الدولار يقلّص خسائره بعد تراجع لهجة ترامب التصعيدية تجاه الصين وسط ضغوط سياسية في أوروبا واليابان

شهدت أسواق العملات العالمية يوم الإثنين تحولًا ملحوظًا في المزاج العام، بعدما تراجعت حدة المخاوف من تصعيد جديد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

 

فقد ساعدت تصريحات أكثر هدوءًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تهدئة التوترات التي كانت قد تفاقمت نهاية الأسبوع الماضي بعد إعلانه المفاجئ عن فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على البضائع الصينية.


وبينما بدأ الدولار الأمريكي في تقليص خسائره، شهدت عملات كبرى أخرى مثل اليورو والين الياباني ضغوطًا متزايدة، متأثرة بتطورات سياسية داخلية في فرنسا واليابان، مما أعاد توزيع موازين القوى في سوق الصرف العالمي.

 

هذا التبدّل السريع في المزاج يعكس حساسية الأسواق تجاه الخطاب السياسي، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بعلاقات واشنطن وبكين، اللتين تمثلان أكبر اقتصادين في العالم.

أداء مؤشر الدولار الأمريكي اليوم

ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة أمام سلة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.2% ليصل إلى 99.2 نقطة، متعافيًا من الخسائر التي مُني بها في نهاية الأسبوع السابق.


تلك الخسائر جاءت عقب تصريحات ترامب التي هزت الأسواق، عندما أعلن عن فرض رسوم بنسبة 100% على الواردات الصينية، في خطوة أعادت للأذهان ما يُعرف في أوساط المستثمرين بـ"يوم التحرير" في أبريل الماضي، حين أدت قرارات مماثلة إلى اضطرابات حادة في الأسهم والعملات المشفرة.

 

غير أن الأسواق سرعان ما شهدت ارتدادًا إيجابيًا بعدما ظهرت بوادر تراجع في لهجة ترامب التصعيدية، مما أعاد بعض الثقة للمستثمرين ودفع الدولار نحو التعافي.

 

في مقابلة مع وكالة "رويترز"، قال تيم كيليهر، رئيس مبيعات العملات المؤسسية في بنك الكومنولث في أوكلاند، إن "الأجواء لا تزال متوترة، لكن يبدو أن ترامب بدأ يخفف لهجته مرة أخرى".


وأضاف ساخرًا بالإشارة إلى مثل متداول بين المتعاملين يُعرف بـ “TACO” – اختصار لعبارة Trump Always Chickens Out أي "ترامب يتراجع دائمًا في النهاية"، في إشارة إلى تاريخه في التراجع عن قراراته التجارية الصدامية.

 

وبالفعل، بعد أقل من 48 ساعة من الإعلان عن الرسوم الجمركية، نشر ترامب تغريدة على منصة Truth Social قال فيها:

 

“لا تقلقوا بشأن الصين، كل شيء سيكون بخير! الرئيس شي المحترم للغاية مرّ بلحظة سيئة، لكنه لا يريد ركودًا لبلاده، وأنا كذلك. الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين، لا إيذاءها!”

هذه الكلمات وحدها كانت كفيلة بإحداث تحول فوري في المزاج العام للأسواق، إذ قرأها المستثمرون كإشارة إلى أن الحرب التجارية لن تتصاعد كما كان يُخشى، مما أدى إلى تراجع الطلب على الأصول الدفاعية وعودة الثقة تدريجيًا في الأسواق.

تأثير التطورات السياسية في أوروبا واليابان على العملات

تزامن التحسن النسبي في أداء الدولار مع اضطرابات سياسية في أوروبا وآسيا أثرت بشكل مباشر على العملات الرئيسية.

  • في فرنسا:
    انخفض اليورو بنسبة 0.3% إلى 1.1584 دولار، متجاهلًا تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة بقيادة سيباستيان لوكورنو، الذي أعاد تعيين رولان ليسكور وزيرًا للمالية. ورغم أن هذه الخطوة هدفت إلى تعزيز الاستقرار السياسي، إلا أن الأسواق ظلت متوجسة بسبب الضغوط الاقتصادية وارتفاع العجز المالي الفرنسي.

  • في اليابان:
    ارتفع الدولار أمام الين الياباني بنسبة 0.8% ليصل إلى 152.295 ينًا، وهو مستوى يعكس ضعف العملة اليابانية وسط اضطراب سياسي واضح بعد انسحاب حزب كوميتو من الائتلاف الحاكم، مما وجه ضربة قوية إلى طموحات ساناي تاكاييتشي في أن تصبح أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في اليابان.


إغلاق الأسواق اليابانية بمناسبة يوم الصحة والرياضة زاد من ضعف السيولة، مما جعل تحركات الين أكثر حدة.

تحركات العملات المشفرة والسلع: الذهب يواصل الصعود والبتكوين تستقر

شهدت أسواق العملات المشفرة استقرارًا نسبيًا بعد موجة بيع حادة يوم الجمعة، حيث ارتفع البيتكوين بنسبة 0.2% ليصل إلى 115,313 دولارًا، في إشارة إلى عودة جزئية للثقة بعد اضطراب الأسواق العالمية.

 

أما في أسواق السلع، فقد واصل الذهب أداءه القوي وسجل مستوى قياسيًا جديدًا عند 4,079.1 دولار للأونصة، مرتفعًا بنسبة 1.5%.


ويُعزى هذا الصعود إلى استمرار الطلب على الملاذات الآمنة، لا سيما مع استمرار الغموض السياسي والتجاري عالميًا.

 

وفي المقابل، استعاد اليوان الصيني الخارجي بعض الاستقرار ليتداول عند 7.1416 مقابل الدولار، بعد أن لامس أدنى مستوى له عند 7.144 في وقت سابق، مدعومًا ببيانات صينية إيجابية أظهرت تسارع نمو الصادرات خلال سبتمبر، مما أعطى إشارة مطمئنة للأسواق بشأن مرونة الاقتصاد الصيني.

محللون يحذرون من هشاشة الأسواق رغم التعافي المؤقت

رغم التحسن النسبي في شهية المخاطرة، يرى محللون أن هذا الهدوء قد يكون مؤقتًا.


فبحسب لي هاردمان، المحلل الاستراتيجي في بنك MUFG، "ما نشهده الآن لا يعني بالضرورة أن التوترات التجارية انتهت. كما رأينا سابقًا، لا يمكن لأي من الجانبين تحمّل رسوم جمركية مرتفعة لفترة طويلة، وتصريحات ترامب الأخيرة تشير إلى رغبة في التهدئة، لكنها لا تمثل ضمانة لعدم التصعيد مستقبلًا".

 

وأضاف أن "هذه التهديدات تخلق بيئة غير مستقرة، وقد ترفع من تقلبات العملات في الأجل القصير، خاصة في صفقات الكاري تريد التي تعتمد على الفوارق في أسعار الفائدة".

 

وتُعد صفقات الكاري تريد من أكثر الاستراتيجيات حساسية للتقلبات، إذ تعتمد على الاقتراض بعملات منخفضة العائد مثل الين الياباني أو الفرنك السويسري للاستثمار في عملات ذات عائد أعلى.


وفي ظل الاضطرابات الأخيرة، كانت هذه العملات من بين الأكثر تضررًا، في حين استفادت العملات ذات المخاطر الأعلى مثل الدولار الأسترالي من عودة جزئية للتفاؤل، إذ ارتفع بنسبة 0.75% إلى 0.6521 دولار أمريكي، بينما استقر الجنيه الإسترليني عند 1.3327 دولار دون تغيّر يُذكر.

أداء سعر اليورو اليوم

شهد زوج اليورو مقابل الدولار الأمريكي (EUR/USD) استقرارًا نسبيًا، متداولًا قرب مستوى 1.1615 دولار بعد ارتداده فوق مستوى الدعم الرئيسي عند 1.16، إثر فشل محاولات الكسر الهبوطي نهاية الأسبوع الماضي.

 

يأتي هذا الأداء في ظل تراجع مؤقت في الطلب على الدولار بعد تهديدات ترامب، إضافة إلى استمرار إغلاق الحكومة الأمريكية الذي أدى إلى تأجيل صدور بيانات اقتصادية رئيسية مثل مبيعات التجزئة والبطالة، مما زاد من ضبابية الرؤية الاقتصادية.

 

وتترقب الأسواق الآن تقرير مؤشر أسعار المستهلك (CPI) الأمريكي المقرر صدوره في 24 أكتوبر الجاري، باعتباره مؤشرًا حاسمًا لاتجاه السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال الأشهر المقبلة.


وتُظهر التوقعات أن الأسواق تسعّر نحو 47 نقطة أساس من خفض الفائدة بحلول نهاية عام 2025، مع تخفيضات إجمالية تصل إلى 115 نقطة أساس حتى نهاية 2026، مما يشير إلى تحول تدريجي نحو سياسات أكثر تيسيرًا قد تضغط على الدولار على المدى المتوسط.

أوروبا بين الاستقرار السياسي والسياسات المالية المنتظرة

في المقابل، استعادت العملة الأوروبية الموحدة بعض قوتها بعد إعلان رئيس الوزراء الفرنسي الجديد عن تشكيل الحكومة واستمراره في المنصب، ما أعاد الثقة جزئيًا للأسواق الأوروبية.


كما من المقرر أن تكشف فرنسا عن موازنتها لعام 2026 خلال الأيام المقبلة، وهو ما قد يمنح المستثمرين رؤية أوضح حول توجهات السياسة المالية في ثاني أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو.

 

ومع ذلك، يتوقع المحللون استمرار البنك المركزي الأوروبي في الحفاظ على أسعار الفائدة الحالية دون تغيير حتى ظهور مؤشرات ملموسة على انحراف التضخم عن المستويات المستهدفة.

خلاصة تحليلية: الدولار في وضع توازني هش

في المجمل، يمكن القول إن الدولار الأمريكي تمكن من تقليص خسائره بفضل تراجع لهجة ترامب التصعيدية وتزايد التوقعات بخفض الفائدة الأمريكية، في حين ما زالت التطورات السياسية في أوروبا واليابان تشكل عامل ضغط على عملاتهما المحلية.

 

ومع استمرار الغموض بشأن مسار العلاقات الأمريكية الصينية، وترقب بيانات التضخم الأمريكية، من المرجح أن تبقى أسواق العملات عرضة لتقلبات قوية خلال الأسابيع المقبلة، مع ميل عام لصالح الدولار طالما لم تظهر بوادر تصعيد جديدة من واشنطن.

تم التحديث في: الاثنين, 13 تشرين الأول 2025 15:57
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول