انخفاض الدولار مقابل اليورو واستمرار ضعف الين الياباني وسط إعادة فتح الحكومة الأمريكية
شهد الدولار الأمريكي تراجعًا يوم الخميس عقب توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مشروع قانون لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، ما أدى إلى تعزيز شهية المخاطرة لدى المستثمرين وتراجع الطلب على الأصول الآمنة.
أداء الدولار الأمريكي اليوم
انخفض مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية أمام سلة مكونة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.2% إلى 99.150 نقطة، وهو أدنى مستوى في نحو شهر، مما يعكس تحوّل الأسواق نحو الأصول ذات العائد الأعلى بعد عودة النشاط الحكومي الطبيعي في البلاد.
وجاء هذا التراجع في وقتٍ تشهد فيه الأسواق حالة من التفاؤل الحذر بشأن استئناف العمل الحكومي واستعادة الثقة الاقتصادية تدريجيًا بعد أسابيع من الجمود المالي الذي أثّر على قطاعات متعددة.
وقع ترامب مشروع القانون مساء الأربعاء في حفل أقيم داخل المكتب البيضاوي، بعد أن مرّ التشريع من مجلس النواب بأغلبية مريحة، ليعيد تمويل الحكومة ويُنهي بذلك أزمة استمرت 43 يومًا متواصلة — وهي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة.
الإغلاق الحكومي أدّى إلى شلل جزئي في العديد من الخدمات الفيدرالية، وأبرزها في قطاع الطيران المدني وخدمات الأمن والنقل، كما تسبب في تأجيل نشر بيانات اقتصادية رئيسية يعتمد عليها مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) لتقييم الوضع الاقتصادي واتخاذ قراراته بشأن أسعار الفائدة في اجتماعاته المقبلة.
ومع إعادة فتح الحكومة، يُتوقع الآن تدفق سريع لمجموعة كبيرة من البيانات الاقتصادية المتأخرة، وعلى رأسها تقرير الوظائف الشهري (الرواتب غير الزراعية) الذي يُعتبر من أهم مؤشرات صحة الاقتصاد الأمريكي.
تأجيل بيانات اقتصادية رئيسية
ذكر محللون في بنك ING أن البيت الأبيض أشار إلى أن بعض التقارير الاقتصادية مثل بيانات الرواتب ومؤشر أسعار المستهلكين لشهر أكتوبر قد لا تُنشر في موعدها نتيجة التأخيرات الناتجة عن الإغلاق، وهو ما يعني أن التقلبات في الأسواق المالية قد تبقى محدودة مؤقتًا حتى يتم استيعاب البيانات الجديدة.
وقال البنك في مذكرته التحليلية: "من المرجح أن تظل الأسواق هادئة نسبيًا حتى صدور البيانات المتأخرة، لكن بمجرد صدورها، يمكن أن نشهد زيادة في حركة الأسعار والرهانات على توجهات السياسة النقدية المقبلة."
هذا الغموض المؤقت في البيانات يضع الاحتياطي الفيدرالي في موقف حذر، خاصة مع تصاعد التوقعات بشأن إمكانية خفض أسعار الفائدة مجددًا في ظل تباطؤ بعض المؤشرات الاقتصادية الداخلية.
الجنيه الإسترليني يكافح بعد بيانات نمو بريطانية ضعيفة
في أوروبا، واجه الجنيه الإسترليني صعوبة في تحقيق مكاسب رغم ضعف الدولار، حيث تداول زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي عند 1.3133، دون تغيّر يُذكر، بعد صدور بيانات نمو ضعيفة في المملكة المتحدة.
فقد أظهرت الأرقام الرسمية أن الاقتصاد البريطاني نما بنسبة 0.1% فقط خلال الربع الثالث (من يوليو إلى سبتمبر)، مقارنة بنمو 0.3% في الربع السابق، ما يشير إلى تباطؤ واضح في النشاط الاقتصادي.
كما انكمش الناتج المحلي الإجمالي الشهري بنسبة 0.1% في سبتمبر بعد استقرار في أغسطس، مما زاد الضغوط على بنك إنجلترا لإعادة النظر في موقفه من السياسة النقدية وربما العودة إلى تخفيف أسعار الفائدة لدعم النمو.
وقال محللو ING إن هذه الأرقام "تعقّد مهمة المستشارة راشيل ريفز قبيل إعلان الميزانية"، إذ تحاول الحكومة الموازنة بين الانضباط المالي لطمأنة الأسواق وتحفيز النمو دون إشعال التضخم مجددًا.
اليورو يحقق مكاسب طفيفة
أما اليورو، فقد ارتفع أمام الدولار بنسبة 0.2% إلى 1.1612، في ظل ترقّب المستثمرين لبيانات الإنتاج الصناعي لمنطقة اليورو لشهر سبتمبر.
ومن المتوقع أن تُظهر البيانات انتعاشًا ملحوظًا في الإنتاج بنسبة 0.7% بعد الانخفاض الكبير الذي بلغ 1.2% في الشهر السابق.
وأشار محللو ING إلى أن زوج اليورو/الدولار حاول اختراق مستوى 1.160، لكنهم حذّروا من أن أي حركة صعودية حادة "قد تكون سابقة لأوانها قليلاً"، موضحين أن الوصول إلى مستوى 1.170 على المدى القصير سيعتمد بشكل كبير على ضعف إضافي في البيانات الأمريكية خلال الأسابيع المقبلة.
وأضافوا أن الزوج قد يبقى في نطاق تداول ضيق حتى تتضح الصورة الاقتصادية بشكل أكبر في الولايات المتحدة وأوروبا على حد سواء.
الين الياباني يواصل الانخفاض
في آسيا، ظل زوج الدولار/الين مستقرًا نسبيًا عند 154.77، بعدما تجاوز مؤقتًا مستوى 155 للمرة الأولى منذ ما يقرب من عشرة أشهر، في حين وصلت العملة اليابانية إلى أضعف مستوياتها التاريخية أمام اليورو، وسط نظرة متشائمة متزايدة تجاه الين.
تاريخيًا، شكّل مستوى 155 ينًا للدولار نقطة حساسة دفعت السلطات اليابانية في الماضي إلى التدخل في سوق الصرف. واليوم، ومع استمرار الضعف، يراقب المستثمرون عن كثب ما إذا كانت إدارة رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي ستتدخل لوقف التدهور.
ويأتي هذا في وقت تختلف فيه الظروف عن العام الماضي، إذ تتبنى الحكومة اليابانية بقيادة تاكايتشي سياسات مالية توسعية تشمل زيادة الإنفاق العام، ما يضع ضغوطًا إضافية على العملة المحلية ويجعل أي تدخل في السوق أكثر كلفة من حيث استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي.
تصريحات رسمية ومخاوف من تراجع الثقة بالين
عقب اجتماع مجلس السياسة الاقتصادية والمالية يوم الأربعاء، أكدت تاكايتشي أن السياسة النقدية التيسيرية "ضرورية للحفاظ على اقتصاد قوي وتحقيق استقرار في التضخم"، مشددة على أن الحكومة ستواصل التعاون مع بنك اليابان لتحقيق أهدافها المشتركة.
حضر الاجتماع محافظ البنك كازو أويدا، لكنه لم يُدلِ بأي تعليق، ما زاد من ضبابية الموقف الرسمي حيال احتمالية التدخل.
ويرى محللون مثل ماريتو أويدا، المدير العام لشركة SBI FXTrade، أن الوضع الحالي "مختلف تمامًا عما كان عليه العام الماضي"، مضيفًا أن أي تدخل حكومي "لن يكون مستدامًا" في ظل التوجه نحو التوسع المالي، حتى وإن نجح في تحقيق استقرار مؤقت.
وأضاف أويدا أن "الين فقد نحو 4.5% من قيمته مقابل الدولار خلال الربع الحالي، ليصبح العملة الأكثر انخفاضًا بين عملات دول مجموعة العشر"، مما يزيد الضغوط السياسية والاقتصادية على الحكومة اليابانية.
تحذيرات رسمية من تحركات سريعة في سوق الصرف
في سياق متصل، صرّح وزير المالية الياباني ساتسوكي كاتاياما بأن التحركات الأخيرة في سوق العملات أصبحت "أحادية الجانب وسريعة للغاية"، محذرًا من أن الآثار السلبية لضعف الين باتت أكثر وضوحًا.
وقال الوزير أمام البرلمان إن الحكومة "تراقب التحركات المتطرفة وغير المنتظمة بقدر كبير من الإلحاح"، في إشارة واضحة إلى استعداد محتمل للتدخل المباشر إذا ما تجاوز الين مستويات حرجة جديدة.
وكانت وزارة المالية اليابانية قد تدخلت في السوق خلال العام الماضي عند مستويات 160.17 و157.99 و161.76 و159.45 للدولار، في محاولة لوقف التدهور الحاد للين، إلا أن نتائج تلك التدخلات كانت محدودة ومؤقتة.
خلاصة تحليلية: ضبابية عالمية بين الدولار القوي والين الضعيف واليورو المتردد
تُظهر التطورات الأخيرة أن الأسواق العالمية تعيش مرحلة إعادة توازن بعد انقضاء الإغلاق الحكومي الأمريكي، حيث يواجه الدولار الأمريكي ضغوطًا من عودة النشاط الاقتصادي وتزايد شهية المخاطرة، في حين يحاول اليورو استعادة بعض الزخم المدعوم بتوقعات إيجابية للإنتاج الصناعي، أما الين الياباني فيبقى تحت وطأة سياسات التيسير المالي والضغوط الخارجية، مع ترقب متزايد لأي تدخل حكومي قادم.
في المحصلة، يتجه المشهد العالمي نحو فترة من التقلبات المعتدلة إلى أن تتضح معالم السياسة النقدية الأمريكية وتوقيت خفض الفائدة المنتظر، وهو ما سيحدّد الاتجاه العام للعملات الرئيسية في الأسابيع المقبلة.