين في العالم.

فقد أعلنت الولايات المتحدة أن وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، سيعقد اجتماعات ثنائية مع مسؤولين صينيين في العاصمة السويدية ستوكهولم الأسبوع المقبل، لمناقشة إمكانية تمديد الهدنة الجمركية القائمة حاليًا بين الطرفين، والتي تبلغ مدتها 90 يومًا وتنتهي رسميًا في 12 أغسطس/آب المقبل.

وتعد هذه الهدنة واحدة من أبرز مخرجات المحادثات التجارية التي انعقدت مؤخرًا في سويسرا، وتهدف إلى منح الطرفين وقتًا إضافيًا للتفاوض وتجنب تصعيد جديد في الحرب التجارية التي أثرت سلبًا على حركة التجارة العالمية وأسواق المال.

هذا الإعلان ساهم بشكل مباشر في تعزيز ثقة المستثمرين بإمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري نهائي، ما أدى إلى زيادة الطلب على الأصول الصينية، وفي مقدمتها العملة المحلية.

توقعات بنك الشعب الصيني ترفع معنويات السوق

في خطوة اعتُبرت بمثابة إشارة إيجابية للأسواق، قرر بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) رفع سعر التوجيه اليومي (midpoint) لليوان إلى 7.1414 لكل دولار، وهو المستوى الأقوى منذ 6 نوفمبر/تشرين الثاني، وبفارق 182 نقطة أساس عن التقديرات المرجعية التي وضعتها وكالة رويترز عند 7.1596.

هذا الإجراء يعكس رغبة السلطات الصينية في تعزيز استقرار العملة، وربما حتى دعمها بشكل مؤقت لمواجهة التحديات الاقتصادية الداخلية، مثل انخفاض معدلات النمو وتراجع الاستهلاك المحلي.

ومن المعروف أن البنك المركزي الصيني يستخدم نظامًا يوميًا لتحديد سعر المرجع الرسمي، ويسمح لليوان بالتداول ضمن نطاق ±2% من هذا السعر، ما يمنح السوق إشارات واضحة عن نوايا السياسة النقدية.

تحركات الأسواق: صعود داخلي وخارجي لليوان

في أعقاب هذه التطورات، ارتفع سعر صرف اليوان في السوق الداخلية (onshore) إلى 7.1602 لكل دولار، وهو أعلى مستوى منذ 3 يوليو/تموز، قبل أن يتم تداوله لاحقًا عند 7.1617 بحلول الساعة 03:42 بتوقيت غرينتش.

أما في السوق الخارجية (offshore)، فقد تبع اليوان الاتجاه ذاته، مخترقًا مستوى 7.16 لأول مرة منذ نحو ثلاثة أسابيع، وجرى تداوله في آخر مرة مرتفعًا بنسبة 0.14% عند 7.1602 لكل دولار.

وأشار متعاملون في سوق العملات إلى أن هذه القفزة تعكس استجابة مباشرة لسياسات التوجيه الرسمية، إلى جانب تحسّن المعنويات العامة بفعل التقدم في ملف العلاقات التجارية.

تحذيرات من تحديات مستقبلية رغم صعود العملة

رغم هذا الارتفاع اللافت، أبدى عدد من المحللين حذرهم حيال إمكانية استمرار قوة اليوان على المدى القريب، وذلك بالنظر إلى التحديات الاقتصادية البنيوية التي تواجه الاقتصاد الصيني، وفي مقدمتها تباطؤ الطلب الخارجي، وضغوط الأسعار، وتداعيات الحرب التجارية المستمرة.

وفي هذا السياق، قالت بيكي ليو، رئيسة استراتيجية الاقتصاد الكلي للصين في بنك ستاندرد تشارترد، إن الصادرات الصينية قد تتعرض لـرياح معاكسة إضافية خلال النصف الثاني من العام، خاصة في حال استئناف فرض الرسوم الجمركية أو فشل المحادثات التجارية. كما أشارت إلى أن ارتفاع قيمة اليوان قد يؤدي إلى تراجع ربحية الشركات المصدرة، ما يؤثر على أداء سوق العمل بشكل عام.

وأضافت ليو أن قوة العملة في ظل ضعف الاستهلاك المحلي قد تسهم في زيادة الضغوط الانكماشية، وهو ما يتناقض مع جهود الحكومة الرامية إلى إنعاش الاقتصاد ودفع الطلب المحلي.

بناءً على ذلك، قامت بتعديل توقعاتها لسعر صرف اليوان بنهاية العام الحالي، مشيرة إلى أنها تتوقع أن يتراجع إلى 7.25 لكل دولار بحلول نهاية سبتمبر/أيلول، و7.35 بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول، مقارنة بتقديراتها السابقة التي بلغت 7.65 و7.75 على التوالي.

وهذا يشير إلى أنها تتوقع ضعفًا نسبيًا في اليوان مقارنة بمستواه الحالي، في ظل استمرار التحديات الاقتصادية والضغوط الخارجية.

خلاصة 

بشكل عام، يعكس أداء اليوان الصيني خلال الأيام الأخيرة تحولًا مرحليًا في توجهات المستثمرين، مدفوعًا بمزيج من الإشارات الإيجابية من صانعي السياسات وأمل في حلول دبلوماسية للأزمات التجارية.

لكن في المقابل، لا تزال الأسواق تترقب نتائج ملموسة من اللقاءات المقبلة بين بكين وواشنطن، بالإضافة إلى نتائج قمة الاتحاد الأوروبي – الصين المرتقبة في وقت لاحق من هذا الأسبوع.

كما أن تطورات الوضع الاقتصادي العالمي، خاصة فيما يتعلق بأسعار الفائدة في الولايات المتحدة، والسياسات النقدية التيسيرية في الصين، سيكون لها دور محوري في تحديد الاتجاه المستقبلي لليوان.

وفي نهاية المطاف، فإن الحفاظ على استقرار اليوان دون المساس بقدرة الاقتصاد على النمو سيظل أحد أصعب التحديات التي تواجه صناع القرار في الصين خلال النصف الثاني من عام 2025.