اليورو يتماسك بفضل سياسة البنك المركزي الأوروبي... وتفاؤل حذر يسيطر على الأسواق
شهدت أسواق العملات العالمية يوم الجمعة حالة من الحذر الممزوج بالتفاؤل، حيث تمكن اليورو من تحقيق مكاسب طفيفة أمام الدولار الأمريكي، ليواصل بذلك مكاسبه لليوم الثاني على التوالي، ويتجه نحو تسجيل مكسب أسبوعي جديد.
ويأتي هذا الأداء بدعم مباشر من نتائج اجتماع البنك المركزي الأوروبي، والذي حمل نبرة أكثر تشددًا من المتوقع، الأمر الذي أعاد الثقة تدريجيًا إلى العملة الأوروبية الموحدة.
قرار البنك المركزي الأوروبي
-
السياسة النقدية: كما كان متوقعًا، أبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة دون تغيير عند مستوى 2.15%، وهو أدنى مستوى تُسجله منذ أكتوبر 2022.
-
أهمية القرار: يُعد تثبيت الفائدة للمرة الثانية على التوالي بمثابة إشارة قوية إلى أن المركزي الأوروبي يرى أن السياسة النقدية الحالية كافية لتحقيق هدف التضخم البالغ 2% على المدى المتوسط.
-
التضخم: البنك أشار في بيانه إلى أن معدل التضخم يقترب تدريجيًا من المستوى المستهدف، وأن أي انحرافات طفيفة ومؤقتة عن هذا الهدف لا تستدعي تحركًا سريعًا.
-
المخاطر الاقتصادية: رئيسة البنك كريستين لاجارد أكدت أن الاقتصاد الأوروبي أصبح أكثر توازنًا في مواجهة المخاطر مقارنة بالفترات السابقة، وهو ما يُظهر أن المركزي الأوروبي لا يرى مبررًا لمزيد من التيسير النقدي في الأمد القريب.
هذه التصريحات والبيانات دفعت الأسواق إلى إعادة تسعير توقعاتها المستقبلية بشأن مسار أسعار الفائدة الأوروبية.
تحركات اليورو أمام الدولار
-
خلال جلسة الجمعة:
-
ارتفع اليورو بنسبة أقل من 0.1% ليُسجل 1.1741 دولار.
-
بدأ التعاملات عند 1.1734 دولار.
-
لامس أدنى مستوى خلال الجلسة عند 1.1721 دولار.
-
-
في جلسة الخميس:
-
ارتفع اليورو بنسبة 0.35% أمام الدولار.
-
جاء هذا الارتفاع بعد يومين من التراجع نتيجة عمليات جني أرباح وتصحيح سعري عقب بلوغ أعلى مستوى في سبعة أسابيع عند 1.1780 دولار.
-
-
على مدار الأسبوع:
-
ارتفع اليورو بنحو 0.25% حتى الآن.
-
إذا حافظ على هذا الأداء حتى إغلاق الجمعة، فسيُسجل ثاني مكسب أسبوعي متتالي، ما يعكس قوة الدفع من قرارات المركزي الأوروبي.
-
آفاق أسعار الفائدة الأوروبية
رغم أن الأسواق كانت تراهن في السابق على إمكانية استمرار دورة خفض الفائدة خلال العام الجاري، إلا أن تصريحات المركزي الأوروبي خفّضت هذه التوقعات بشكل كبير:
-
احتمالية خفض أكتوبر: تراجعت تقديرات الأسواق لاحتمالية خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في أكتوبر من 30% إلى أقل من 10%.
-
توقعات المدى المتوسط: أسواق المال لا تزال ترى احتمالًا بخفض الفائدة بحلول يونيو 2026 بنسبة 50%، مقارنةً بنحو 60% قبل الاجتماع الأخير.
-
دورة التيسير النقدي: كثير من المتداولين باتوا مقتنعين بأن دورة خفض الفائدة لهذا العام قد تكون وصلت بالفعل إلى نهايتها، ما لم تحدث صدمات اقتصادية جديدة.
هذه المعطيات تعكس توجهًا أكثر تشددًا من جانب البنك المركزي الأوروبي مقارنة بما كان يتوقعه المستثمرون سابقًا.
تأثير السياسات الأمريكية على الأسواق الأوروبية
لم تقتصر التحركات في الأسواق على منطقة اليورو وحدها، بل تداخلت مع التوقعات المتعلقة بالسياسة النقدية الأمريكية:
-
توقعات الفيدرالي الأمريكي: الأسواق العالمية تترقب قرار الاحتياطي الفيدرالي وسط توقعات متزايدة بأن البنك قد يُقدم على خفض أسعار الفائدة قريبًا من أجل دعم سوق العمل المحلي.
-
انعكاس ذلك على أوروبا: أي خفض محتمل في الفائدة الأمريكية سيُقلل من قوة الدولار، وهو ما يُعزز موقع اليورو نسبيًا ويدعم أسواق الأسهم الأوروبية.
أداء الأسهم الأوروبية
-
ارتفع مؤشر ستوكس 600 الأوروبي الأوسع نطاقًا بنسبة 0.1% ليصل إلى 556 نقطة بحلول الساعة 07:14 بتوقيت غرينتش.
-
يتجه المؤشر نحو تحقيق أول مكاسب أسبوعية له منذ ثلاثة أسابيع، وهو ما يعكس تحسنًا طفيفًا في معنويات المستثمرين.
-
المستثمرون يترقبون أيضًا قرار وكالة فيتش بشأن التصنيف الائتماني لفرنسا، وهو عامل آخر قد يؤثر على الأسواق الأوروبية بشكل مباشر.
هذا التحسن الطفيف في الأسهم يعكس حالة "انتظار وترقب" لدى المستثمرين، إذ إن أي تحرك للفيدرالي الأمريكي أو أي تغيير في تصنيف فرنسا الائتماني سيؤثر بشكل مباشر على مسار المؤشرات الأوروبية.
قراءة شاملة للمشهد الاقتصادي
يمكن تلخيص الوضع الحالي في النقاط التالية:
-
اليورو: يستفيد من موقف أكثر تشددًا للبنك المركزي الأوروبي، مما منحه قوة إضافية أمام الدولار.
-
الفائدة الأوروبية: المرجح بقاءها مستقرة لفترة طويلة، مع احتمالات ضعيفة لخفض جديد خلال هذا العام.
-
الاقتصاد الأوروبي: يسير بخطى حذرة نحو الاستقرار، مع مؤشرات إيجابية على توازن المخاطر.
-
الفيدرالي الأمريكي: توقعات خفض الفائدة في الولايات المتحدة تضيف دعمًا إضافيًا للأصول الأوروبية.
-
الأسواق المالية: حالة تفاؤل حذر تسيطر على الأسهم الأوروبية، لكنها تظل مرتبطة بقرارات السياسة النقدية عالميًا والتصنيفات الائتمانية.
يمكن القول إن الأسواق الأوروبية والعالمية تعيش مرحلة دقيقة من إعادة التوازن، حيث يسعى كل من البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى تحقيق استقرار التضخم دون الإضرار بالنمو الاقتصادي. وفي هذه الأثناء، يبقى اليورو هو المستفيد الأكبر من هذا التوازن، ولو بشكل تدريجي.