أسعار النفط تقفز بأكثر من 2% بدعم تحذيرات من شح الإمدادات وتصاعد التوترات الجيوسياسية

شهدت أسعار النفط العالمية قفزة قوية بأكثر من 2% في نهاية تعاملات يوم الجمعة، مدعومة بتحذيرات من وكالة الطاقة الدولية بشأن ضيق السوق الفعلي مقارنة بالبيانات الرسمية، وسط تركيز الأسواق على تصاعد التوترات الجيوسياسية وإمكانية فرض عقوبات جديدة على روسيا، إضافة إلى تأثيرات الرسوم الجمركية الأميركية.

 

يأتي هذا الارتفاع رغم الضغوط من زيادة إنتاج تحالف أوبك+ والمخاوف من تباطؤ الطلب العالمي مستقبلاً.

أداء أسعار النفط

ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 2% يوم الجمعة، في ختام أسبوع شهد تقلبات حادة، مدفوعة بمزيج من العوامل الجيوسياسية والتحذيرات بشأن محدودية المعروض.


قالت وكالة الطاقة الدولية إن سوق النفط العالمية قد تكون أكثر ضيقًا مما تظهره البيانات الرسمية، مشيرة إلى تأثيرات موسمية مع ارتفاع الطلب خلال موسم الصيف، نتيجة زيادة تشغيل المصافي لتلبية الطلب المتنامي على السفر وتوليد الكهرباء.

 

تزامن ذلك مع تركيز المستثمرين على الرسوم الجمركية الأميركية المتزايدة، وإمكانية فرض واشنطن وحلفائها عقوبات جديدة على روسيا، ما زاد المخاوف من تشدد إضافي في الإمدادات.

المكاسب اليومية والأسبوعية للنفط

بحسب بيانات الأسواق:

  • صعدت عقود خام برنت الآجلة بمقدار 1.72 دولار، أي بنسبة 2.5%، لتغلق عند 70.63 دولارًا للبرميل.

  • كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بمقدار 1.88 دولار، أو بنسبة 2.8%، ليُنهي الجلسة عند 68.45 دولارًا للبرميل.

وعلى أساس أسبوعي:

  • حقق خام برنت مكاسب بنحو 3%.

  • بينما سجل خام غرب تكساس الوسيط مكاسب أسبوعية بلغت حوالي 2.2%.

يُذكر أن الأسواق كانت قد شهدت تراجعًا حادًا في جلسة يوم الخميس، حيث هبطت العقود الآجلة للنفط بأكثر من 2% وسط مخاوف المستثمرين من تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الاقتصاد العالمي وأثار ذلك مخاوف من تباطؤ النمو العالمي وتراجع الطلب على النفط في ظل تصاعد التوترات التجارية.

تحذيرات وكالة الطاقة الدولية حول ضيق السوق

ذكرت وكالة الطاقة الدولية في أحدث تقاريرها أن السوق قد تكون في الواقع أكثر شحًا مما تعكسه الأرقام، في ظل نمو الطلب خلال موسم الذروة الصيفي. وأشارت إلى أن تشغيل المصافي يتزايد لتلبية احتياجات السفر وتوليد الكهرباء، ما يزيد من استهلاك الوقود الأحفوري ويضغط على الإمدادات.

 

في هذا السياق، أفادت تقارير السوق أن عقود برنت لشهر سبتمبر تتداول بعلاوة قدرها حوالي 1.20 دولار مقارنة بعقود أكتوبر، في إشارة إلى ضيق الإمدادات الفورية.

 

قد يهمك : دليل شامل عن النفط السلعة الأكثر تداولاً في العالم وكيفية الاستثمار بها

عامل العقوبات المحتملة على روسيا

أدى تصاعد التوترات بين موسكو وواشنطن إلى زيادة مخاوف السوق وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الجمعة إنه يعتزم إصدار إعلان "مهم" بشأن روسيا يوم الاثنين، ما فتح الباب أمام تكهنات المستثمرين حول فرض مزيد من العقوبات على صادرات النفط الروسية، وهو ما من شأنه أن يضغط على الإمدادات العالمية.

 

وكتب محللو بنك آي.إن.جي في مذكرة للعملاء:

 

"هذا الصباح، عوضت الأسعار بعض خسائرها بعد أن قال الرئيس ترامب إنه يعتزم إعلان شيء مهم بشأن روسيا، مما قد يثير قلق السوق من احتمال فرض المزيد من العقوبات."

خلفية سياسية متوترة بين ترامب وبوتين

يأتي ذلك على خلفية انتقادات متكررة من الرئيس الأميركي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب عدم إحراز تقدم في إنهاء الحرب في أوكرانيا.


عبر ترامب عن خيبة أمله بسبب تكثيف القصف الروسي للمدن الأوكرانية، وهو عامل غذّى المخاوف من مزيد من الإجراءات العقابية من جانب الغرب قد تعطل صادرات النفط الروسية بشكل أكبر.

 

كما تستعد المفوضية الأوروبية هذا الأسبوع لاقتراح فرض "حدّ سعري متحرك" جديد على النفط الروسي ضمن حزمة عقوبات موسعة، في محاولة لتقليص إيرادات موسكو من الطاقة.


ورداً على هذه الخطط، أكدت روسيا أنها "تملك خبرة جيدة" في مواجهة مثل هذه القيود، متعهدة بتقليل أثرها على اقتصادها وصادراتها.

ضغوط متواصلة من زيادة إنتاج أوبك+

رغم دعم العوامل الجيوسياسية للأسعار، واجهت أسواق النفط ضغوطًا من جانب الإمدادات مع تحرك تحالف أوبك+ لزيادة الإنتاج.


حيث اتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها، في اجتماعهم يوم السبت الماضي، على رفع الإنتاج بمقدار 548 ألف برميل يوميًا في أغسطس.

 

وذكر محللو بنك آي.إن.جي أن هناك احتمالًا بزيادة أخرى للإنتاج في سبتمبر قبل التوقف، وهو ما قد يؤدي إلى فائض كبير في المعروض العالمي خلال الربع الرابع من هذا العام، مما قد يضغط على الأسعار مستقبلاً.

توقعات أوبك للطلب المستقبلي

في سياق متصل، خفضت منظمة أوبك توقعاتها للطلب العالمي على النفط خلال الفترة من 2026 إلى 2029، في ضوء تباطؤ الطلب الصيني.


وأظهر تقرير توقعات النفط العالمية لعام 2025، الصادر يوم الخميس، أن المنظمة تتوقع أن يبلغ متوسط الطلب العالمي نحو 106.3 ملايين برميل يوميًا في عام 2026، مقارنة بتوقعات سابقة كانت تشير إلى 108 ملايين برميل يوميًا.

 

هذا الخفض يعكس توقعات بتباطؤ الطلب في الاقتصادات الكبرى، وعلى رأسها الصين، ما قد يشير إلى تحول طويل الأمد في هيكل الطلب العالمي على الطاقة.

 

قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إن بلاده ستعوّض خلال فترة أغسطس وسبتمبر تجاوزها لحصتها الإنتاجية ضمن اتفاق أوبك+، في إشارة إلى استمرار التعاون مع الشركاء رغم العقوبات الغربية.

 

من جهتها، أكدت وزارة الطاقة السعودية يوم الجمعة أن المملكة ظلت ملتزمة بالكامل بهدفها الطوعي ضمن الاتفاق، ما يعزز الثقة في قدرة التحالف على إدارة المعروض.

دعم موسمي للأسعار وتحسن في الطلب الآسيوي

إلى جانب العوامل الجيوسياسية، ساهم تحسن الطلب الموسمي في دعم أسعار النفط.


ذكر محللو بي.إم.آي في تقريرهم الأسبوعي أن العوامل الأساسية للسوق، مثل زيادة الاستهلاك في موسم الصيف، قدمت دعمًا إضافيًا للأسعار.

 

كما أشار التقرير إلى تجدد هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر كعامل يهدد أمن الإمدادات البحرية ويزيد من توتر السوق.

 

ومن مؤشرات تحسن الطلب القوي في آسيا، ما نقلته التقارير حول نية السعودية شحن حوالي 51 مليون برميل من النفط الخام إلى الصين في أغسطس، وهي أكبر شحنة شهرية إلى الصين منذ أكثر من عامين، ما يعكس شهية قوية من أكبر مستورد للنفط في العالم.

نشاط الحفر في الولايات المتحدة يواصل التراجع

رغم الحديث عن ضيق السوق على المدى القصير، جاءت بيانات بيكر هيوز لخدمات الطاقة لتشير إلى استمرار التراجع في النشاط النفطي الأميركي.


أعلنت الشركة أن شركات الطاقة الأميركية خفّضت عدد الحفارات النفطية والغازية العاملة للأسبوع الحادي عشر على التوالي، وهي أطول سلسلة تراجعات منذ يوليو 2020، عندما أدت جائحة كوفيد-19 إلى انهيار الطلب العالمي على الوقود.

 

في هذا السياق، أوضحت وكالة الطاقة الدولية أن السوق تبدو شحيحة على المدى القصير، لكنها حذرت في الوقت نفسه من أن الزيادة الكبيرة المتوقعة في المعروض قد تؤدي إلى فائض في السوق قريبًا.


رفعت الوكالة توقعاتها لنمو المعروض هذا العام، وخفضت في المقابل تقديراتها لنمو الطلب، ما يعزز احتمالات حدوث فائض في السوق خلال الفترة المقبلة.

نظرة تحليلية: سوق نفط معقد بين الدعم والضغوط

يرى محللو كومرتس بنك أن سوق النفط تواجه حالة من التوازن المعقد بين عوامل الدعم والضغط قالوا في مذكرة:

 

"تحالف أوبك+ سيقوم سريعًا وبشكل كبير بزيادة الإمدادات، وهناك تهديد بوجود فائض كبير في السوق، لكن على المدى القصير تظل الأسعار مدعومة بفعل المخاطر الجيوسياسية وتحسن الطلب الموسمي."

خاتمة:
تكشف التحركات الأخيرة في سوق النفط عن مشهد بالغ التعقيد، يجمع بين عوامل دعم قوية مثل التوترات الجيوسياسية وتحسن الطلب الآسيوي والموسمي، في مقابل ضغوط متوقعة من زيادة إنتاج أوبك+ وتباطؤ محتمل في الطلب العالمي على المدى المتوسط.

 

وبين هذه العوامل المتضاربة، تبقى أسعار النفط عرضة لتقلبات حادة مع ترقب المستثمرين لتطورات العقوبات المحتملة على روسيا وقرارات المنتجين الكبار في الأشهر المقبلة.

تم التحديث في: السبت, 12 تموز 2025 09:52
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول