أسعار النفط تتكبد خسائر أسبوعية بأكثر من 3% بعد اتفاق غزة وتلاشي علاوة المخاطر الجيوسياسية

شهدت أسواق الطاقة العالمية يوماً مليئاً بالتقلبات، حيث تكبدت أسعار النفط خسائر حادة عند التسوية يوم الجمعة 10 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد تلاشي علاوة المخاطر التي ارتبطت طويلاً بتصاعد التوترات في الشرق الأوسط.


فقد انخفضت الأسعار بأكثر من 3% عقب إعلان اتفاق غزة الذي أنهى جزئياً العمليات العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس، في خطوة وُصفت بأنها المرحلة الأولى من خطة لإنهاء الحرب المستمرة في القطاع منذ عامين.

 

هذا التراجع القوي جاء أيضاً بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أكد أن أسعار البنزين في الولايات المتحدة ستنخفض إلى دولارين للغالون الواحد، وهو ما دفع الأسواق لتوقع تراجع في الطلب المحلي الأميركي على الطاقة خلال الفترة المقبلة.

انخفاض خام برنت وغرب تكساس إلى أدنى مستوى منذ مايو

تراجعت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 2.53 دولار، أي بنسبة 3.88%، لتستقر عند 62.69 دولاراً للبرميل، بينما انخفض خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بمقدار 2.61 دولار أو 4.24% ليغلق عند 58.90 دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى يسجله الخامان منذ أوائل مايو/ أيار.

 

هذا الانخفاض العميق يعكس تحولاً جذرياً في مزاج السوق بعد أن كانت الأسعار قد شهدت ارتفاعات محدودة في الأيام السابقة مدفوعة بمخاوف جيوسياسية. ومع انحسار هذه المخاوف، عاد التركيز نحو العوامل الاقتصادية والتجارية التي تؤثر على الطلب العالمي.

الحرب التجارية بين واشنطن وبكين تفرض ضغطاً إضافياً على الأسواق

في الوقت ذاته، جاء تراجع الأسعار وسط تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.


فرغم أن الأسواق كانت تأمل ببطء في تحسن العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم، إلا أن الأحداث الأخيرة أعادت المخاوف من حرب تجارية شاملة قد تؤدي إلى إبطاء النمو العالمي، وبالتالي الإضرار بالطلب على النفط.

 

وقال أندرو ليبو، رئيس شركة ليبو أويل أسوشيتس:

 

"اليوم هو تتويج لمجموعة متنوعة من العوامل، وأحدثها تهديد ترامب بزيادة هائلة في الرسوم الجمركية على الصين."

وأشار محللون إلى أن التهديدات الجديدة تُثير قلق الأسواق، لا سيما وأنها تأتي قبل اجتماع مرتقب بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية بعد ثلاثة أسابيع فقط.


لكن هذه التطورات الأخيرة ألقت بظلال من الشك على انعقاد اللقاء، خصوصاً بعد أن اتهم ترامب الصين بأنها تسعى إلى "الهيمنة على الاقتصاد العالمي" عقب توسيعها قيودها على صادرات المعادن الأرضية النادرة التي تهيمن بكين على إنتاجها عالمياً.

 

قد يهمك : دليل شامل عن النفط السلعة الأكثر تداولاً في العالم وكيفية الاستثمار بها

تصعيد مفاجئ: ترامب يفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الصين

وفي خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الجمعة 10 أكتوبر أن الولايات المتحدة ستفرض رسوماً جمركية جديدة بنسبة 100% على الواردات الصينية، بدءاً من 1 نوفمبر المقبل، بالإضافة إلى أي رسوم قائمة حالياً.


وأكد ترامب أن هذه الخطوة تأتي رداً على "الموقف العدائي للغاية" الذي تتبناه الصين تجاه التجارة العالمية.

 

وقال في منشور على منصته Truth Social:

 

"علمنا مؤخراً أن الصين اتخذت موقفاً عدائياً للغاية تجاه التجارة، بإرسالها رسالة عدائية إلى العالم، مُعلنةً أنها ستفرض، اعتباراً من 1 نوفمبر 2025، ضوابط تصدير واسعة على جميع المنتجات التي تُنتجها تقريباً، وبعضها الآخر لا تُنتجه أصلاً."

ووصف ترامب هذا القرار الصيني بأنه "عار أخلاقي" في التعاملات التجارية الدولية، مضيفاً أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي.


وبناءً على ذلك، أعلن أن بلاده ستفرض اعتباراً من 1 نوفمبر 2025 (أو قبل ذلك) تعرفة جمركية بنسبة 100% على الصين، إلى جانب ضوابط تصدير على البرامج الأساسية التي تمس الأمن الصناعي الأميركي.

 

وختم ترامب منشوره بلهجة تصعيدية قائلاً:

 

"من المستحيل تصديق أن الصين ستتخذ مثل هذا الإجراء، لكنها فعلت، والباقي تاريخ."

بكين ترد بإجراءات بحرية مضادة ضد الولايات المتحدة

لم تتأخر بكين في الرد، إذ أعلنت وزارة النقل الصينية يوم الجمعة أن السفن المملوكة أو المشغلة من قبل شركات أو أفراد أميركيين، أو تلك التي ترفع العلم الأميركي، ستواجه رسوماً إضافية في الموانئ الصينية ابتداءً من 14 أكتوبر/ تشرين الأول.

 

وقالت الوزارة إن هذه الرسوم تشكل إجراءً مضاداً مباشراً للرسوم التي أعلنتها واشنطن، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ الأسبوع المقبل.


هذه الخطوات المتبادلة تنذر بموجة جديدة من التصعيد التجاري الذي قد يُضعف التجارة العالمية، ويؤثر على حركة الشحن البحري وسلاسل التوريد الدولية.

اتفاق غزة يخفف التوترات الإقليمية ويضغط على أسعار النفط

على الصعيد الجيوسياسي، شكّل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس تحولاً مهماً في مسار الصراع بالشرق الأوسط، حيث أدى إلى تراجع علاوة المخاطر الجيوسياسية التي كانت تضيف مكاسب إضافية على أسعار النفط في الأشهر الماضية.

 

وقال بيارن شيلدروب، كبير محللي السلع في بنك "إس إي بي" (SEB):

 

"أخيراً، يُخفف وجود نوع من عملية السلام في الشرق الأوسط من وطأة التوترات. هذا قد يُقلل المخاوف بشأن ناقلات النفط الخام التي تمر عبر قناة السويس والبحر الأحمر."

الاتفاق، الذي أُعلن عنه يوم الخميس وأقرته الحكومة الإسرائيلية الجمعة، يقضي بوقف القتال وانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، مقابل إفراج حماس عن جميع الرهائن المتبقين، في حين تُفرج إسرائيل عن مئات المعتقلين الفلسطينيين.


ويمثل هذا الاتفاق المرحلة الأولى من مبادرة أميركية أطلقها الرئيس ترامب لإنهاء الحرب.

تذبذب الأسواق بين هدوء الشرق الأوسط واستمرار العقوبات الروسية

في المقابل، لا تزال العقوبات المفروضة على روسيا تلقي بظلالها على السوق، إذ إن تعثر التقدم في اتفاق السلام الأوكراني يعني استمرار العقوبات على ثاني أكبر مُصدّر للنفط في العالم.


وكانت الأسعار قد ارتفعت في منتصف الأسبوع بنسبة 1% تقريباً على خلفية هذه التطورات، قبل أن تتراجع مجدداً بنهاية الأسبوع.

 

ورغم الهبوط الحاد يوم الجمعة، إلا أن أسعار خامي برنت وغرب تكساس سجّلت ارتفاعاً أسبوعياً طفيفاً بنسبة 0.7%، بعد أن كانت قد تكبدت خسائر ملحوظة في الأسبوع السابق.

توقعات الأسواق

قال دانيال هاينز، المحلل لدى بنك ANZ، إن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يُعد خطوة كبيرة نحو إنهاء حرب استمرت عامين وأثّرت بشكل مباشر على استقرار إمدادات النفط.


وأضاف أن انتهاء الحرب أعاد تركيز الأسواق إلى المخاوف من فائض المعروض العالمي، مع مضي منظمة أوبك في خططها لإلغاء تخفيضات الإنتاج تدريجياً.

 

كما أشار إلى أن المستثمرين قلقون من إمكانية إغلاق الحكومة الأميركية لفترة طويلة بسبب الخلافات السياسية الداخلية، وهو ما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع الطلب المحلي على الطاقة.

نظرة تحليلية شاملة

تعكس التحركات الأخيرة في أسعار النفط تغيراً عميقاً في توازنات السوق، إذ تتراجع التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط في الوقت ذاته الذي تتصاعد فيه المخاطر الاقتصادية العالمية.


ومع دخول العلاقات الأميركية الصينية في مرحلة تصعيد جديدة، وعودة المخاوف من فائض الإمدادات النفطية، يبدو أن الأسواق مقبلة على فترة من التقلبات الحادة وعدم اليقين.

 

في المقابل، يرى محللون أن أي بوادر لتراجع إضافي في الأسعار قد تدفع أوبك+ لإعادة النظر في خطط زيادة الإنتاج، للحفاظ على استقرار السوق ضمن نطاق مقبول، في حين تترقب الأسواق أيضاً قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن السياسة النقدية، والتي سيكون لها أثر مباشر على الطلب العالمي على الطاقة.

 

خلاصة المشهد العالمي

يتضح أن اتفاق غزة ساهم في تهدئة المخاوف الجيوسياسية، لكنه في الوقت ذاته كشف عن هشاشة الأسواق أمام العوامل الاقتصادية، خاصةً في ظل التصعيد التجاري الأميركي الصيني، ومخاوف تباطؤ الاقتصاد الأميركي، واحتمالات فائض المعروض النفطي.

 

وبينما يواصل الذهب الأسود مسيرته في نطاق متقلب، يبقى مستقبل الأسعار رهناً بتفاعل هذه العوامل المعقدة التي تمتد من سياسات البيت الأبيض إلى ممرات الملاحة في قناة السويس والبحر الأحمر، مروراً بقرارات أوبك+ وسياسات البنوك المركزية الكبرى.

تم التحديث في: السبت, 11 تشرين الأول 2025 10:39
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول