اليورو يقفز لأعلى مستوى في 4 سنوات بدعم من ضعف الدولار ومخاوف بشأن استقلالية الفيدرالي
واصل اليورو الأوروبي ارتفاعه أمام الدولار الأمريكي ليسجل أعلى مستوى له منذ عام 2021، مدفوعًا بالطلب القوي على العملة الموحدة كبديل استثماري آمن في ظل التراجع الحاد في أداء الدولار الأمريكي.
وجاء هذا الأداء وسط تصاعد المخاوف حول استقلالية السياسة النقدية الأمريكية بعد تجدد الهجوم السياسي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وسط مؤشرات على إمكانية استبداله في الأشهر المقبلة، ما ألقى بظلاله على توقعات الأسواق.
أداء اليورو أمام الدولار اليوم
ارتفع اليورو في تداولات السوق الأوروبية يوم الخميس مقابل سلة من العملات الرئيسية، وواصل مكاسبه القوية لليوم السادس على التوالي مقابل الدولار الأمريكي، مسجلاً بذلك أعلى مستوى له في أربع سنوات.
وقد اخترق اليورو حاجز 1.17 دولارًا لأول مرة منذ عام 2021، مستفيدًا من الطلب المتزايد على العملة الموحدة كأفضل بديل استثماري في ظل الضعف المتنامي في العملة الأمريكية.
هذا الأداء يأتي بعد سلسلة متتالية من المكاسب اليومية، حيث اختتم اليورو تداولات الأربعاء على ارتفاع بنسبة 0.45% مقابل الدولار، في خامس مكسب يومي على التوالي، ضمن أطول سلسلة مكاسب يومية للعملة الأوروبية خلال عام 2025
وذلك في بيئة اقتصادية تتسم بتحسن شهية المخاطرة في الأسواق العالمية، خاصة مع استمرار صمود اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، مما ساهم في تقليل التوترات الجيوسياسية ودعم الأصول ذات العوائد المرتفعة.
ضعف الدولار الأمريكي: أدنى مستوى في ثلاث سنوات
في المقابل، سجل الدولار الأمريكي تراجعًا قويًا، حيث هبط مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأمريكية أمام سلة من ست عملات رئيسية إلى أدنى مستوياته في ثلاث سنوات عند مستوى 96.95 نقطة، وذلك في تمام الساعة 10:00 صباحًا بتوقيت تركيا.
ويعكس هذا التراجع تسارع عمليات بيع الدولار، مدفوعة بتزايد المخاوف حيال الاستقرار المالي والنقدي في الولايات المتحدة، في ظل الهجمات السياسية المتواصلة التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على المؤسسة النقدية الفيدرالية ورئيسها.
هجوم ترامب المتكرر على باول يربك الأسواق
شهدت الأسواق المالية توترًا متزايدًا بعد الهجوم العلني الجديد من ترامب على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. ففي تصريحات أدلى بها يوم الأربعاء، وصف ترامب باول بأنه "بغيض" و"سيئ"، متهمًا إياه بعدم الاستجابة لمطالب خفض أسعار الفائدة بشكل حاد، ما يضر بالاقتصاد الأمريكي، وفقًا لرؤية ترامب.
كما أشار ترامب بوضوح إلى أن باول "سيغادر منصبه قريبًا"، وهو ما أثار تساؤلات حادة في أوساط الأسواق العالمية حول مدى استقلالية الاحتياطي الفيدرالي في ظل هذا التدخل السياسي الصريح.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها أن ترامب يدرس بالفعل تعيين بديل لباول في سبتمبر أو أكتوبر القادمين، وهي خطوة قد تؤدي إلى تقويض مصداقية البنك المركزي الأمريكي وتزيد من تقلبات الأسواق.
مخاوف الأسواق: تدخل سياسي أم إعادة تشكيل للسياسة النقدية؟
قال كيران وليامز، رئيس قسم الصرف الأجنبي في آسيا لدى "إن تاتش كابيتال ماركتس"، في تصريحات نقلتها وكالة رويترز، إن الأسواق "من المرجح أن تشعر بالانزعاج من أي تحرك مبكر لتسمية خليفة لباول، خاصة إذا بدا أن القرار مدفوع بأسباب سياسية".
وأضاف أن مثل هذه الخطوة "ستثير شكوكًا حول استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وربما تؤدي إلى تقويض مصداقيته"، ما قد يدفع المتداولين إلى إعادة تقييم تطلعاتهم بشأن السياسة النقدية الأمريكية، ويؤثر على وضع الدولار في الأسواق العالمية.
وفي نفس السياق، أبلغ جيروم باول لجنة في مجلس الشيوخ الأمريكي أن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يتحلى بالحذر في السياسة النقدية، محذرًا من أن خطط ترامب المتعلقة بفرض تعريفات جمركية جديدة قد تؤدي إلى زيادة التضخم، مما يستدعي المزيد من التحفظ في قرار خفض الفائدة.
على خلفية هذه التطورات، رفعت الأسواق احتمالات خفض أسعار الفائدة في اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في يوليو/تموز المقبل إلى 25%، مقارنة بـ 12% فقط قبل أسبوع. كما تتوقع الأسواق خفضًا إجماليًا للفائدة بمقدار 64 نقطة أساس بحلول نهاية العام، ارتفاعًا من نحو 46 نقطة أساس فقط قبل أيام قليلة.
تصريحات لاجارد وتوجهات البنك المركزي الأوروبي
على الجانب الأوروبي، قال البنك المركزي الأوروبي، عبر تصريحات لرئيسته كريستين لاجارد، إن المؤسسة تقترب من إنهاء دورة التيسير النقدي، مؤكدة أن المستوى الحالي لأسعار الفائدة "ملائم"، بعد الخفض الأخير. وأضافت لاجارد أن الأسواق يجب أن تتوقع استقرارًا في أسعار الفائدة خلال المرحلة القادمة ما لم تظهر عوامل اقتصادية تدعو إلى تدخل جديد.
كما أشارت تقارير "رويترز" إلى أن أغلبية واضحة من أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي أعربوا في اجتماعهم الأخير عن تفضيلهم عدم إجراء أي خفض جديد للفائدة في اجتماع يوليو القادم، فيما دعا البعض إلى تمديد فترة التوقف قبل استئناف دورة التيسير النقدي مرة أخرى.
في هذا السياق، خفّضت أسواق المال توقعاتها لخفض البنك المركزي الأوروبي للفائدة، حيث تتوقع الآن تخفيضًا قدره 25 نقطة أساس فقط بنهاية العام الجاري، مقارنة بـ 30 نقطة أساس كانت متوقعة قبل الاجتماع الأخير.
سعر صرف اليورو اليوم
في تعاملات الخميس، ارتفع اليورو مقابل الدولار بنسبة 0.5%، ليصل إلى مستوى 1.1717 دولارًا، وهو الأعلى منذ عام 2021، بعد أن افتتح التداول عند 1.1659 دولارًا، وسجل أدنى مستوى له عند 1.1653 دولارًا خلال الجلسة.
ويُعد هذا الصعود امتدادًا لأداء إيجابي مستمر لليورو، مدعومًا بضعف الدولار من جهة، واستقرار التوقعات النقدية الأوروبية من جهة أخرى، مما يجعل من العملة الموحدة خيارًا جاذبًا للمستثمرين الباحثين عن استقرار نقدي نسبي في ظل اضطراب السياسات النقدية الأمريكية.
خلاصة
يعكس ارتفاع اليورو إلى أعلى مستوياته منذ أربع سنوات تطورات جوهرية في المشهد النقدي العالمي، حيث تتزايد المخاوف بشأن مستقبل السياسة النقدية الأمريكية مع تصاعد التوترات بين البيت الأبيض ومجلس الاحتياطي الفيدرالي.
في الوقت ذاته، يستفيد اليورو من ثقة الأسواق في السياسة النقدية الأوروبية الأكثر تماسكًا، مما يدفع المستثمرين لإعادة توجيه استثماراتهم نحو العملة الأوروبية كملاذ بديل، في انتظار ما ستسفر عنه الأشهر القادمة من تحولات عميقة في موازين القوة النقدية العالمية.