اليورو يحاول التعافي والأنظار تتجه إلى كريستين لاجارد وسط متغيرات السياسة النقدية وقوة الدولار

سجل اليورو ارتفاعاً ملحوظاً خلال تعاملات يوم الاثنين في السوق الأوروبية مقابل سلة من العملات العالمية، في إطار محاولاته المستمرة للتعافي من أدنى مستوياته في أسبوعين أمام الدولار الأمريكي.

 

وجاء هذا الصعود مدفوعاً بعودة نشاط الشراء من مستويات سعرية منخفضة، إلى جانب توقف زخم صعود العملة الأمريكية مؤقتاً، بالتزامن مع ترقب المستثمرين صدور بيانات التضخم الأمريكية الرئيسية التي تلعب دوراً محورياً في توجيه حركة أسواق العملات وتوقعات السياسة النقدية العالمية.

 

ويأتي هذا التحسن في أداء العملة الأوروبية الموحدة في ظل حالة من الحذر والترقب تسود الأسواق بشأن مستقبل أسعار الفائدة الأوروبية، حيث تتزايد الشكوك حول إمكانية إقدام البنك المركزي الأوروبي على خفض الفائدة خلال اجتماعه المرتقب في ديسمبر المقبل.

 

وفي هذا السياق، تتركز الأنظار على الكلمة المنتظرة لرئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، والتي يُنتظر أن تقدم إشارات دقيقة حول اتجاه السياسة النقدية الأوروبية ومسار تخفيف القيود المالية في منطقة اليورو.

نظرة سعرية تفصيلية على حركة زوج اليورو/دولار

شهد سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي ارتفاعاً بنسبة 0.15% ليصل إلى مستوى 1.1528 دولار، مقارنة بسعر افتتاح جلسة التداول عند 1.1511 دولار، بينما سجل أدنى مستوى له خلال الجلسة عند 1.1502 دولار. هذا التحسن النسبي يعكس محاولة العملة الأوروبية تثبيت مواقعها بعد سلسلة من الضغوط البيعية المتواصلة.

 

وكان اليورو قد أنهى تعاملات يوم الجمعة متراجعاً بنسبة 0.15% مقابل الدولار، مسجلاً سادس خسارة يومية متتالية، ليصل إلى أدنى مستوى في أسبوعين عند 1.1491 دولار، متأثراً بصدور بيانات اقتصادية ضعيفة أظهرت تباطؤاً في الأنشطة الصناعية والتجارية داخل منطقة اليورو، وهو ما أثار مخاوف إضافية بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي الأوروبي.

 

وعلى الصعيد الأسبوعي، فقد اليورو نحو 0.95% من قيمته أمام الدولار، في أول خسارة أسبوعية له خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، وبأكبر تراجع أسبوعي منذ أواخر يوليو الماضي. ويعزى هذا الأداء السلبي إلى تركيز المستثمرين على الدولار الأمريكي باعتباره أحد أفضل أدوات التحوط والاستثمار في ظل الضبابية الاقتصادية العالمية.

أداء الدولار الأمريكي ومؤشره مقابل سلة العملات

في المقابل، تراجع مؤشر الدولار الأمريكي خلال تعاملات الاثنين بنسبة 0.1%، متخلياً عن أعلى مستوى بلغه في ستة أشهر عند 100.40 نقطة، في إشارة إلى توقف مؤقت في صعود العملة الأمريكية أمام سلة من العملات الرئيسية والثانوية.

 

وجاء هذا التراجع في إطار عمليات التصحيح الفني وجني الأرباح، بالإضافة إلى إحجام المتعاملين عن بناء مراكز شرائية جديدة على الدولار، بالتزامن مع انتظار بيانات التضخم الأساسية في الولايات المتحدة، والتي يُنتظر أن توفر إشارات قوية حول احتمالات تثبيت أسعار الفائدة الأمريكية دون تغيير خلال اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر المقبل.

 

وتبقى تحركات الدولار مرتبطة بشكل مباشر بتوقعات الأسواق بشأن قرارات الفيدرالي الأمريكي، خاصة في ظل حساسية المستثمرين لأي مؤشرات تتعلق بمستقبل السياسة النقدية الأمريكية ومعدلات التشديد أو التيسير النقدي.

الفائدة الأوروبية وترقب السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي

تشير تسعيرات سوق المال حالياً إلى استقرار احتمالات قيام البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال ديسمبر المقبل عند مستوى يقارب 25%. غير أن هذه التوقعات لا تزال مرهونة بصدور المزيد من البيانات الاقتصادية الحيوية المتعلقة بمعدلات التضخم، سوق العمل، الأجور، ومستويات البطالة في منطقة اليورو.

 

ويولي المستثمرون اهتماماً بالغاً لخطاب كريستين لاجارد المرتقب، والذي يُنتظر أن يتناول مستجدات التضخم في منطقة اليورو، وتقييم أداء الاقتصاد الأوروبي، إضافة إلى تقديم إشارات واضحة حول مستقبل أسعار الفائدة الأوروبية ومدى استعداد البنك المركزي الأوروبي لمواصلة سياسة التيسير النقدي أو التريث في اتخاذ قرارات جديدة.

الدولار الأمريكي مرشح لمواصلة قوته حتى 2026 بدعم الذكاء الاصطناعي

في سياق أوسع، أشارت مؤسسة باركليز في مذكرة بحثية حديثة إلى أن الدولار الأمريكي والأصول عالية المخاطر يتجهان نحو تأسيس قاعدة أكثر صلابة مع اقتراب عام 2026، مدفوعين بمزيج من تحسن شهية المخاطرة عالمياً، واستمرار الزخم الاستثماري القوي داخل الاقتصاد الأمريكي.

 

وتوقع البنك أن يواصل الدولار أداءه الإيجابي خلال السنوات المقبلة، مستفيداً من عوامل هيكلية تتجاوز تأثير دورة الفائدة التقليدية، وفي مقدمتها الطفرة الضخمة في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، والتي تشكل محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي الأمريكي.

 

ورغم التقلبات التي شهدتها الأسواق خلال الأشهر الماضية نتيجة إعادة تقييم أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة، وتذبذب توقعات الأرباح، واختلاف تقديرات عوائد الاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، يرى باركليز أن الدولار الأمريكي حافظ على قوته، ما يعكس ثقة المستثمرين في متانة الاقتصاد الأمريكي وقدرته على استيعاب موجة توسع استثماري واسعة النطاق.

 

وبحسب المذكرة، فإن خطط الإنفاق الهائلة على مشاريع الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة ستترك تأثيراً اقتصادياً وجيوسياسياً واضحاً، معززة مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية رئيسية، وداعمة لدوره القيادي في النظام المالي الدولي.

 

ويرى البنك أن هذه الدورة الاستثمارية الجديدة ستساهم في رفع الإنتاجية، وتعزيز النمو المحتمل، وزيادة الطلب العالمي على التكنولوجيا والبنية التحتية الأمريكية، وهو ما يهيئ بيئة داعمة لاستمرار تفوق الدولار الأمريكي على المدى المتوسط والطويل.

 

كما أشار باركليز إلى تراجع المخاوف المرتبطة باستقلالية الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب انحسار المخاطر المتعلقة بالرسوم الجمركية والتوترات التجارية، ما يمنح الأسواق قدراً أكبر من الوضوح والثقة تجاه المسار الاقتصادي الأمريكي.

 

وفي الوقت نفسه، يرى البنك أن استمرار السياسات المالية التوسعية في الولايات المتحدة يعزز من جاذبية الدولار، مع تأثير مباشر على شهية المخاطرة العالمية وتدفقات رؤوس الأموال.

انعكاسات قوة الدولار على أسواق العملات والاستثمار العالمي

بحسب تحليل باركليز، فإن استمرار قوة الدولار الأمريكي حتى عام 2026 قد يفرض ضغوطاً على صفقات الكاري تريد في أسواق الفوركس، ويثقل كاهل عملات الأسواق الناشئة، لكنه في المقابل سيدعم الأصول المرتبطة بالدورة الاستثمارية الأمريكية، خاصة الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي والمدرجة في البورصات الأمريكية.

 

كما ستستفيد هذه الشركات من التدفقات المؤسساتية العالمية الباحثة عن عوائد مستقرة وفرص نمو طويلة الأمد في بيئة مالية تتسم بارتفاع مستويات المنافسة وتقلبات الأسواق العالمية.

تم التحديث في: الاثنين, 24 تشرين الثاني 2025 10:17
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول