الدولار يحافظ على مكاسبه عقب محضر الاحتياطي الفيدرالي وسط ترقب مسار السياسة النقدية

واصل الدولار الأمريكي تحقيق مكاسب ملحوظة خلال تعاملات يومي الثلاثاء والأربعاء، مستفيدًا من صدور محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لشهر ديسمبر، في وقت يواصل فيه المستثمرون والمتعاملون في الأسواق العالمية تقييم توجهات السياسة النقدية الأمريكية خلال المرحلة المقبلة، وسط بيئة اقتصادية تتسم بارتفاع مستويات عدم اليقين.

أداء مؤشر الدولار الأمريكي 

سجل مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة مقابل سلة من ست عملات رئيسية، ارتفاعًا بأكثر من 0.1% خلال تداولات يوم الأربعاء، ليعزز مكاسبه للجلسة الثانية على التوالي، ويصل إلى أعلى مستوياته في أسبوع عند 98.33 نقطة، في إشارة واضحة إلى استمرار قوة العملة الأمريكية نسبيًا أمام نظرائها من العملات العالمية.

 

وبحسب محضر الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، والذي انعقد على مدار يومي 9 و10 ديسمبر الجاري، فقد وافق البنك المركزي الأمريكي على خفض أسعار الفائدة بعد نقاش معمق ومطوّل حول المخاطر الاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة في المرحلة الحالية، سواء على صعيد التضخم أو النمو أو استقرار الأسواق المالية.

 

وكشف المحضر أن قرار خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل النطاق المستهدف إلى 3.75%، وهو أدنى مستوى منذ عام 2022، لم يكن محل إجماع داخل المجلس، إذ شهد معارضة لافتة من قبل ثلاثة أعضاء، مقابل تأييد تسعة أعضاء، في أكبر عدد من الانشقاقات داخل اللجنة منذ عام 2019، ما يعكس حجم التباين في الرؤى حول توقيت ومدى التيسير النقدي المناسب.

 

وأشار المحضر بوضوح إلى ميل متزايد داخل أروقة الاحتياطي الفيدرالي نحو التريث والحذر خلال الاجتماعات المقبلة، حيث رأى عدد من المشاركين أن تثبيت أسعار الفائدة “لفترة من الوقت” بعد خفض ديسمبر قد يكون الخيار الأنسب، ريثما تتضح معالم المسار الاقتصادي بصورة أكثر دقة.

توقعات الفائدة: نهج أكثر تشددًا وحذرًا

وأظهرت توقعات لجنة السوق المفتوحة أن البنك المركزي الأمريكي يتوقع تنفيذ خفض واحد فقط إضافي لأسعار الفائدة على مدار عام 2026، في تحول واضح نحو نهج أكثر تشددًا مقارنة بالتقديرات السابقة، الأمر الذي دعم الدولار وحدّ من وتيرة تراجعه أمام العملات الأخرى.

 

ووفقًا لأداة “فيد ووتش” التابعة لمجموعة CME، فإن الأسواق تسعّر حاليًا احتمالية الإبقاء على أسعار الفائدة الأمريكية دون تغيير خلال اجتماع يناير 2026 عند مستوى مرتفع يبلغ 84%، في حين تستقر احتمالات خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس عند 16% فقط، ما يعكس اقتناع الأسواق بأن الفيدرالي سيظل حذرًا في خطواته المقبلة.

أداء الدولار السنوي: مكاسب قصيرة مقابل خسائر تاريخية

وعلى الرغم من الدعم الذي تلقاه الدولار في الأيام الأخيرة، فقد حدّت عطلات نهاية العام من أحجام التداول، وهو ما دفع محللين إلى التحذير من إعطاء التحركات الأخيرة وزنًا مبالغًا فيه. ومع ذلك، يتجه الدولار الأمريكي إلى تسجيل أسوأ أداء سنوي له منذ عام 2017، مع خسائر تقترب من 10% خلال عام 2025.

 

وبحسب محضر الاجتماع الذي استمر يومين، فإن موافقة الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة جاءت فقط بعد نقاش دقيق حول المخاطر التي تهدد الاقتصاد الأمريكي، في ظل تباطؤ نسبي في بعض المؤشرات، مقابل استمرار الضغوط التضخمية في قطاعات أخرى.

 

وأظهرت التوقعات الجديدة الصادرة عقب اجتماع ديسمبر أن الاحتياطي الفيدرالي يتوقع خفضًا واحدًا فقط لأسعار الفائدة خلال العام المقبل، كما أشارت الصياغة المعدلة لبيان السياسة النقدية إلى أن البنك يفضل الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير في الوقت الحالي، إلى أن تظهر بيانات جديدة تؤكد إما تراجع التضخم مجددًا أو ارتفاع معدلات البطالة بوتيرة أسرع من المتوقع.

 

في المقابل، تسعّر الأسواق حاليًا ما يقارب 50 نقطة أساس من التخفيضات المحتملة في أسعار الفائدة خلال العام المقبل، ما يعكس فجوة بين توقعات المستثمرين وتقديرات الفيدرالي الرسمية.

عوامل الضغط على الدولار

وبصورة عامة، تراجع مؤشر الدولار بنحو 9.5% منذ بداية العام، مسجلًا أكبر انخفاض سنوي له في ثماني سنوات، متأثرًا بعدة عوامل مجتمعة، أبرزها رهانات خفض الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وتقلص فروق أسعار الفائدة مع الاقتصادات الكبرى الأخرى، فضلًا عن المخاوف المتعلقة بالعجز المالي الأمريكي، وتصاعد حالة عدم اليقين السياسي.

 

وفي ظل شح البيانات الاقتصادية قبيل عطلة رأس السنة، أظهرت بيانات صدرت في وقت سابق من يوم الثلاثاء أن أسعار المنازل في الولايات المتحدة ارتفعت خلال شهر أكتوبر بأبطأ وتيرة سنوية منذ أكثر من 13 عامًا، بحسب هيئة التمويل الفيدرالية للإسكان، ما قد يشير إلى تحسن نسبي في القدرة على تحمل تكاليف السكن داخل سوق يعاني منذ فترة طويلة من ضغوط الأسعار.

تحركات العملات العالمية

على صعيد العملات، تراجع الين الياباني بنسبة 0.2% مقابل الدولار ليصل إلى 156.39 ين للدولار، رغم أن العملة اليابانية كانت قد أظهرت تحسنًا ملحوظًا خلال الأيام الماضية، مبتعدة عن المستويات التي دفعت مسؤولين في طوكيو إلى إطلاق تحذيرات وتصريحات الأسبوع الماضي، الأمر الذي عزز توقعات الأسواق بشأن احتمال تدخل بنك اليابان لدعم العملة.

اليوان الصيني يتجاوز مستوى نفسي مهم

وفي آسيا، اخترق اليوان الصيني في السوق المحلية المستوى النفسي الهام عند 7 يوانات للدولار للمرة الأولى منذ عامين ونصف، متحديًا التوجيهات السعرية الأضعف الصادرة عن البنك المركزي الصيني، مع تسارع وتيرة بيع الدولار من قبل المصدرين مع اقتراب نهاية العام.

 

وسجل اليوان مستوى 6.987 مقابل الدولار، وهو أقوى مستوى له منذ مايو 2023، وحقق مكاسب تقارب 4% مقابل الدولار منذ أوائل أبريل، حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية واسعة النطاق، ليتجه اليوان بذلك إلى إنهاء سلسلة خسائر استمرت ثلاث سنوات.

 

وعلى الرغم من محاولات البنك المركزي الصيني الحد من قوة اليوان عبر توجيهات سعرية أضعف وتحذيرات لفظية في وسائل الإعلام الرسمية، إلا أن تلك الجهود لم تنجح حتى الآن في عكس اتجاه صعود العملة الصينية.

 

في المقابل، تراجع الدولار الكندي بشكل طفيف مقابل نظيره الأمريكي، حيث انخفض بأقل من 0.1% ليصل إلى 0.7301 دولار أمريكي بحلول الساعة 21:02 بتوقيت غرينتش.

اليورو على وشك تحقيق أكبر مكسب سنوي منذ 2017

تراجع اليورو في السوق الأوروبية خلال تداولات يوم الأربعاء مقابل سلة من العملات العالمية، ليعمّق خسائره لليوم الثاني على التوالي أمام الدولار الأمريكي، مسجلًا أدنى مستوى له في أسبوع، في ظل تنامي الطلب على العملة الأمريكية عقب صدور محضر الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، والذي أظهر انقسامًا واضحًا بين صانعي السياسة بشأن خفض أسعار الفائدة في ديسمبر.

 

ورغم هذا التراجع قصير الأجل، فإن العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” لا تزال على أعتاب تسجيل أكبر مكسب سنوي لها منذ عام 2017، مدعومة بعدة عوامل جوهرية، في مقدمتها تحسن مؤشرات النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، والموقف النقدي المتشدد نسبيًا الذي تبناه البنك المركزي الأوروبي خلال النصف الثاني من العام، إلى جانب الضعف العام الذي طغى على أداء الدولار الأمريكي عالميًا.

سعر صرف اليورو اليوم:

انخفض اليورو مقابل الدولار بنسبة 0.15% ليصل إلى 1.1733 دولار، وهو أدنى مستوى منذ 22 ديسمبر الجاري، مقارنة بسعر افتتاح اليوم عند 1.1748 دولار، فيما سجل أعلى مستوى خلال الجلسة عند 1.1749 دولار.

  • أداء جلسة الثلاثاء: أنهى اليورو تعاملات يوم الثلاثاء منخفضًا بنسبة 0.2% مقابل الدولار، مسجلًا ثالث خسارة خلال أربعة أيام، متأثرًا بمحضر الاحتياطي الفيدرالي.

 

وعقب قرار الفيدرالي الأخير، تقلصت فجوة أسعار الفائدة بين أوروبا والولايات المتحدة إلى 160 نقطة أساس لصالح الفائدة الأمريكية، وهو أدنى مستوى لهذه الفجوة منذ مايو 2022، ما يدعم على المدى المتوسط فرص ارتفاع سعر صرف اليورو مقابل الدولار.

التعاملات السنوية لليورو

وخلال تعاملات عام 2025، التي تنتهي رسميًا مع تسوية أسعار اليوم، ارتفعت العملة الأوروبية الموحدة بأكثر من 13% مقابل الدولار الأمريكي، لتكون على وشك تحقيق ثاني مكسب سنوي لها خلال آخر ثلاث سنوات، وأكبر مكسب سنوي منذ عام 2017.

أسباب التفوق التاريخي لليورو

  • مرونة الاقتصاد الأوروبي: أظهرت منطقة اليورو أداءً اقتصاديًا أفضل من المتوقع خلال عام 2025، لا سيما مع تعافي الأنشطة الصناعية والتجارية في ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة.

  • سياسة البنك المركزي الأوروبي: خالف البنك المركزي الأوروبي التوقعات عبر الحفاظ على موقف نقدي متشدد نسبيًا مقارنة بالاحتياطي الفيدرالي، خاصة خلال النصف الثاني من العام، ما عزز جاذبية اليورو كعملة ذات عائد مستقر.

  • ضعف الدولار الأمريكي: جاء نتيجة خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وتصاعد المخاوف بشأن الاستقرار المالي في الولايات المتحدة، إلى جانب السياسات التجارية المتقلبة للرئيس دونالد ترامب، والمخاوف المتزايدة حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي في ظل إدارته، وهي عوامل مجتمعة دعمت الأداء القوي لليورو خلال العام.

تم التحديث في: الأربعاء, 31 كانون الأول 2025 12:54
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول