اليورو يرتفع أمام الدولار مع تحسّن المعنويات وتزايد التفاؤل بشأن إنهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي
شهدت الأسواق العالمية يوم الاثنين تحركات ملحوظة في أسعار العملات الرئيسية، حيث تراجع الدولار الأمريكي بفعل تزايد التفاؤل بشأن قرب انتهاء الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة، بينما ارتفع اليورو مدعومًا بتصريحات مسؤولي البنك المركزي الأوروبي التي أشارت إلى استقرار السياسة النقدية في الوقت الراهن.
في المقابل، أظهرت العملات الآسيوية تفاعلات متفاوتة، مع ضعف الين الياباني بعد تصريحات رئيسة الوزراء، وارتفاع الدولار الأسترالي والنيوزيلندي بفضل تحسن شهية المخاطرة.
أداء الدولار الأمريكي اليوم
انخفض الدولار الأمريكي يوم الاثنين، متأثرًا بتزايد التفاؤل حول إمكانية انتهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي الذي استمر لأكثر من أربعين يومًا، وهو ما خفّض من جاذبية العملة الأمريكية كملاذ آمن.
تراجع مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة مقابل سلة مكونة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.1% إلى 99.15، بعد أن كان قد شهد انخفاضات طفيفة في الأسبوع السابق.
هل يقترب الإغلاق من نهايته؟
أثار تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي للمضي قدمًا في تمرير إجراء مؤقت لتمويل الحكومة حتى شهر يناير المقبل موجة من التفاؤل في الأسواق، إذ رأى المستثمرون في هذا التطور خطوة جادة نحو إنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، والذي دخل يومه الأربعين يوم الأحد الماضي.
هذا التفاؤل انعكس بوضوح في سوق التنبؤات Polymarket، حيث ارتفع الاحتمال الضمني لانتهاء الإغلاق قبل 15 نوفمبر إلى 92%، مما دعم شهية المستثمرين للمخاطرة وأضعف الطلب على الدولار كملاذ آمن.
لكن على الجانب الاقتصادي، تزايدت المخاوف من تأثيرات الإغلاق الممتد على الاقتصاد الأمريكي. فقد أظهر مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميشيغان يوم الجمعة انخفاضًا حادًا إلى أدنى مستوى له في ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف في أوائل نوفمبر.
كما حذّر المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض كيفن هاسيت من أن الاقتصاد الأمريكي قد يسجل انكماشًا خلال الربع الرابع إذا استمر الإغلاق لفترة أطول.
وفي مذكرة تحليلية صادرة عن بنك ING، أوضح المحللون أن انتهاء الإغلاق قد يكون له تأثير مزدوج على الأسواق، قائلين:
“بينما قد يجادل البعض بأن نهاية الإغلاق يمكن أن تكون دافعًا للمخاطرة وسلبيًا للدولار في أسواق العملات الأجنبية، فإن تأثيرها قد يكون أكثر تنوعًا.”
وأضافت المذكرة أن الدولار كان تحت الضغط نهاية الأسبوع الماضي نتيجة لتزايد تسريحات العمال والمخاوف من انكماش اقتصادي محتمل في الربع الأخير من العام، إلى جانب بيانات ثقة المستهلك الضعيفة، والتي تم تفسيرها على نطاق واسع على أنها سلبية بالنسبة للعملة الأمريكية.
وأشار المحللون إلى أن التقدم نحو إنهاء الإغلاق ربما سيكون له تأثير أقوى على العملات الحساسة للمخاطرة مثل الدولار الأسترالي والنيوزيلندي، مقارنة بتأثيره المباشر على الدولار الأمريكي نفسه.
اليورو يظهر بعض القوة أمام الدولار
في أوروبا، سجل اليورو ارتفاعًا طفيفًا أمام الدولار الأمريكي، حيث ارتفع زوج اليورو/دولار بنسبة 0.1% إلى 1.1579، مستفيدًا من تصريحات مسؤولي البنك المركزي الأوروبي التي عكست ثقة نسبية في الوضع النقدي الحالي للمنطقة.
وقال نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي لويس دي غيندوس في مقابلة يوم الاثنين إن أسعار الفائدة الحالية تعتبر في المستوى المناسب ما لم تحدث تغيرات جوهرية في الأوضاع الاقتصادية، مشيرًا إلى أن المزيد من التخفيضات في الفائدة غير مرجحة في المدى القريب.
وأضاف دي غيندوس أن البنك المركزي الأوروبي يحتاج إلى البقاء “حذرًا للغاية ومتحفظًا” عند اتخاذ قراراته بشأن السياسة النقدية، مؤكدًا أن مستوى عدم اليقين الاقتصادي قد انخفض خلال الأشهر الستة الماضية، خصوصًا بعد التوصل إلى اتفاقية التجارة الجديدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مما عزز من استقرار الأسواق الأوروبية وأعطى دفعة لليورو.
الجنيه الإسترليني يستفيد من البيانات المنتظرة
في المقابل، ارتفع زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي بنسبة 0.1% إلى 1.3178، في بداية أسبوع يتوقع أن يكون حافلًا بالبيانات الاقتصادية البريطانية الهامة.
ورغم أن السوق يُسعّر احتمال خفض بنك إنجلترا للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر بنسبة 60% فقط، إلا أن بنك ING يرى أن تلك الاحتمالات أقل من قيمتها الحقيقية، مشيرًا إلى أن بيانات الأجور لشهر سبتمبر المقرر صدورها يوم الثلاثاء ستكون عاملًا حاسمًا في تشكيل توقعات السياسة النقدية القادمة.
وأوضح البنك أن تباطؤ نمو الأجور سيمنح بنك إنجلترا ثقة أكبر في أن التضخم يفقد زخمه، مما قد يمهد الطريق أمام تيسير السياسة النقدية خلال الأشهر المقبلة.
الين الياباني يتراجع بعد تصريحات تاكايتشي
وفي آسيا، ارتفع زوج الدولار/ين بنسبة 0.4% إلى 153.98، حيث تعرض الين الياباني لضغوط بعد تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي، التي أعلنت نيتها وضع هدف مالي جديد يمتد لعدة سنوات يسمح للحكومة بزيادة الإنفاق العام بشكل أكثر مرونة، وهو ما يُضعف الالتزام السابق بسياسة الانضباط المالي.
هذا التوجه، وفقًا للمحللين، قد يؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي وبالتالي توسيع العجز المالي، مما يجعل العملة اليابانية أقل جاذبية للمستثمرين الباحثين عن استقرار طويل الأمد.
اليوان الصيني والدولار الأسترالي والنيوزيلندي
في الصين، تراجع زوج الدولار/يوان بنسبة 0.1% إلى 7.1173 بعد صدور بيانات أظهرت أن مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) ارتفع في أكتوبر بأكثر من التوقعات، في حين انكمش مؤشر أسعار المنتجين (PPI) بمعدل أبطأ من المتوقع، مما يشير إلى تحسن تدريجي في النشاط الاقتصادي المحلي.
أما في أستراليا، فقد ارتفع زوج الدولار الأسترالي/دولار أمريكي بنسبة 0.6% إلى 0.6532 بدعم من تحسّن شهية المخاطرة العالمية، في حين ارتفع زوج الدولار النيوزيلندي/دولار أمريكي بنسبة 0.3% إلى 0.5642، إذ استفاد كلاهما من عودة الثقة في الأسواق وتراجع الطلب على الملاذات الآمنة.
خلاصة تحليلية
يبدو أن السوق العالمية للعملات تمرّ بمرحلة دقيقة تتسم بتراجع المخاطر السياسية وعودة الثقة التدريجية في الاقتصاد العالمي، مع تباين توجهات البنوك المركزية الكبرى بين التشديد الحذر في أوروبا والتيسير المحتمل في بريطانيا واليابان.
ويُتوقع أن يظل مسار الدولار الأمريكي خلال الأيام المقبلة مرتبطًا بشكل وثيق بتطورات الإغلاق الحكومي الأمريكي ونتائج البيانات الاقتصادية، خاصة تلك المتعلقة بثقة المستهلك والنمو في الربع الرابع، بينما يواصل اليورو إظهار بعض القوة النسبية بفضل استقرار السياسة النقدية الأوروبية وتحسّن الأوضاع الاقتصادية في منطقة اليورو.