الدولار يتماسك وسط قلق المستثمرين بشأن استقلالية الفيدرالي واليوان يرتفع لأعلى مستوى في أسبوع
شهد الدولار الأميركي يوم الخميس حركة متباينة اتسمت بالتراجع الطفيف في بدايات الجلسة قبل أن يستقر تدريجياً، وذلك في ظل تزايد قلق المستثمرين حيال استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي بعد تصعيد جديد من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
فقد هاجم ترامب عضوة مجلس المحافظين ليزا كوك مطالباً إياها بالاستقالة، على خلفية مزاعم تتعلق برهون عقارية مرتبطة بممتلكاتها في ولايتي ميشيغان وجورجيا.
ورغم أن كوك أكدت رفضها الاستقالة، مشددة على أنها "لن ترضخ للضغوط السياسية"، إلا أن صحيفة وول ستريت جورنال أشارت إلى أن ترامب يدرس بشكل فعلي إمكانية إقالتها، ما فتح الباب أمام نقاش واسع حول مخاطر تدخل البيت الأبيض في عمل المؤسسة النقدية الأهم في العالم.
تصرفات ترامب الأخيرة ليست معزولة؛ فهي تأتي بعد سلسلة من الانتقادات المتكررة لرئيس الفيدرالي جيروم باول بسبب رفضه الاستجابة بسرعة لمطالب خفض أسعار الفائدة. ويعتقد مراقبون أن ترامب يسعى، في حال استقالة كوك أو إقالتها، إلى تعيين محافظ جديد يميل بوضوح إلى التيسير النقدي، الأمر الذي قد يعزز نفوذه داخل المجلس.
كريستينا كليفتون، كبيرة الاقتصاديين في كومنويلث بنك أوف أستراليا، حذرت من أن "التدخل السياسي في عمل الفيدرالي يمكن أن يقوض استقلاليته، ويدفع المستثمرين لإعادة النظر في مكانة الدولار كملاذ آمن عالمي"، مضيفة أن ذلك قد يؤدي إلى انحدار منحنى العائد وتذبذب ثقة المستثمرين في الأصول الأميركية.
أداء مؤشر الدولار الأمريكي
رغم الضجة السياسية، لم يشهد الدولار تحركات حادة؛ إذ تراجع بداية بشكل محدود، قبل أن يعوض جزءاً من خسائره ليستقر خلال الجلسة الآسيوية. فقد سجل الين الياباني 147.41 مقابل الدولار، بينما ظل اليورو مستقراً عند 1.1642 دولار، والجنيه الإسترليني عند 1.34535 دولار.
أما مؤشر الدولار (DXY)، الذي يقيس قوة العملة الأميركية أمام سلة من ست عملات رئيسية، فقد استقر عند مستوى 98.12 بحلول الساعة 11:10 بتوقيت تركيا.
ترقب الأسواق لخطاب باول في جاكسون هول
يتركز اهتمام المستثمرين حالياً على خطاب جيروم باول المرتقب يوم الجمعة في مؤتمر جاكسون هول، وهو الحدث الذي عادة ما يحمل إشارات مهمة حول توجهات السياسة النقدية الأميركية. تأتي هذه الترقبات في ظل بيانات ضعيفة من سوق العمل الأميركي خلال يوليو، الأمر الذي عزز رهانات خفض الفائدة في اجتماع الفيدرالي المقرر يومي 16 و17 سبتمبر.
وبحسب أداة CME FedWatch، فإن المتعاملين يسعرون احتمالاً بنسبة 82% لخفض الفائدة بواقع 25 نقطة أساس الشهر المقبل، رغم أن هذه النسبة تراجعت مقارنة بالأسبوع الماضي بفعل بيانات تضخم المنتجين. ومع ذلك، تواصل الأسواق توقع ما يزيد عن 50 نقطة أساس من التيسير الإضافي خلال ما تبقى من العام.
محللون حذروا من أن الأسواق قد تتعرض لخيبة أمل في حال لم يقدم باول إشارات واضحة أو تعهدات صريحة بشأن السياسة النقدية. فالرسوم الجمركية التي فرضها ترامب لا يزال أثرها على التضخم غامضاً، كما أن تباطؤ النمو العالمي يزيد من الضبابية، وهو ما يضع الفيدرالي في موقف صعب بين دعم الاقتصاد والحفاظ على مصداقيته.
تحركات العملات الأخرى: ضغوط على الدولار النيوزيلندي والأسترالي
في أسواق العملات الأخرى، واصل الدولار النيوزيلندي خسائره القوية بعد أن هبط 1.2% إلى أدنى مستوى منذ أبريل عند 0.58205 دولار، وذلك عقب خفض بنك الاحتياطي النيوزيلندي أسعار الفائدة يوم الأربعاء وترك الباب مفتوحاً لمزيد من التيسير كذلك، تراجع الدولار الأسترالي بنسبة 0.13% إلى 0.64245 دولار، مقترباً من أدنى مستوى له في أسبوعين.
ويرى محللو نانهوا فيوتشرز أن "خطاب باول قد يؤدي إلى تقلبات قصيرة الأجل في الأسواق، لكن عادة ما تكون تداولات أغسطس أكثر هدوءاً، فيما يُتوقع أن نشهد تحركات أوضح في سبتمبر وأكتوبر مع وضوح المسار الاقتصادي".
اليوان الصيني يرتفع بدعم من تدخل المركزي
على الجانب الآخر، شهد اليوان الصيني ارتفاعاً ملحوظاً إلى أعلى مستوى له في أسبوع مقابل الدولار، بعدما حدّد بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) أقوى سعر إرشادي يومي منذ تسعة أشهر عند 7.1287 للدولار.
هذه الخطوة جاءت أقوى من تقديرات وكالة رويترز بـ461 نقطة أساس، وأقوى أيضاً من المستوى النفسي المهم عند 7.13، في إشارة صريحة إلى عزم السلطات الصينية على دعم عملتها.
وبحسب قواعد البنك المركزي، يسمح للعملة بالتداول ضمن نطاق ±2% من مستوى التثبيت اليومي، وقد افتتح اليوان الفوري التعاملات عند 7.1777 مقابل الدولار ليسجل لاحقاً 7.1729 بحلول الساعة 02:48 بتوقيت غرينتش، أي أقوى بـ41 نقطة من الإغلاق السابق.
في خطوة لافتة، كشفت مصادر مطلعة أن الصين تدرس لأول مرة السماح باستخدام عملات مستقرة مدعومة باليوان لتعزيز حضور عملتها عالمياً، وهو تحول كبير عن موقفها التقليدي الحذر من الأصول الرقمية. وإذا ما تم تنفيذ هذه الخطوة، فإنها قد تمثل نقلة نوعية في مساعي بكين لزيادة دور عملتها في النظام المالي الدولي ومنافسة هيمنة الدولار.
في السوق الخارجي (الأوفشور)، تم تداول اليوان عند 7.1767 مقابل الدولار، بارتفاع طفيف قدره 0.09%، ما يعكس استمرار الضغوط ولكن أيضاً فعالية تدخلات السلطات النقدية في تهدئة التذبذب.
الخلاصة:
المشهد الحالي يعكس مزيجاً معقداً من العوامل السياسية والاقتصادية المؤثرة على الدولار الأميركي واليوان الصيني في آن واحد. ففي حين يترقب المستثمرون موقف الفيدرالي الأميركي من الفائدة وسط ضغوط سياسية غير مسبوقة تهدد استقلاليته، تتحرك الصين بخطوات مدروسة لدعم عملتها وتعزيز مكانتها الدولية.
النتيجة هي أسواق عملات أكثر تقلباً وحذراً، بانتظار ما ستسفر عنه كلمة باول في جاكسون هول وما إذا كانت ستحدد المسار للمرحلة المقبلة من السياسة النقدية العالمية.