الين الياباني يرتفع بعد قرار بنك اليابان تثبيت الفائدة والكشف عن خطط لبيع الأصول
أبقى بنك اليابان أسعار الفائدة المرجعية دون تغيير عند مستوى 0.50% في اجتماعه الأخير يوم الجمعة، بما يتماشى مع التوقعات، وذلك في ظل حالة متزايدة من عدم اليقين السياسي عقب الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا، إلى جانب التأثيرات السلبية للتعريفات التجارية الأمريكية على الاقتصاد الياباني.
وفي خطوة تاريخية جديدة، أعلن البنك عن بدء تنفيذ خطط بيع تدريجي لحيازاته الضخمة من الأصول، بما في ذلك صناديق المؤشرات المتداولة وصناديق الاستثمار العقاري، بعد أن كان قد أوقف عمليات الشراء العام الماضي.
هذا القرار دفع الين الياباني إلى الارتفاع أمام الدولار الأمريكي ، وسط تزايد رهانات الأسواق على نهج أكثر تشدداً في السياسة النقدية.
أسعار الفائدة في اليابان
قرر بنك اليابان، وفقاً للتوقعات، الإبقاء على سعر الفائدة المرجعي عند مستوى 0.5%، وهو المستوى الذي كان قد رفعه آخر مرة في يناير من العام الحالي.
وجاء القرار بتأييد سبعة من أعضاء مجلس تحديد أسعار الفائدة مقابل اعتراض عضوين هما تاكاتا هاجيمي وتامورا ناوكي، اللذان دعيا إلى رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، في إشارة إلى استمرار الانقسام الداخلي حول سرعة وتيرة تشديد السياسة النقدية.
هذا التثبيت يعكس، بحسب البيان الصادر عن البنك، استمرار حالة الحذر إزاء التحديات الاقتصادية الراهنة، لا سيما تأثير التعريفات التجارية الأمريكية على الصادرات اليابانية، إضافة إلى مؤشرات تباطؤ الاستثمار المحلي.
وحذر البنك من أن النمو الاقتصادي المحلي "من المرجح أن يعتدل" على المدى القريب، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الظروف المالية التيسيرية ستظل داعماً رئيسياً للاقتصاد.
خطط بيع الأصول: تحول تاريخي في سياسة بنك اليابان
إلى جانب قرار الفائدة، كان الإعلان الأبرز من بنك اليابان هو بدء بيع جزء من حيازاته الضخمة من صناديق المؤشرات المتداولة وصناديق الاستثمار العقاري.
-
أوضح البنك أنه سيبدأ ببيع صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) بوتيرة تبلغ نحو 330 مليار ين سنوياً (ما يعادل 2.24 مليار دولار).
-
في المقابل، ستتم عملية بيع صناديق الاستثمار العقاري (J-REITs) بوتيرة أبطأ تبلغ نحو 5 مليارات ين سنوياً.
وأكد البنك أن عمليات البيع ستتم بشكل متناسب مع حجم كل أصل في محفظته الاستثمارية، وأن توقيت المبيعات سيوزع بعناية، مع إمكانية تعديل الوتيرة مستقبلاً وفقاً لتطورات الأسواق.
تأتي هذه الخطوة بعد أن كان بنك اليابان قد أعلن في عام 2024 عن وقف شراء هذه الأصول، منهياً بذلك سياسة التيسير النقدي الاستثنائية التي استمرت ما يقرب من عقد كامل.
ووفقاً لتقديرات مورغان ستانلي، فإن إجمالي حيازات بنك اليابان من صناديق المؤشرات المتداولة بلغ نحو 79.5 تريليون ين (533.67 مليار دولار)، مع أرباح غير محققة تقارب 43.8 تريليون ين.
هذه الخطوة تُعتبر بمثابة تشديد نقدي غير مباشر، إذ أنها تعكس توجه البنك نحو تقليص ميزانيته العمومية، وهو ما أثار تفاعلات قوية في الأسواق المالية.
التضخم في اليابان: تراجع مؤقت لكن فوق المستهدف
صدر قرار بنك اليابان بعد ساعات فقط من نشر بيانات التضخم لشهر أغسطس، والتي أظهرت تراجعاً في وتيرة ارتفاع الأسعار، لكنه بقي أعلى من النطاق المستهدف للبنك (2%).
-
تراجع مؤشر أسعار المستهلك الرئيسي إلى 2.7% على أساس سنوي، مقارنة بـ 3.1% في يوليو.
-
انخفض التضخم الأساسي الوطني، الذي يستثني أسعار الغذاء الطازج، إلى 2.7% أيضاً من 3.1% في الشهر السابق.
-
أما القراءة الأعمق للتضخم الأساسي، التي تستثني الغذاء الطازج والطاقة، فقد تراجعت قليلاً إلى 3.3% من 3.4%، لكنها بقيت ثابتة نسبياً وأعلى بكثير من هدف بنك اليابان السنوي البالغ 2%.
ويولي البنك اهتماماً خاصاً بهذه القراءة الأخيرة باعتبارها مؤشراً أدق للضغوط التضخمية طويلة الأجل.
أداء الين الياباني اليوم
ارتفع الين الياباني بشكل ملحوظ عقب صدور قرار البنك. فقد تراجع زوج الدولار/ين (USD/JPY) بنسبة 0.07% إلى 147.81، حيث اعتبرت الأسواق أن بدء بيع صناديق المؤشرات يمثل توجهاً متشدداً من جانب البنك المركزي.
هذا الارتفاع يعكس توقعات المستثمرين بأن بنك اليابان قد يكون بصدد اتخاذ خطوات إضافية نحو تشديد السياسة النقدية في المستقبل، خصوصاً مع استمرار التضخم فوق مستواه المستهدف رغم التراجع الطفيف الأخير.
السياق السياسي وتأثيره على السياسة النقدية
يأتي قرار بنك اليابان في وقت حساس سياسياً، بعد الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا في سبتمبر، ما أدى إلى زيادة الضبابية بشأن مستقبل السياسات الاقتصادية.
هذا الفراغ السياسي، إلى جانب الضغوط الخارجية المتمثلة في التعريفات التجارية الأمريكية، يعقد مهمة البنك المركزي في رسم سياسة نقدية مستقرة.
ويرى محللون أن هذه التطورات السياسية قد تدفع بنك اليابان إلى الحذر في قراراته المتعلقة برفع أسعار الفائدة، لتجنب أي صدمات إضافية للاقتصاد المحلي.
تصريحات المحافظ كازو أويدا والآفاق المستقبلية
كان محافظ بنك اليابان كازو أويدا قد حذر مراراً من أن البنك سيرفع أسعار الفائدة إذا استمر التضخم عند مستويات مرتفعة تفوق الهدف. ومن المقرر أن يعقد أويدا مؤتمراً صحفياً عقب الاجتماع، حيث يترقب المستثمرون تصريحاته للحصول على إشارات إضافية حول توجهات السياسة النقدية القادمة.
التوقعات الحالية تشير إلى أن البنك سيواصل نهج الحذر، مع احتمال رفع تدريجي لأسعار الفائدة في حال استمرار الضغوط التضخمية، إلى جانب المضي قدماً في تقليص الأصول لتطبيع السياسة النقدية بعد سنوات من التيسير الاستثنائي.
خلاصة
قرار بنك اليابان بتثبيت أسعار الفائدة عند 0.5% لم يكن مفاجئاً، لكنه ترافق مع إجراءات لبيع الأصول شكلت منعطفاً تاريخياً في سياسته النقدية. ورغم التراجع الطفيف في معدلات التضخم، إلا أن المستويات الحالية تبقى أعلى بكثير من هدف البنك، ما يفتح الباب أمام مزيد من التشديد النقدي في المستقبل.
الين الياباني استفاد من هذه التطورات وسجل ارتفاعاً أمام الدولار، في حين تبقى الأسواق في حالة ترقب لتوجهات السياسة القادمة، خصوصاً في ظل عدم اليقين السياسي والضغوط الاقتصادية الخارجية.