الدولار الأمريكي يتعافى من قاع شهرين ونصف وسط ترقّب حاسم لبيانات الاقتصاد ومسار الفائدة

سجّل مؤشر الدولار الأمريكي ارتفاعًا ملحوظًا خلال تعاملات يوم الأربعاء، مواصلًا محاولاته للارتداد من أدنى مستوى له في نحو شهرين ونصف، في وقت تتزايد فيه حالة الترقب والحذر في الأسواق العالمية قبيل صدور بيانات اقتصادية أمريكية محورية يُنتظر أن ترسم ملامح السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي خلال عام 2026.

أداء مؤشر الدولار الأمريكي اليوم

ارتفع مؤشر الدولار بأكثر من 0.2%، ليضع نفسه على مسار تحقيق أول مكسب خلال الجلسات الثلاث الأخيرة، في إشارة إلى تحسن نسبي في شهية المستثمرين تجاه العملة الأمريكية بعد موجة ضعف استمرت لعدة أسابيع.

 

ويعكس هذا الأداء تعافي الدولار مقابل سلة من العملات العالمية، مدعومًا بمزيج من عمليات الشراء من مستويات منخفضة وإعادة تموضع المحافظ الاستثمارية قبل البيانات المنتظرة.

 

وخلال ساعات التداول الآسيوية، صعد مؤشر الدولار – الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من العملات الرئيسية – بنسبة 0.3%، كما ارتفعت العقود الآجلة لمؤشر الدولار بالنسبة ذاتها في تأكيد على اتساع نطاق التعافي ليشمل مختلف الجلسات العالمية.

تعافٍ فني أم بداية تحول في الاتجاه؟

لا يقتصر هذا الارتفاع على كونه مجرد ارتداد فني ناتج عن عمليات شراء من القيعان، بل يأتي أيضًا في سياق استعداد الأسواق لاستيعاب إشارات جديدة حول مستقبل أسعار الفائدة الأمريكية.

 

فالمستثمرون باتوا أكثر حساسية لأي بيانات قد تعكس تباطؤًا اقتصاديًا أعمق أو تغيرًا في توجهات الاحتياطي الفيدرالي، خاصة بعد سلسلة من المؤشرات التي أظهرت تراجع زخم النمو خلال الأشهر الماضية.

سوق العمل الأمريكي يرسل إشارات متناقضة

أظهرت بيانات حديثة صادرة عن وزارة العمل الأمريكية أن الاقتصاد أضاف نحو 64 ألف وظيفة خلال الشهر الماضي، وهو رقم فاق التوقعات التي كانت تشير إلى إضافة 45 ألف وظيفة فقط. وعلى الرغم من أن هذه القراءة بدت إيجابية في ظاهرها، إلا أن الصورة العامة لسوق العمل ظلت ضبابية.

 

فقد ارتفع معدل البطالة إلى 4.6%، مسجلًا أعلى مستوى له منذ عام 2021، ما يشير إلى اتساع الفجوة بين نمو الوظائف وقدرة الاقتصاد على استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل. ويعكس هذا الارتفاع في البطالة تراجعًا تدريجيًا في قوة سوق العمل، وهو عنصر بالغ الأهمية في قرارات السياسة النقدية للفيدرالي.

 

وزادت المخاوف بعد الكشف عن أن الاقتصاد الأمريكي فقد خلال شهر أكتوبر وحده نحو 105 آلاف وظيفة، في تطور أثار تساؤلات واسعة حول متانة سوق العمل وقدرته على الصمود أمام تشديد الأوضاع المالية وتباطؤ النشاط الاقتصادي.

تباطؤ النشاط الخدمي والصناعي يعمّق القلق

في موازاة بيانات التوظيف، أظهرت مؤشرات النشاط الاقتصادي صورة أقل إشراقًا فقد كشفت بيانات صادرة عن مؤسسة “إس آند بي جلوبال” عن تراجع مؤشر مديري المشتريات للقطاع الخدمي إلى 52.9 نقطة خلال شهر ديسمبر، مقارنة بـ54.1 نقطة في الشهر السابق، مسجلًا بذلك أدنى مستوى له في ستة أشهر.

 

كما انخفض مؤشر مديري المشتريات للقطاع الصناعي إلى 51.8 نقطة، وهو أدنى مستوى منذ يوليو الماضي، ما يعكس تباطؤًا واضحًا في وتيرة النشاط الصناعي، في ظل ضعف الطلب وارتفاع تكاليف التمويل.

 

ورغم بقاء المؤشرين فوق مستوى 50 نقطة – الذي يفصل بين التوسع والانكماش – إلا أن هذا التراجع المتزامن في القطاعين الخدمي والصناعي يعزز المخاوف من فقدان الاقتصاد الأمريكي لزخمه خلال الفترة المقبلة.

الاحتياطي الفيدرالي تحت ضغط متزايد

وفي هذا السياق، علّق محللو بنك ING في مذكرة تحليلية قائلين إن “استمرار تباطؤ خلق الوظائف وارتفاع معدل البطالة يمنح الأعضاء ذوي التوجه التيسيري داخل الاحتياطي الفيدرالي مساحة أكبر للدفع نحو خفض إضافي لأسعار الفائدة”.

 

وأضاف المحللون أن “مخاطر الدخول في مرحلة خسائر وظائف صريحة باتت أكثر وضوحًا، ومع اقتراب الانتخابات النصفية الأمريكية بأقل من عام، ستتعاظم الضغوط السياسية على الاحتياطي الفيدرالي لاتخاذ خطوات داعمة للنمو وتخفيف الأعباء عن الاقتصاد”.

 

وتعكس هذه التصريحات تنامي الرهانات في الأسواق على أن دورة التيسير النقدي لم تنتهِ بعد، وأن عام 2026 قد يشهد تحولات أعمق في سياسة الفائدة الأمريكية.

الجنيه الإسترليني يتراجع مع عودة قوة الدولار وترقّب قرار بنك إنجلترا

على الجانب الأوروبي، تراجع الجنيه الإسترليني خلال تعاملات يوم الأربعاء مقابل سلة من العملات العالمية، متخليًا عن أعلى مستوى له في شهرين أمام الدولار الأمريكي.

 

وجاء هذا التراجع في إطار عمليات تصحيح وجني أرباح طبيعية، تزامنت مع محاولات الدولار التعافي من مستوياته المتدنية.

 

ويأتي ضعف الإسترليني في وقت يتجنب فيه المستثمرون فتح مراكز شرائية جديدة، انتظارًا لصدور بيانات التضخم الرئيسية في المملكة المتحدة، والتي يُنظر إليها على أنها عامل حاسم في تحديد قرار بنك إنجلترا المرتقب.

 

وتشير التوقعات السائدة في الأسواق إلى احتمال قيام البنك المركزي البريطاني بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، لتصل إلى نطاق 3.75%، وهو أدنى مستوى منذ ديسمبر 2022، في رابع خطوة للتيسير النقدي خلال العام الجاري.

أداء الجنيه الإسترليني في جلسة اليوم

  • تراجع الجنيه الإسترليني مقابل الدولار بنسبة 0.3% ليصل إلى 1.3380 دولار.

  • افتتح التداولات عند مستوى 1.3423 دولار.

  • سجل أعلى مستوى خلال الجلسة عند 1.3427 دولار.

ويأتي هذا التراجع بعد مكاسب قوية حققها الجنيه في الجلسة السابقة، حيث ارتفع يوم الثلاثاء بنحو 0.35% مقابل الدولار، مسجلًا ثاني مكسب يومي على التوالي، وبلغ أعلى مستوى له في شهرين عند 1.3456 دولار.

 

وقد تلقى الجنيه حينها دعمًا من صدور بيانات اقتصادية قوية في المملكة المتحدة، لا سيما تلك المتعلقة بنمو الأجور وتسارع الأنشطة الصناعية والتجارية.

العملات الآسيوية تحت الضغط… والروبية الهندية تخالف الاتجاه

في الأسواق الآسيوية، تراجعت معظم العملات الإقليمية خلال تعاملات يوم الأربعاء، مع إعادة تقييم المستثمرين لمسار أسعار الفائدة الأمريكية في أعقاب البيانات الضعيفة نسبيًا لسوق العمل الأمريكي، وهو ما عزز الطلب على الدولار في بعض الجلسات.

 

في المقابل، برزت الروبية الهندية كاستثناء واضح، حيث ارتفعت بأكثر من 1% مقابل الدولار، بعد أن كانت قد سجلت مستويات قياسية منخفضة متتالية في وقت سابق من الأسبوع.

 

وتراجع زوج الدولار/الروبية (USD/INR) بنسبة 0.6% ليتم تداوله عند 90.3850 روبية، بعد أن هبط خلال الجلسة إلى 89.7850 روبية، مقارنة بمستوى قياسي مرتفع بلغ 91.0770 روبية سُجل يوم الثلاثاء.

 

وأشارت تقارير إعلامية إلى أن بنوكًا تديرها الدولة شوهدت وهي تبيع الدولار في السوق، ما أثار تكهنات واسعة بشأن تدخل محتمل من بنك الاحتياطي الهندي للحد من التقلبات المفرطة ودعم استقرار العملة.

 

ورغم هذا التحسن، لا تزال الروبية الهندية تواجه ضغوطًا هيكلية، تشمل استمرار تدفقات المحافظ الأجنبية إلى الخارج، والطلب القوي من المستوردين على الدولار، إضافة إلى حالة عدم اليقين التي تحيط بالعلاقات التجارية مع الولايات المتحدة.

 

الخلاصة

تعكس التحركات الحالية في أسواق العملات حالة من التوازن الحذر بين تعافي الدولار الأمريكي وتزايد المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي. وبينما يستفيد الدولار مؤقتًا من عمليات الشراء الفنية وترقّب البيانات، تبقى الصورة المستقبلية رهينة بما ستكشفه المؤشرات الاقتصادية القادمة وقرارات البنوك المركزية الكبرى، والتي ستحدد اتجاه الأسواق خلال المرحلة المقبلة.

 
تم التحديث في: الأربعاء, 17 كانون الأول 2025 10:46
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول