أسعار النفط تتراجع مع تقدم مباحثات السلام في غزة وزيادة المخزونات الأمريكية
شهدت أسعار النفط انخفاضًا ملحوظًا خلال التداولات الآسيوية يوم الخميس، متأثرة بمجموعة من العوامل المتشابكة التي تمزج بين السياسة والاقتصاد فقد أدى إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توصّل إسرائيل وحركة حماس إلى اتفاق مبدئي بشأن المرحلة الأولى من صفقة وقف إطلاق النار في غزة، إلى تهدئة المخاوف الجيوسياسية التي لطالما كانت داعمًا لأسعار الخام في الأسابيع الماضية.
وفي المقابل، زادت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) التي أظهرت ارتفاعًا جديدًا في مخزونات النفط الخام للأسبوع الثاني على التوالي من الضغوط على الأسعار، في إشارة إلى وفرة المعروض في أكبر مستهلك للنفط في العالم.
أداء أسعار النفط اليوم
انخفض خام برنت إلى ما دون 66 دولارًا للبرميل بعد أن سجل ارتفاعًا بأكثر من 1% في جلسة الأربعاء السابقة، فيما استقر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي قرب 62 دولارًا للبرميل، وسط تراجع المعنويات في السوق وتحول المستثمرين نحو تقييم المعطيات الجديدة حول الإمدادات والطلب العالمي.
انخفضت عقود خام برنت المستحقة في ديسمبر بنسبة 0.6% إلى 65.86 دولار للبرميل، بينما تراجعت عقود خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 0.7% إلى 62.10 دولار للبرميل.
المرحلة الأولى من خطة سلام في غزة
في تصريحٍ أثار ردود فعلٍ دولية واسعة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إسرائيل وحركة حماس قد وافقتا على المرحلة الأولى من خطة سلام شاملة في غزة، تشمل وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين، وانسحاباً تدريجياً للقوات الإسرائيلية.
وقال ترامب في مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض إن “الاتفاق يشكّل خطوة تاريخية نحو إنهاء حرب دامت عامين، ويفتح الباب أمام عملية سلام دائمة في المنطقة”.
من جانبه، أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيعقد اجتماعًا لمجلس الوزراء يوم الخميس للموافقة الرسمية على اتفاق وقف إطلاق النار، موضحًا أن الهدف الأساسي يتمثل في إعادة جميع الرهائن وضمان الأمن الدائم لإسرائيل.
وكان ترامب قد كشف في الشهر الماضي عن خطة من 20 بندًا تتضمن بنودًا أمنية وسياسية وإنسانية لوقف الحرب، ما جعل هذه التطورات الأخيرة تُعتبر الاختراق الأهم منذ اندلاع الصراع قبل عامين.
هذا التقدّم في مباحثات غزة انعكس مباشرة على أسواق الطاقة، حيث تراجعت علاوة المخاطر الجيوسياسية التي كانت تضيف ما بين 3 إلى 5 دولارات على سعر البرميل منذ بداية النزاع.
ارتفاع مخزونات النفط للأسبوع الثاني على التوالي
بالتوازي مع التطورات السياسية، جاءت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) لتزيد الضغوط على الأسعار.
فقد أظهرت التقارير الصادرة يوم الأربعاء أن مخزونات النفط الخام ارتفعت بمقدار 3.7 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 3 أكتوبر، متجاوزة توقعات المحللين الذين رجحوا زيادة أقل تبلغ نحو 2.25 مليون برميل.
هذه الزيادة هي الثانية على التوالي، ما يشير إلى استمرار تراكم المعروض في السوق الأمريكية، خاصة مع ارتفاع الإنتاج إلى مستويات قياسية.
قد يهمك : دليل شامل عن النفط السلعة الأكثر تداولاً في العالم وكيفية الاستثمار بها
ورغم هذا، فقد انخفضت مخزونات البنزين والمقطرات بأكثر مما كان متوقعًا، مما يدل على استمرار الطلب القوي على المنتجات المكررة.
كما ارتفع مؤشر الطلب الضمني إلى نحو 21.99 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى يُسجل منذ ديسمبر 2022، ما يعكس مرونة نسبية في استهلاك الوقود رغم تباطؤ الاقتصاد الأمريكي.
وفي الوقت ذاته، عدّلت إدارة معلومات الطاقة توقعاتها لإنتاج النفط الأمريكي لعام 2025 لترتفع إلى 13.53 مليون برميل يوميًا، وهو رقم قياسي جديد مقارنة بالتقدير السابق البالغ 13.44 مليون برميل.
غير أن الإدارة حذّرت من أن ارتفاع المخزونات الخام قد يضغط على الأسعار خلال الأشهر المقبلة إذا لم يترافق مع نمو قوي في الطلب.
أوبك+ تحاول دعم السوق
ورغم أن منظمة أوبك+ أبقت على سياسة خفض الإنتاج بشكل طفيف في اجتماعها الأخير، فإن الأسواق لم تتفاعل بقوة مع هذه القرارات، إذ يرى المحللون أن الإمدادات الأمريكية الإضافية تقوّض أي محاولة لرفع الأسعار.
كما أشارت بيانات حديثة من وكالة الطاقة الدولية إلى أن السوق النفطية قد تتحول إلى فائض خلال الربع الأول من عام 2026، نتيجة ارتفاع الإنتاج من الولايات المتحدة وكندا والبرازيل، مقابل تباطؤ في نمو الطلب خصوصًا في الصين وأوروبا.
ورغم التراجع النسبي في المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط، فإن التوترات ما تزال قائمة في مناطق أخرى، لا سيما في أوروبا الشرقية، حيث تستمر الهجمات الأوكرانية على البنية التحتية النفطية الروسية في تهديد الإمدادات الروسية إلى الأسواق العالمية، ما يخلق حالة من عدم التوازن بين العرض والطلب.
أسعار النفط مرشحة لمزيد من الانخفاض في 2026
وفقًا لتقارير حديثة من غولدمان ساكس وعدد من مؤسسات “وول ستريت”، يُتوقع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت نحو 56 دولارًا للبرميل في عام 2026، في ظل توقعات بفائض في المعروض العالمي وتباطؤ في نمو الطلب الصناعي.
أما وكالة الطاقة الدولية (IEA) فتشير إلى أن الطلب على النفط سيواصل النمو بوتيرة أبطأ خلال السنوات المقبلة، مع استمرار التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، وزيادة اعتماد الاقتصادات الكبرى على مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي المسال.
ويرى المحللون أن الأسواق النفطية تمر بمرحلة حساسة تتأثر فيها الأسعار بكل من العوامل السياسية قصيرة الأمد، مثل النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط، والعوامل الاقتصادية طويلة الأمد كالتغير في أنماط الطلب والإنتاج العالمي.
خلاصة وتحليل
يمثل هذا التراجع في أسعار النفط انعكاسًا مباشرًا لمزيج من الانفراجات السياسية والمخاطر الاقتصادية.
فمن جهة، ساهم تقدم مباحثات السلام في غزة في تهدئة الأسواق وخفض علاوة المخاطر، بينما من جهة أخرى، أدت الزيادة المستمرة في المخزونات الأمريكية إلى تعزيز المخاوف من فائض في المعروض.
ومع أن بعض الدعم لا يزال يأتي من قيود الإنتاج التي تفرضها أوبك+، فإن الاتجاه العام يشير إلى ميلٍ نحو التراجع التدريجي في الأسعار خلال الأشهر المقبلة، ما لم تظهر صدمات جديدة في الإمدادات أو يعود التوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط إلى التصاعد.