تراجع أسعار النفط وسط مزيج من المخاوف الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية
شهدت أسعار النفط الخام تراجعًا في التعاملات الآسيوية يوم الجمعة، بعد موجة صعود استمرت ثلاثة أيام. ويأتي هذا الانخفاض في ظل استمرار المخاوف المتعلقة بضعف الطلب العالمي وتزايد الإمدادات، على الرغم من أن الأسعار ما زالت تتجه نحو تسجيل مكاسب أسبوعية محدودة.
أداء أسعار النفط اليوم
حصل النفط خلال الأسبوع على بعض الدعم من تصاعد التوترات الجيوسياسية في مناطق حساسة مثل روسيا–أوكرانيا والشرق الأوسط. كما ساهمت احتمالية فرض الولايات المتحدة مزيدًا من العقوبات على موسكو في تعزيز الأسعار مؤقتًا.
لكن هذه المكاسب لم تصمد طويلًا أمام ضغوط أخرى، أبرزها صدور بيانات اقتصادية أمريكية ضعيفة، أثارت مخاوف من تباطؤ الطلب على الطاقة، إضافة إلى تقرير سلبي من وكالة الطاقة الدولية.
كما كان للتطورات السياسية أثر قصير الأمد على السوق؛ إذ ارتفعت أسعار العقود الآجلة لفترة وجيزة يوم الأربعاء بعد تغريدة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، انتقد فيها الهجمات الإسرائيلية في قطر وتوغّل روسيا في المجال الجوي البولندي، ما دفع المستثمرين إلى تغطية مراكز البيع على المكشوف.
تحركات الأسعار في الأسواق
تراجعت عقود خام برنت الآجلة لشهر نوفمبر بنسبة 0.5% لتسجل 66.03 دولارًا للبرميل، بينما انخفضت عقود خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 0.6% إلى 61.74 دولارًا للبرميل.
ورغم هذا التراجع، ما زالت العقود تتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية تتراوح بين 0.5% و1%. ومنذ مطلع أغسطس، ظل النفط محصورًا في نطاق عرضي ضيق بين 62 و67 دولارًا للبرميل، مع محاولات مستمرة من المتداولين للموازنة بين المخاطر الجيوسياسية وتحديات المعروض.
تقرير وكالة الطاقة الدولية وضغوط المعروض
تعمّق التراجع يوم الخميس، إذ خسر النفط نحو 2% بعد صدور تقرير شهري لوكالة الطاقة الدولية، توقعت فيه ارتفاع الإنتاج العالمي بوتيرة أسرع من التقديرات السابقة.
وأشارت الوكالة إلى أن المعروض قد يرتفع بمقدار 2.7 مليون برميل يوميًا في عام 2025 (مقارنة بتقديرات سابقة عند 2.5 مليون برميل يوميًا)، وبإضافة 2.1 مليون برميل يوميًا أخرى في عام 2026.
يعود هذا النمو بالأساس إلى زيادة الإنتاج من جانب تحالف "أوبك+" ومنتجين رئيسيين آخرين.
في المقابل، أصدرت "أوبك" تقريرها الشهري مؤكدة توقعاتها المتفائلة نسبيًا بشأن نمو الطلب العالمي. إذ تتوقع المنظمة أن يرتفع الطلب بنحو 1.29 مليون برميل يوميًا في 2025، أي ما يقارب ضعف معدل النمو الذي تتوقعه وكالة الطاقة الدولية.
كما أن قرار "أوبك+" مطلع الأسبوع بزيادة الإنتاج بهامش أقل مما كانت تتخوف منه الأسواق ساعد على إضفاء بعض القوة على الأسعار، قبل أن تطغى المخاوف المرتبطة بالطلب الضعيف على هذا الأثر.
قد يهمك : دليل شامل عن النفط السلعة الأكثر تداولاً في العالم وكيفية الاستثمار بها
الاقتصاد الأميركي وضغوط الطلب
أدت البيانات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة إلى زيادة القلق بشأن مستقبل الطلب على الطاقة. فقد أظهرت تقارير المخزونات النفطية الأميركية ضعفًا في استهلاك الوقود، بالتزامن مع صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلك التي عكست ارتفاعًا في ضغوط الأسعار.
هذا التطور أثار مخاوف إضافية بشأن تراجع الطلب، لكنه في الوقت ذاته عزز رهانات المستثمرين على أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيضطر لخفض أسعار الفائدة قريبًا. وتسببت هذه التوقعات في ضعف الدولار، ما وفر دعمًا نسبيًا لأسعار النفط.
على صعيد آخر، ساهمت بعض التقارير في توفير دعم نسبي للسوق، أبرزها ما نشرته صحيفة فاينانشال تايمز حول سعي الولايات المتحدة لفرض عقوبات أشد على المشترين الرئيسيين للنفط الروسي، خصوصًا الهند والصين.
وتشير المعلومات إلى أن واشنطن تضغط على دول مجموعة السبع لفرض تعريفات جمركية أعلى قد تصل إلى 100%، بعدما كانت عند حدود 50%، وذلك في محاولة لتقييد تدفقات النفط الروسي.
لكن كلًا من الصين والهند أبدتا مقاومة لهذه الضغوط، وأكدتا عدم وجود نية لتقليص وارداتهما من موسكو.
من شأن أي اضطرابات في واردات النفط إلى هاتين الدولتين أن تشدد من أوضاع الإمدادات العالمية، بالنظر إلى كونهما من أكبر المستوردين على مستوى العالم.
تحليلات وارآء
صرّحت توريل بوسوني، رئيسة قسم أسواق النفط في وكالة الطاقة الدولية، قائلة: "من جهة لدينا فائض متزايد في السوق، لكننا نلاحظ أيضًا مخاطر ملموسة على جانب الإمدادات".
من جانب آخر، أوضح محللو "سيتي غروب" أن السوق عالقة بين "شد وجذب بين أساسيات تزداد قتامة، ومخاطر جيوسياسية متصاعدة".
وأكد البنك توقعاته باستمرار تراجع أسعار خام برنت إلى مستويات تقترب من 60 دولارًا للبرميل بنهاية العام الحالي، مع امتداد هذا الاتجاه الهبوطي حتى عام 2026.