- الرئيسية
- الأخبار
- أخبار الاقتصاد السوري
- صندوق أوبك يستعد للعودة إلى سوريا: خطة شاملة بالتنسيق مع وزارة المالية والمصرف المركزي
صندوق أوبك يستعد للعودة إلى سوريا: خطة شاملة بالتنسيق مع وزارة المالية والمصرف المركزي

في ظل عالم تتزايد فيه التحديات بشكل متسارع، من تغيرات مناخية كارثية تهدد استقرار الأنظمة البيئية إلى اضطرابات جيوسياسية تضرب استقرار الدول الهشة، تبرز الحاجة الملحة إلى مؤسسات تنموية تملك من المرونة والكفاءة ما يسمح لها بالاستجابة السريعة للتحديات المعاصرة، وتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي للدول المتضررة.
ومن بين هذه المؤسسات، يبرز صندوق أوبك للتنمية الدولية (OFID) كلاعب محوري يعيد تشكيل حضوره في الدول النامية، حيث يستعد اليوم لمرحلة جديدة عنوانها الأبرز هو العودة إلى سوريا بعد انقطاع دام أكثر من عقد من الزمان، في خطوة تُعد تحولاً استراتيجياً في مسار عمل الصندوق وخريطة تمويله الإقليمي.
تحركات استراتيجية لعودة مرتقبة إلى سوريا
كشف عبد الحميد الخليفة، المدير العام لصندوق أوبك للتنمية الدولية، في تصريح خاص لصحيفة الشرق، عن استعداد الصندوق للعودة إلى سوريا، مشيراً إلى أن الخطط جاهزة، والاستراتيجيات التنفيذية وُضعت مسبقاً، وأن الصندوق مستعد لتقديم الدعم للحكومة السورية والقطاع الخاص على حد سواء فور زوال المعوقات السياسية واللوجستية التي تعرقل التنفيذ.
ويأتي هذا الإعلان في توقيت مهم، إذ استقبلت سوريا في الشهر الماضي أول بعثة فنية من صندوق النقد الدولي منذ نحو 18 عامًا، في خطوة عكست التوجه الدولي نحو إعادة تأهيل الاقتصاد السوري، الذي بدأ يشهد مؤشرات انتعاش جزئي عقب تخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية على بعض قطاعاته.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن حجم الخسائر التي مني بها الاقتصاد السوري خلال الحرب الممتدة على مدى 14 عاماً قد بلغ نحو 800 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعكس حجم التحدي الذي تواجهه أي مؤسسة تنموية تسعى للمساهمة في إعادة البناء.
محادثات رفيعة المستوى واستئناف متدرج للدعم
وفي مقابلة خاصة مع سكاي نيوز عربية، أعلن الدكتور عبد الحميد الخليفة أن الصندوق قد دخل في محادثات جارية مع الحكومة السورية بهدف استئناف نشاطه في دمشق، بعد التوقف الكامل الذي شهده عام 2011 في أعقاب اندلاع الأزمة السورية.
تصريحات الخليفة حملت في طياتها تغيرًا في فلسفة التمويل التنموي للصندوق، إذ باتت الاستراتيجية الجديدة للصندوق تقوم على ربط التمويل بمبادئ التنمية المستدامة، والتركيز على الأثر الاقتصادي بعيد المدى بدلاً من التركيز فقط على حجم التمويل.
اقرأ أيضاً : عقب نية مصرف سوريا المركزي تطبيق نظام التعويم المدار لليرة السورية .. ماهو ؟
ما بعد الأزمة: عودة واعية ومشروطة
العودة المحتملة لصندوق أوبك إلى سوريا تُعتبر تحولًا بارزًا في استراتيجيته الإقليمية. فقد أجرى الخليفة مؤخرًا لقاءات مع وزير المالية السوري ومحافظ البنك المركزي السوري في واشنطن، في إطار محادثات تمهيدية تهدف إلى استئناف الدعم التنموي والمالي، سواء عبر القطاع العام أو القطاع الخاص.
وأوضح الخليفة أن نشاط الصندوق في سوريا قبل عام 2011 تضمن تمويل مشاريع حكومية ومبادرات مع شركات محلية، بالإضافة إلى تقديم مساعدات فنية وتقنية.
لكن هذه الأنشطة توقفت بشكل تام مع تصاعد الأزمة وتدهور الاستقرار. واليوم، يأمل الصندوق أن تسفر المحادثات الحالية عن عودة فاعلة وهادفة، تستند إلى رؤية جديدة تقوم على الشفافية، والكفاءة، والجدوى التنموية.
الشراكة مع القطاع الخاص: محور الاستراتيجية الجديدة
من النقاط الأساسية التي شدد عليها الخليفة هي أهمية تفعيل نافذة التمويل المخصصة للقطاع الخاص. فعلى الرغم من أن التعاون مع الحكومات كان السائد خلال العقود الماضية، إلا أن الصندوق بات يوجه اهتمامًا أكبر نحو تمكين القطاع الخاص، بوصفه عنصرًا حاسمًا في تحقيق التنمية المستدامة، ومصدرًا حيويًا لخلق فرص العمل وتحقيق النمو الشامل.
وأكد الخليفة أن الصندوق لا يركّز على دعم الشركات الكبرى فحسب، بل يسعى كذلك إلى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وخصوصاً تلك التي تعمل في المناطق النائية والمحرومة. ويرى الخليفة أن هذا النموذج هو السبيل لتحقيق نمو اقتصادي حقيقي ينعكس على مستوى معيشة الأفراد، لا أن يقتصر على المؤشرات المالية للدولة فقط.
التحديات في البيئة السورية: كيف يُقاس النجاح؟
بالرغم من التفاؤل النسبي، فإن صندوق أوبك للتنمية يدرك تمامًا حجم التحديات المعقدة في البيئة السورية، والتي تشمل ضعف الحوكمة، وعدم استقرار الأوضاع الأمنية، والضبابية السياسية التي قد تعيق تنفيذ المشاريع.
ولكن الخليفة يؤمن أن آليات التقييم المستقل، والمحاسبة الدقيقة، والرقابة المستمرة، تمثل أدوات فعالة يمكن من خلالها ضمان النجاح وتحقيق النتائج المرجوة. وأشار إلى أن الصندوق يتبع نهجًا دقيقًا في التقييم:
"نحن نقيّم كل مشروع مرتين، قبل وبعد التنفيذ. وهذا يمنحنا فرصة لتصحيح المسار إذا تطلب الأمر، أو حتى تغيير النهج بالكامل في بعض الأحيان."
وفي الحالة السورية، فإن النجاح الحقيقي لعودة صندوق أوبك سيُقاس بمدى قدرته على تنفيذ مشاريع حقيقية قابلة للحياة وسط بيئة سياسية وأمنية بالغة التعقيد، لكنها في الوقت نفسه تتوق بشدة لأي دعم اقتصادي يُحدث تحولًا ملموسًا في حياة المواطنين.
اقرأ أيضاً : سوريا تطلق أكبر مشروع إصلاح اقتصادي في تاريخها الحديث
نحو استراتيجية تمويل شاملة ومتقدمة
ضمن خططه التوسعية، أعلن صندوق أوبك للتنمية الدولية التزامه بـ ضخ استثمارات بقيمة 20 مليار دولار تُخصص لمشاريع تنموية متنوعة، مع تركيز خاص على الطاقة، والبنية التحتية، ومشاريع التكيّف المناخي.
وشدد الخليفة على أن هذه الاستثمارات ليست مجرد أرقام، بل تمثل جوهر الاستراتيجية الجديدة للصندوق، والتي تقوم على تعظيم العائد التنموي لكل دولار يُستثمر. وأوضح أن هذه الأموال لا تُمنح بشكل عشوائي، بل تُوظف وفق معايير فنية صارمة تأخذ في الاعتبار:
-
الأثر الاجتماعي للمشروع
-
استدامته البيئية والاقتصادية
-
توافقه مع أولويات الدولة المعنية
أهمية عودة صندوق أوبك إلى سوريا
إن عودة صندوق أوبك إلى سوريا، إذا ما تم تنفيذها فعليًا، لن تكون مجرد استئناف للتمويل، بل اختبار حقيقي لجدوى التنمية في مرحلة ما بعد الصراع. إنها فرصة لإعادة تشكيل العلاقة بين التمويل الدولي والدول الخارجة من الأزمات، كما تمثل مناسبة حاسمة للصندوق لإثبات مرونته وقدرته على الاستجابة للواقع، لا الاكتفاء بالخطط الورقية.
وفي عالم يشهد تراجعًا في دور المؤسسات المالية الكبرى، تبدو مقاربة صندوق أوبك أكثر واقعية وفعالية، إذ تقوم على شراكة مشروطة بالنتائج، قابلة للقياس، وخاضعة للمساءلة والرقابة.
وبينما تتواصل المفاوضات، تبقى الأنظار معلقة على ما إذا كانت العودة المنتظرة ستتحول إلى تنمية حقيقية تعيد بعض الاستقرار الاقتصادي للمجتمعات السورية، أم أنها ستواجه العراقيل نفسها التي أفشلت العديد من المبادرات السابقة.
لكن في كلا الحالتين، يمثل انخراط صندوق أوبك في الملف السوري خطوة فارقة، وفرصة نادرة لإثبات أن التنمية ما زالت ممكنة، حتى في أكثر البيئات هشاشة.
خطط التوسع المستقبلية: نمو وتسارع في الأداء
في سياق حديثه عن خطط التوسع، نوّه الخليفة إلى أن الصندوق قد قام خلال السنوات الخمس الماضية بـ إعادة هيكلة بنيته المؤسسية بشكل شامل، مما انعكس على أداء الصندوق الذي سجل نموًا بنسبة 35% خلال العام الماضي. وأشار إلى أن وتيرة النمو مرشحة للتسارع في الفترة المقبلة، خاصة مع الطلب الكبير من الدول الأعضاء على تمويل مشاريعها التنموية.
وأضاف أن الصندوق وسع نطاق عمله إلى أربع دول جديدة خلال العام الماضي، ليصبح عدد الدول التي ينشط فيها 125 دولة حول العالم. كما كشف عن أن الصندوق يعمل على تنفيذ استراتيجية للوصول إلى حجم التزامات بقيمة 20 مليار دولار بحلول عام 2030، عبر سلسلة من المبادرات، مؤكداً أن الدول الأعضاء في الصندوق تمتلك استراتيجيات تنموية ضخمة يجري تنفيذها بالفعل.
وأوضح الخليفة أن تصنيف الصندوق الائتماني المرتفع يمكنه من الوصول إلى أسواق المال العالمية بتكلفة منخفضة، مستشهداً بعملية إصدار دين أجراها الصندوق في يناير الماضي بقيمة 1.5 مليار دولار، وقد تمت تغطيتها بأكثر من ست مرات، في إشارة إلى ثقة المستثمرين العالمية بمكانة الصندوق.
يُعد صندوق أوبك للتنمية الدولية مؤسسة مالية إنمائية حكومية دولية أُنشئت من قبل الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، ويعتمد نموذج عمله على تمويل مشاريع تنموية للدول النامية، بشراكة وتنسيق مع مؤسسات تمويل دولية أخرى.
واليوم، ومع قرب عودته إلى سوريا، يحمل الصندوق على عاتقه اختبارًا تاريخيًا جديدًا: أن يبرهن أن التنمية ليست حكرًا على البيئات المستقرة، بل ممكنة أيضًا في البيئات المتأزمة، إذا ما توفرت الإرادة، والخطط الواقعية، والتزام طويل الأمد بالأثر لا بالمظهر.