العملات المشفرة تقفز بقوة.. والإيثريوم تسجل مستوى تاريخي جديد بعد خطاب جيروم باول

شهدت أسواق العملات المشفرة قفزة قوية، تفاعلاً مع خطاب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول خلال ندوة «جاكسون هول» السنوية، حيث فتح الباب أمام مسار جديد للسياسة النقدية يميل نحو التخفيف بعد سنوات من التشديد.

 

وفي خضم هذه التطورات، خطفت عملة الإيثريوم (Ether) الأضواء بعدما نجحت في تسجيل أعلى مستوى تاريخي لها متجاوزة الذروة التي بلغتها في عام 2021، لتعيد رسم مشهد المنافسة بينها وبين البيتكوين، وتؤكد مكانتها كركيزة أساسية في النظام المالي الرقمي العالمي.

ارتفاع تاريخي لعملة الايثريوم

ارتفعت عملة إيثر، الرمز الأصلي لشبكة "إيثريوم" القائمة على تقنية البلوكتشين، بنسبة 15% في جلسة الجمعة لتسجل 4,866.73 دولاراً، وهو رقم تاريخي جديد تجاوز أعلى مستوى قياسي سابق عند 4,866.40 دولار المسجل في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.


ويُعد هذا الإنجاز الأول من نوعه منذ أربع سنوات تقريباً، ما يعكس التحولات القوية في سوق الأصول الرقمية خلال 2024-2025.

 

وبهذا الصعود، تكون "إيثر" قد حققت مكاسب تفوق 40% منذ بداية العام الجاري، متفوقة على عملة بيتكوين الرائدة، رغم أن الأخيرة بدورها واصلت تسجيل مستويات قياسية جديدة بعدما استفادت في فترات سابقة من الدعم السياسي والإعلامي، ولا سيما من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الماضية.

خطاب جيروم باول في جاكسون هول

جاء هذا الارتفاع الكبير في أعقاب كلمة جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، في الندوة السنوية الشهيرة «جاكسون هول» التي تُعتبر من أبرز المؤتمرات الاقتصادية العالمية.


خلال خطابه، ألمح باول بوضوح إلى إمكانية التحول نحو خفض أسعار الفائدة اعتباراً من سبتمبر المقبل، وهو ما فاجأ الأسواق ودفعها لإعادة تسعير توقعاتها لمسار السياسة النقدية الأميركية.

 

هذا التوجه نحو التيسير انعكس فوراً على الأصول عالية المخاطر مثل الأسهم والعملات المشفرة، إذ غالباً ما تدفع أسعار الفائدة المنخفضة المستثمرين للبحث عن عوائد أكبر في أسواق بديلة، ليصبّ ذلك في مصلحة العملات الرقمية التي تتسم عادة بتقلبات عالية وإمكانات ربحية ضخمة.

 

وفي الوقت نفسه، سجلت عملة بيتكوين قفزة أخرى، حيث لامست في 14 أغسطس مستوى قياسي جديد تجاوز 124,500 دولاراً، ما عزز الإقبال الاستثماري على قطاع الكريبتو ككل.

تصريحات المحللين: الأسواق في حالة استجابة سريعة

في تعليقها على المشهد، قالت كاتالين تيشهاوزر، رئيسة الأبحاث في بنك "سيغنوم" المتخصص في الخدمات المالية الرقمية:

 

"بالنسبة لأسواق العملات المشفرة، كانت الاستجابة سريعة وإيجابية. ففي دورة الصعود الحالية المدفوعة بالسيولة، يتحرك المستثمرون سريعاً للاستفادة من أي إشارات تميل للتيسير، وهو ما قدمته تصريحات باول".

هذا الرأي يعكس مدى ترابط الأسواق المالية العالمية حالياً، إذ باتت أي إشارة من الاحتياطي الفيدرالي كفيلة بتغيير مسار رؤوس الأموال بين الأصول التقليدية (مثل السندات والدولار) والأصول البديلة (مثل العملات المشفرة).

دور المؤسسات والشركات في تعزيز زخم الإيثريوم

لم يقتصر صعود الإيثريوم على العوامل النقدية وحدها، بل لعبت المؤسسات الاستثمارية والشركات الكبرى دوراً محورياً في زيادة الطلب عليها.


فقد أصبحت الشركات التي تحتفظ بـ"إيثر" كجزء من أصول الخزانة لديها مصدر زخم رئيسي في السوق، مقتديةً باستراتيجيات مؤسسات مثل شركة "ستراتيجي إنك" التابعة لمايكل سايلور.

 

وبلغ حجم ما استحوذت عليه هذه الشركات من الإيثريوم حتى الآن نحو 17 مليار دولار، وهو رقم يعكس التحول من اعتبار العملات المشفرة أدوات مضاربة قصيرة الأجل إلى النظر إليها كأصول خزينة استراتيجية طويلة المدى.

مبادرات مجتمع إيثريوم لتعزيز مكانة الشبكة

بعد سنوات من الانتقادات التي طالت "مجتمع إيثريوم" بشأن فشله في دعم القيمة السوقية للعملة، أطلقت المجموعة مؤخراً منظمة جديدة باسم "Etherealize"، تهدف إلى الترويج لاستخدام شبكة البلوكتشين بين الشركات والمؤسسات.

 

كما أعادت "إيثريوم" هيكلة فريق القيادة لمؤسستها الأم، بهدف تعزيز الحوكمة وجذب الاستثمارات الجديدة، ما قد يشكل نقطة تحول في مستقبل المنصة.

 

اليوم، تدعم سلسلة كتل إيثريوم آلاف التطبيقات المتنوعة، بدءاً من التمويل اللامركزي (DeFi)، مروراً بالألعاب الرقمية، ووصولاً إلى الأصول المرمزة مثل صناديق أسواق المال. كما أن الشبكة تحتضن أكثر من 100 سلسلة فرعية موازية، من أبرزها شبكة Base التابعة لبورصة العملات المشفرة الأميركية "كوين بيس".

تدفقات قياسية إلى صناديق الإيثريوم

شهدت صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) التي تستثمر في الإيثريوم داخل الولايات المتحدة تدفقات صافية قياسية بلغت 2.5 مليار دولار في أغسطس وحده، بينما سجلت صناديق البيتكوين تدفقات خارجة بنحو 1.3 مليون دولار فقط، وفقاً لبيانات وكالة "بلومبرغ".

 

هذا التباين الواضح يؤكد أن الإيثريوم باتت الوجهة المفضلة للمستثمرين المؤسسيين، خصوصاً مع التوسع في التطبيقات العملية للشبكة التي تمنحها ميزة تنافسية تتجاوز البيتكوين من حيث الاستخدامات الفعلية.

 

قبل تحقيق المستوى القياسي الأخير، كانت الإيثريوم قد اقتربت الأسبوع الماضي من ذروتها التاريخية المسجلة في 2021 عند 4866.01 دولاراً، لكنها تراجعت مؤقتاً إلى حدود 4000 دولار هذا الأسبوع، قبل أن تعود لتكسر حاجزها القياسي مع تصريحات باول الأخيرة.

تفاصيل خطاب باول

في الاجتماع السنوي للاحتياطي الفيدرالي بولاية وايومنغ، ألقى جيروم باول خطاباً اتسم بالبرود، لكنه حمل بين سطوره إشارات مهمة للأسواق.


أوضح باول أن معدل البطالة في الولايات المتحدة ما يزال منخفضاً، لكن استمرار السياسة النقدية في نطاق "التقييد" قد لا يكون مناسباً في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن التغيرات في ميزان المخاطر قد تستدعي تعديل الموقف النقدي.

 

كما أشار إلى وجود "تغييرات جذرية" في السياسات الاقتصادية الأميركية، تشمل ملفات الضرائب والتجارة والهجرة، وهي قضايا من شأنها التأثير المباشر على مسار النمو الاقتصادي والأسواق المالية.

 

وبحسب أداة CME FedWatch، كانت الأسواق قد تسعّرت قبل الخطاب توقعات بخفض الفائدة بنسبة 75% بمقدار ربع نقطة في اجتماع سبتمبر المقبل، ما يعني أن تصريحات باول جاءت لتؤكد تلك التوقعات وتدعمها.

الانعكاسات على الاقتصادات الناشئة

أي خفض للفائدة الأميركية ستكون له تداعيات مباشرة على الاقتصادات الناشئة:

  • ضعف الدولار سيسهم في تقليل الضغوط على عملات هذه الدول.

  • خفض كلفة خدمة الديون المقومة بالدولار، ما يمنح متنفساً لاقتصادات مثقلة مثل تركيا ومصر.

  • زيادة التدفقات الرأسمالية قصيرة الأجل نحو هذه الأسواق بفضل تحسن شهية المستثمرين للمخاطر.

لكن في المقابل، هناك مخاطر كبيرة إذا تباطأ الاقتصاد العالمي بشكل حاد، إذ قد يؤدي ذلك إلى تراجع الطلب على صادرات هذه الدول، ما يحدّ من استفادتها الفعلية من التيسير النقدي الأميركي.

 

الخلاصة: مرحلة جديدة في تاريخ العملات المشفرة

تشير التطورات الأخيرة إلى أن سوق العملات المشفرة يدخل مرحلة جديدة من النضج والنمو، تقودها الإيثريوم التي تمكنت من تحطيم ذروة 2021، بدعم من المؤسسات، وصناديق الاستثمار، والسياسات النقدية العالمية الأكثر مرونة.


ومع استمرار حالة الترقب في الأسواق، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون الإيثريوم هي المحرك الأساسي لموجة صعود جديدة في سوق الكريبتو، أم ستظل البيتكوين تحتفظ بعرشها كأكبر عملة رقمية في العالم؟

تم التحديث في: السبت, 23 آب 2025 12:38
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول