الذهب يحوم قرب مستويات قياسية وسط الإغلاق الحكومي الأمريكي وتوقعات بخفض أسعار الفائدة
تواصل أسعار الذهب التحليق قرب مستويات تاريخية قياسية مع تزايد الطلب على الملاذات الآمنة في ظل الإغلاق الحكومي الأمريكي المستمر، إلى جانب توقعات الأسواق بمزيد من تخفيضات أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
هذا المزيج من العوامل السياسية والاقتصادية يضع المعدن الأصفر في قلب المشهد المالي العالمي، بينما يترقب المستثمرون بيانات الوظائف الأمريكية المؤجلة وتطورات التضخم.
أداء أسعار الذهب اليوم
استقرت أسعار الذهب يوم الخميس بالقرب من مستوياتها القياسية التي بلغتها في الجلسة السابقة، مدعومة بتوقعات قوية بمزيد من التخفيض في أسعار الفائدة الأمريكية خلال هذا العام، إضافةً إلى حالة عدم اليقين السياسي المتصاعدة نتيجة الإغلاق الحكومي.
وخلال تعاملات الأربعاء، حققت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر إغلاقاً قياسياً جديداً، بعدما ارتفعت بنسبة 0.62% بما يعادل 24.3 دولار لتصل إلى 3897.50 دولار للأوقية، وهو الإغلاق القياسي رقم 40 منذ بداية عام 2025.
أما الذهب الفوري فقد سجل اليوم الخميس عند الساعة 09:50 بتوقيت تركيا مستوى 3,862.07 دولار للأوقية، بعد أن لامس ذروة تاريخية جديدة عند 3,895.09 دولار في اليوم السابق، مما يؤكد استمرار الزخم الصعودي القوي.
الإغلاق الحكومي الأمريكي وتأثيره على الأسواق
يدخل الاقتصاد الأمريكي مرحلة حساسة مع استمرار الإغلاق الحكومي الفيدرالي، نتيجة فشل الكونغرس في تمرير مشروع قانون الإنفاق اللازم ووفق التقديرات الحالية، من المرجح أن يستمر هذا الإغلاق لثلاثة أيام على الأقل، وهو ما أدى بالفعل إلى تعطيل العديد من العمليات الفيدرالية والخدمات الحيوية في أنحاء البلاد.
كما أن الخلافات السياسية العميقة بين البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس، إلى جانب تهديدات الرئيس دونالد ترامب بفصل المزيد من الموظفين الفيدراليين، تزيد من حالة عدم اليقين وتضعف ثقة المستثمرين في الاستقرار الاقتصادي.
هذا الوضع أدى كذلك إلى تأجيل نشر بيانات اقتصادية بالغة الأهمية، وعلى رأسها تقرير الوظائف غير الزراعية الذي كان مقرراً صدوره يوم الجمعة، حيث من المتوقع أن يتم تأجيله إلى الأسبوع المقبل على الأقل.
بيانات سوق العمل تزيد الضبابية
أظهرت بيانات التوظيف الخاصة التي نشرتها شركة ADP الأربعاء مزيداً من التباطؤ في سوق العمل الأمريكي، وهو ما عزز توقعات الأسواق بشأن استمرار سياسة خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
-
سجلت الشركات الأمريكية في سبتمبر خسارة 32,000 وظيفة بعد التعديل الموسمي، وهو أكبر انخفاض منذ مارس 2023.
-
كان الخبراء قد توقعوا إضافة 52,000 وظيفة، مما يبرز الفجوة بين التوقعات والنتائج الفعلية.
-
تمت مراجعة بيانات أغسطس لتظهر خسارة 3,000 وظيفة بدلاً من زيادة أولية بـ 54,000 وظيفة، ما يعكس هشاشة واضحة في سوق العمل خلال الأشهر الأخيرة.
ويُذكر أن شركة ADP (Automatic Data Processing) تُعد من أكبر مزوّدي خدمات الموارد البشرية وإدارة رأس المال البشري عالمياً، وتوفر بيانات تُعتبر مؤشراً رئيسياً على أوضاع سوق العمل قبل صدور تقرير الوظائف الرسمية.
هذا التراجع في التوظيف، بالتزامن مع الإغلاق الحكومي، يزيد الضغوط على الاقتصاد الأمريكي ويعزز من جاذبية الذهب كملاذ آمن.
تصريحات الفيدرالي وترقب السياسات النقدية
قال أوستان غولسبي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، إنه يشعر بقلق متزايد بشأن مسار التضخم، الأمر الذي يجعله أكثر حذراً بشأن وتيرة خفض أسعار الفائدة.
ورغم هذه التصريحات، إلا أن الأسواق ما زالت تراهن بنسبة شبه مؤكدة على قيام الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة الأساسية بمقدار 25 نقطة أساس خلال الشهر الجاري، وذلك بحسب أداة متابعة الفائدة الأمريكية على موقع "إنفستنغ السعودية".
ويُعتبر الذهب المستفيد الأكبر من هذه التوقعات، إذ إن انخفاض أسعار الفائدة يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الأصفر الذي لا يدر عائداً، مما يعزز الطلب عليه في بيئة اقتصادية مضطربة.
صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب
أظهرت بيانات صندوق SPDR Gold Trust – أكبر صندوق متداول مدعوم بالذهب في العالم – ارتفاع حيازاته يوم الأربعاء بنسبة 0.59% لتصل إلى 1,018.89 طن متري، وهو أعلى مستوى منذ يوليو 2022.
هذا الارتفاع يعكس ثقة المستثمرين المؤسسيين بالذهب كأداة تحوط رئيسية ضد المخاطر السياسية والاقتصادية، ويؤكد أن التدفقات الاستثمارية الكبيرة لا تزال تدعم الاتجاه الصعودي للأسعار.
المعادن النفيسة الأخرى
لم يقتصر التحرك على الذهب وحده، بل شمل باقي المعادن النفيسة:
-
تراجعت الفضة الفورية بنسبة 0.3% لتسجل 47.17 دولار للأوقية.
-
استقر البلاتين عند 1,558 دولاراً دون تغيير يُذكر.
-
بينما ارتفع البلاديوم بنسبة 1.5% ليصل إلى 1,263.50 دولار للأوقية.
هذه التحركات المتباينة تعكس أن الذهب يظل صاحب الريادة في ظل الظروف الحالية، فيما تبقى باقي المعادن تحت ضغط اختلالات العرض والطلب.
التضخم والمخاوف الاقتصادية
أظهرت البيانات الأخيرة أن الاقتصاد الأمريكي يتباطأ بشكل مطرد، مع ضعف ملحوظ في سوق العمل، ما دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة بالفعل بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر.
لكن في المقابل، يحذر بعض مسؤولي الفيدرالي من أن استمرار التضخم فوق الهدف البالغ 2% قد يحد من قدرة البنك المركزي على مواصلة التيسير النقدي.
وفقاً لبيانات مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي – وهو المقياس المفضل للفيدرالي لمتابعة التضخم – فقد سجل المؤشر الأساسي ارتفاعاً في أغسطس بما يتماشى مع التوقعات، لكنه ظل عند مستويات مرتفعة نسبياً تعكس صعوبة الوصول إلى الاستقرار السعري.
خلاصة تحليلية وتوقعات مستقبلية
يجد الذهب نفسه حالياً عند نقطة ارتكاز محورية بين مخاوف التضخم والإغلاق الحكومي وضعف التوظيف وتيسير السياسة النقدية كل هذه العوامل مجتمعة تجعل المعدن الأصفر في موقع قوة، مع احتمالية أن يواصل تسجيل مستويات تاريخية جديدة إذا طال أمد الإغلاق أو جاءت بيانات الوظائف أضعف من المتوقع.
في المقابل، يبقى الدولار الأمريكي تحت ضغط، فيما تتوجه أنظار المستثمرين نحو قرارات الفيدرالي القادمة، التي ستحدد المسار المستقبلي للأسواق.
وبينما يتواصل الطلب على الذهب كملاذ آمن عالمي، تبقى التوقعات بأن عام 2025 قد يشهد إحدى أقوى موجات الصعود للمعدن الأصفر في تاريخه الحديث، خاصة مع استمرار التوترات السياسية والمالية في الولايات المتحدة والعالم.