تراجع أسعار النفط وسط زيادة إنتاج أوبك+ ومخاوف تجارية أميركية
انخفضت أسعار النفط في تداولات يوم الاثنين بعد قرار تحالف أوبك+ رفع الإنتاج بأكثر من المتوقع بدءًا من أغسطس المقبل، ما أثار مخاوف من تخمة المعروض، في وقت تزيد فيه التوترات التجارية والرسوم الجمركية الأميركية من الغموض حول آفاق الطلب العالمي.
وتأتي هذه التحركات وسط تقلبات في السوق بفعل التطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وسباق الحصص السوقية بين كبار المنتجين.
أداء أسعار النفط اليوم
شهدت أسعار النفط تراجعًا واضحًا خلال تعاملات الاثنين، حيث انخفض خام برنت بما يصل إلى 1.6%، ليقترب من مستوى 67 دولارًا للبرميل، وذلك بعد تراجع بنسبة 0.7% في جلسة يوم الجمعة السابقة. كما هبطت العقود الآجلة لخام نايمكس الأميركي (تسليم أغسطس) بنسبة 1.2% أو ما يعادل 79 سنتًا، لتسجل 66.21 دولارًا للبرميل.
قرار أوبك+: زيادة أكبر من المتوقع في الإنتاج
جاء هذا التراجع السعري في أعقاب إعلان تحالف أوبك+ يوم السبت عن قراره رفع الإمدادات بمقدار 548 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من أغسطس، وهي زيادة تتجاوز توقعات السوق. ويضع هذا القرار التحالف على مسار لإلغاء أحدث خفض في الإنتاج قبل عام كامل من الموعد الذي كان مخططًا له سابقًا.
وصرّح مسؤولو أوبك+ بأن هذه الخطوة تأتي مدفوعة بالتوقعات بارتفاع الطلب خلال الصيف، حيث يعوّل التحالف على قدرة السوق على امتصاص البراميل الإضافية. وأشاروا إلى أن هذه الزيادة تمثل استجابة لآفاق اقتصادية عالمية توصف بالمستقرة، وإلى أسس سوقية وصفوها بأنها "سليمة" حاليًا.
يرى مراقبون أن هذه الخطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا في سياسة أوبك+، بعد سنوات من التقييد الصارم للإنتاج الذي كان يهدف لدعم الأسعار. الآن، تسعى الدول الأعضاء، خاصة السعودية، إلى استعادة حصتها السوقية وسط منافسة محتدمة مع منتجين آخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة.
تاريخيًا، كان أوبك+ قد أعلن زيادات أقل في الأشهر الثلاثة السابقة، بلغت 411 ألف برميل يوميًا لكل من مايو ويونيو ويوليو. لذلك كانت توقعات السوق تشير إلى زيادة مماثلة في أغسطس، إلا أن القرار الأخير جاء بأكثر من ذلك بكثير، مما أثار دهشة بعض المتعاملين.
السعودية ترفع أسعار الخام إلى آسيا
في مؤشر على الثقة بقدرة السوق على استيعاب الإمدادات الإضافية، تبعت السعودية قرار أوبك+ بإعلان زيادة أسعار خامها الرئيسي المتجه إلى آسيا في الشهر المقبل. هذا القرار يعكس ثقة الرياض في استقرار السوق، رغم المخاوف العالمية المتعلقة بضعف الطلب.
لم يكتف التحالف بزيادة أغسطس. فقد ذكر مندوبون في أوبك+ أن التحالف قد يبحث إضافة نحو 548 ألف برميل أخرى يوميًا في سبتمبر، خلال الاجتماع المقبل المقرر عقده في 3 أغسطس. وتهدف هذه الخطوة إلى استكمال استعادة 2.2 مليون برميل يوميًا من الإمدادات التي تم خفضها طوعًا في عام 2023.
قد يهمك : دليل شامل عن النفط السلعة الأكثر تداولاً في العالم وكيفية الاستثمار بها
آراء المحللين حول أسعار النفط
كتب «تيم إيفانز» من شركة «إيفانز إنرجي» في مذكرة بحثية أن زيادة الإنتاج تمثل "تحركًا أكثر شراسة في المنافسة على الحصص السوقية"، وتتضمن قبولًا ضمنيًا باحتمال انخفاض الأسعار والعائدات، وهو ما يشير إلى تحول في أولويات المنتجين من الحفاظ على الأسعار إلى حماية الحصة السوقية.
مقارنة بالزيادات السابقة
للتذكير، كانت المجموعة قد وافقت سابقًا على زيادات أكثر تحفظًا:
-
411 ألف برميل يوميًا في مايو.
-
411 ألف برميل يوميًا في يونيو.
-
زيادة مماثلة كانت مقررة في يوليو.
-
138 ألف برميل يوميًا في أبريل.
أما الزيادة الجديدة فهي قفزة كبيرة مقارنة بهذه الأرقام، ما يبرز رغبة التحالف في التحرر من القيود السابقة وإغراق السوق جزئيًا لزيادة الإيرادات عبر الحجم، ولو كان ذلك على حساب الأسعار.
تحليل آر بي سي كابيتال: عودة معظم التخفيضات السابقة
قالت «هيليما كروفت» وفريقها في «آر بي سي كابيتال» إن القرار الأخير يعيد إلى السوق نحو 80% من التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا التي كانت قد التزمت بها ثماني دول أعضاء في أوبك. لكنها أوضحت أيضًا أن الزيادة الفعلية في الإمدادات حتى الآن لا تزال أقل من المستوى المخطط له، مع تركّز معظم هذه الزيادة في السعودية.
توقعات غولدمان ساكس
من جهته، توقع بنك «غولدمان ساكس» أن يعلن تحالف أوبك+ عن زيادة إضافية قدرها 550 ألف برميل يوميًا لشهر سبتمبر، وذلك خلال اجتماع 3 أغسطس، ما يعزز المخاوف من حدوث فائض في المعروض إذا تباطأ الطلب بفعل العوامل الاقتصادية أو الجيوسياسية.
العامل النقدي: ضعف الدولار يدعم الأسعار
رغم هذه الضغوط، أشارت «بريانكا ساشديفا»، كبيرة محللي السوق في «فيليب نوفا»، إلى أن ضعف الدولار الأميركي يمثل حاليًا مصدر الدعم الوحيد لأسعار النفط. لكنها حذرت من أن المخاوف بشأن سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التجارية والرسوم الجمركية ستظل العنوان الأبرز الذي يهيمن على النصف الثاني من عام 2025، مع خطر كبح الطلب العالمي على الطاقة.
المخاوف من الرسوم الجمركية الأميركية
إلى جانب زيادة الإنتاج، تواجه سوق النفط ضغوطًا إضافية بسبب استمرار حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية الأميركية. وقد صرّح وزير التجارة الأميركي «هوارد لوتنيك» بأن الرسوم المصممة على أساس كل دولة ستدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس، مانحًا الشركاء التجاريين وقتًا إضافيًا مقارنة بالمهلة السابقة المحددة في 9 يوليو.
لكن الغموض ما يزال قائمًا، خاصة بعد أن ألمح مسؤولون في واشنطن إلى احتمال تأجيل فرض هذه الرسوم دون تقديم أي تفاصيل واضحة، ما يزيد من ارتباك الأسواق بشأن آفاق الطلب العالمي على النفط.
تأتي هذه التطورات وسط تقلبات متواصلة في أسواق النفط خلال الأسابيع الأخيرة، بفعل النزاع بين إسرائيل وإيران، الذي هدأت حدته نسبيًا مع سريان هدنة هشة حاليًا. ومع تحوّل التركيز إلى سياسة إمدادات أوبك+ والتجارة الأميركية، تزداد حالة عدم اليقين التي تحيط بالتوقعات المستقبلية لسوق النفط.
في الختام، تعكس هذه التطورات تعقيد المشهد النفطي العالمي، حيث تتقاطع اعتبارات العرض والطلب والسياسة التجارية والجيوسياسية، في وقت يحاول فيه كبار المنتجين موازنة الحاجة إلى حماية حصتهم السوقية مع تجنب انهيار الأسعار.