ارتفاع أسعار النفط وسط محادثات تجارية أمريكية صينية وتوقعات بتقليص الإنتاج الأمريكي

شهدت أسعار النفط ارتفاعًا ملحوظًا في التداولات الآسيوية يوم الأربعاء، مدفوعةً بجملة من العوامل المتداخلة، أبرزها إشارات إيجابية حول محادثات تجارية مرتقبة بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب توقعات بتشديد الإمدادات النفطية الأمريكية، وتزايد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، فضلاً عن بوادر تحسن الطلب في كل من أوروبا والصين.

ومع ذلك، فإن المخاوف بشأن تراجع الطلب العالمي وترقب قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخصوص أسعار الفائدة لا تزال تشكّل عامل ضغط على المكاسب.

أداء أسعار النفط اليوم

سجلت أسعار النفط ارتفاعًا في الجلسات الآسيوية ليوم الأربعاء، وذلك على خلفية إعلان الولايات المتحدة عن نيتها إجراء محادثات تجارية أولية مع الصين خلال الأسبوع الحالي هذا التطور جاء بمثابة دفعة نفسية قوية للأسواق التي طالما تأثرت سلبًا بحالة الجمود والغموض في العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم.

كما ساهمت الرهانات على احتمال تشديد الإمدادات النفطية الأمريكية في دعم الأسعار، لا سيما في ظل مؤشرات على أن بعض المنتجين الأمريكيين بصدد تقليص الإنتاج نتيجة ضغوط الأسعار المنخفضة.

واصلت أسعار النفط مكاسبها للجلسة الثانية على التوالي، مستفيدة من عمليات شراء انتهازية عند مستويات سعرية منخفضة، وذلك بعد أن تهاوت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في أربع سنوات يوم الثلاثاء، في أعقاب قرار مجموعة "أوبك+" المفاجئ بزيادة الإنتاج اعتبارًا من يونيو/حزيران المقبل.

ومع ظهور المشترين في الأسواق عقب هذا الهبوط الحاد، شهدت الأسعار موجة ارتداد واضحة، عززها كذلك الطلب المتنامي في بعض الأسواق الكبرى مثل أوروبا والصين.

أسعار النفط اليوم

على الرغم من الارتفاع، فإن الأسواق لا تزال تحت ضغط المخاوف المستمرة بشأن تدهور الطلب العالمي على النفط، خاصة في ظل تباطؤ اقتصادي واسع النطاق. كما يترقب المستثمرون نتائج اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وما إذا كان سيقوم بتغيير أسعار الفائدة، وهو عامل حاسم في توجيه الأسواق العالمية.

حتى الساعة 09:50 بتوقيت تركيا، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت تسليم يونيو بنسبة 1.17% لتصل إلى 62.89 دولار للبرميل، في حين ارتفعت عقود خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 1.34% لتسجل 59.89 دولار للبرميل.

قد يهمك : دليل شامل عن النفط السلعة الأكثر تداولاً في العالم وكيفية الاستثمار بها

بيانات أمريكية تعزز التفاؤل: انخفاض كبير في المخزونات

تلقى سوق النفط دعمًا إضافيًا من بيانات صناعية أمريكية أظهرت تراجعًا كبيرًا في مخزونات النفط الخام. ووفقًا لتقرير معهد البترول الأمريكي الصادر مساء الثلاثاء، فقد انخفضت المخزونات بمقدار 4.49 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الثاني من مايو، مقارنة بتوقعات السوق التي أشارت إلى انخفاض قدره 2.5 مليون برميل فقط.

كما تراجعت مخزونات البنزين بنحو 1.97 مليون برميل، بينما سجلت مخزونات المقطرات - التي تشمل زيت التدفئة والديزل - ارتفاعًا بمقدار 2.24 مليون برميل.

محادثات تجارية مرتقبة بين واشنطن وبكين تعيد الأمل للأسواق

أعلنت مكاتب وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت والممثل التجاري جيميسون جرير عن اجتماعهما هذا الأسبوع مع مسؤولين صينيين في سويسرا، ما اعتبره المراقبون أول إشارة رسمية لاستئناف المفاوضات التجارية بين البلدين بعد أسابيع من الغموض والتصريحات المتضاربة.

رغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرح بأنه "ليس في عجلة" لتوقيع اتفاقيات تجارية، فإن الأسواق رأت في هذا الاجتماع بادرة إيجابية يمكن أن تؤدي إلى تهدئة الحرب التجارية، التي كانت قد تصاعدت بشكل كبير في أبريل، وأثرت سلبًا على توقعات الطلب على النفط في ظل القلق من تباطؤ النمو العالمي.

رغم ضعف بعض المؤشرات الاقتصادية الأخيرة في الولايات المتحدة والصين، فإن بعض التطورات أظهرت إشارات إيجابية محتملة. فقد ارتفع الطلب على السفر في الصين خلال عطلة عيد العمال، مما أنعش الآمال بانتعاش في الطلب على الوقود. كما عززت الصين من إنفاق المستهلكين خلال العطلة التي استمرت خمسة أيام.

كذلك، أشارت البيانات الأمريكية إلى ارتفاع في العجز التجاري إلى مستوى قياسي في مارس، حيث سارعت الشركات إلى استيراد السلع قبل تطبيق رسوم جمركية جديدة، وهو ما ساهم في انكماش الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الأول من 2025 لأول مرة منذ ثلاثة أعوام.

توقعات بخفض الإنتاج الأمريكي تدعم الأسعار

إلى جانب ذلك، أشار محللون إلى أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط قد يدفع بعض شركات الطاقة الأمريكية إلى تقليص الإنتاج. شركة "دايموند باك إنرجي"، وهي واحدة من أبرز المنتجين في حوض بيرميان، حذّرت من أن الإنتاج الأمريكي ربما بلغ ذروته، وأنه سيتراجع خلال الأشهر المقبلة، وهو نفس الاتجاه الذي أكدته شركة "كوتيرا إنرجي"، حيث أعلنتا عن نية تقليص عدد منصات الحفر.

وقد أثارت هذه التحذيرات موجة من التوقعات بإمكانية تشديد الإمدادات في السوق الأمريكية، وهو ما قد يعوّض بعض الزيادات التي أعلنت عنها مجموعة "أوبك+"، ويسهم في استقرار السوق من جديد.

مخاطر جيوسياسية ترفع علاوة المخاطرة في الشرق الأوسط

من جهة أخرى، عاد التوتر في الشرق الأوسط ليؤثر على الأسواق، حيث شنت إسرائيل هجمات ضد مواقع لجماعة الحوثي في اليمن، ردًا على إطلاق صاروخ استهدف مطار بن غوريون. وعلق المحلل تاماس فارغا من شركة PVM قائلاً إن علاوة المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط آخذة في الارتفاع، وهي من العوامل الرئيسية التي تدعم أسعار النفط حاليًا.

صرّحت كبيرة محللي السوق في شركة Phillip Nova، بريانكا ساشديفا، أن إعادة فتح الأسواق الصينية اليوم يُعد تطورًا مهمًا، نظرًا لأن الصين تُعد أكبر مستورد للنفط في العالم. وأوضحت أن الكثير من المشترين الصينيين اغتنموا فرصة الأسعار المنخفضة للقيام بعمليات شراء استراتيجية، وهو ما ساعد في رفع الأسعار.

توقعت مؤسسات مالية في أوروبا أن تسجّل الشركات المدرجة نموًا في أرباح الربع الأول بنسبة 0.4%، بعد أن كانت التقديرات السابقة تشير إلى انخفاض بنسبة 1.7%. ويُعد هذا مؤشراً إضافياً على تحسن الطلب في القارة العجوز، وهو ما يصب في مصلحة أسواق النفط التي تبحث عن أي إشارات إيجابية تعيد التوازن إلى المشهد.

خلاصة: توازن دقيق بين التفاؤل والقلق في أسواق النفط

رغم ارتفاع الأسعار وتعدد العوامل الإيجابية - من محادثات التجارة إلى تحسن الطلب وانخفاض المخزونات - فإن الصورة الكاملة لا تزال معقدة، وتخضع لتأثيرات متداخلة من السياسات النقدية، والمخاطر الجيوسياسية، واتجاهات الإنتاج، والبيانات الاقتصادية من كبار المستهلكين.

في الوقت الحالي، يبقى السوق في حالة ترقّب لما ستسفر عنه المحادثات الأمريكية الصينية، وقرارات أوبك+، وردود أفعال المنتجين الأمريكيين، فضلاً عن مسار الاقتصاد العالمي خلال النصف الثاني من 2025.