- الرئيسية
- الأخبار
- أخبار السلع والمعادن والمؤشرات
- ارتفاع الذهب بدعم من ضعف الدولار وتوترات الأسواق: تحليل شامل لحركة السوق وعوامل التأثير
ارتفاع الذهب بدعم من ضعف الدولار وتوترات الأسواق: تحليل شامل لحركة السوق وعوامل التأثير

شهدت أسواق المعادن الثمينة تحولات جوهرية خلال جلسات الأسبوع المنصرم، حيث عاد الذهب إلى دائرة الضوء بعد صعود قوي في نهاية تداولات يوم الجمعة، مستفيدًا من مجموعة من العوامل المتداخلة التي شملت التراجع الملحوظ في قيمة الدولار الأمريكي، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، إلى جانب تجدد الاهتمام العالمي بالمفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وهما القوتان الاقتصاديتان الأبرز عالميًا.
كما كان للتدفقات القوية على صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب دور حاسم في هذا التحول، ما يعكس مزاجًا عالميًا مائلًا إلى الحذر والتحوّط من المخاطر.
أداء أسعار الذهب
مع ختام جلسات يوم الجمعة، حققت أسعار الذهب ارتفاعًا كبيرًا على مستوى العقود الآجلة والفورية. فقد صعدت عقود الذهب الآجلة بنسبة 1.15% لتستقر عند مستوى 3,344 دولارًا أمريكيًا للأونصة الترويسية، بينما ارتفعت العقود الفورية بنسبة 0.58% لتصل إلى 3,324 دولارًا.
ويعد هذا الارتفاع امتدادًا لسلسلة من التحركات الإيجابية التي دفعت المعدن النفيس لتحقيق مكاسب أسبوعية متماسكة، معززة بمناخ سوقي يتسم بالتحفّظ حيال الدولار الأمريكي، والترقّب الحذر تجاه التطورات الجيوسياسية والاقتصادية الدولية.
تراجع الدولار الأمريكي يعزز جاذبية الذهب
من أبرز العوامل التي ساهمت في دعم أسعار الذهب خلال الفترة الأخيرة كان الأداء الضعيف للدولار الأمريكي، حيث تراجع مؤشر الدولار – الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من ست عملات رئيسية على رأسها اليورو والجنيه الإسترليني – إلى 100.17 نقطة، بانخفاض نسبته 0.32%.
ويُعد انخفاض الدولار الأمريكي محفزًا تقنيًا وأساسيًا لارتفاع الذهب، نظرًا للعلاقة العكسية بين الطرفين، حيث يصبح الذهب أقل تكلفة لحاملي العملات الأخرى، ما يرفع الطلب العالمي عليه في الأسواق الفورية والمشتقة.
جاء هذا الارتفاع في أسعار الذهب بعد موجة من التراجعات المؤقتة التي شهدها المعدن في وقت سابق من الجلسة إلا أن المتعاملين في الأسواق أعادوا ترتيب أوراقهم بسرعة، وعادوا إلى شراء الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا في ظل بيئة اقتصادية عالمية مشوبة بالضبابية والقلق.
ويعكس هذا السلوك الاستثماري النمط المتكرر الذي يشهده الذهب في أوقات التوتر والقلق السياسي والاقتصادي، حيث يعزز مكانته كأداة للحفاظ على القيمة.
محادثات تجارية مرتقبة بين أمريكا والصين تعيد تشكيل المشهد
في سياق التطورات الاقتصادية، تحولت الأنظار مجددًا إلى ملف المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والمنتظر أن تنطلق جولة جديدة منها خلال الأسبوع المقبل في سويسرا، بحضور رفيع المستوى من كلا الطرفين.
وتكتسب هذه المحادثات أهمية قصوى في ظل استمرار التصعيد اللفظي والإجرائي بين البلدين، وكان آخره ما صرح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن فرض رسوم جمركية أمريكية على السلع الصينية بنسبة 80% "يبدو مناسبًا"، ما يُعتبر رسالة مباشرة تُظهر تصلّب الموقف الأمريكي وتقلّل من فرص التسوية السريعة.
التوترات الجيوسياسية بين الهند وباكستان
لم يكن التصعيد الأمريكي الصيني وحده ما حرك الأسواق، بل ساهمت التوترات العسكرية في شبه القارة الهندية في تحفيز الإقبال على الأصول الآمنة. فقد دخل النزاع الحدودي بين الهند وباكستان مرحلة حرجة، حيث تبادلت الدولتان النوويتان الاتهامات بشن هجمات باستخدام الطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة، وذلك لليوم الثالث على التوالي، ما يشير إلى تصعيد غير مسبوق منذ ما يقارب ثلاثة عقود.
في خضم تصاعد الحرب التجارية، ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 28% منذ بداية العام، لتسجل مستوى قياسيًا بلغ 3,500 دولار أمريكي للأونصة خلال شهر أبريل، وهو ما يعكس قوة الزخم الصاعد في السوق، مدفوعًا بعوامل جيوسياسية واستثمارية متشابكة.
وتاريخيًا، يُعرف الذهب بكونه أحد الأصول الأكثر استفادة من أجواء عدم الاستقرار الجيوسياسي، حيث تتزايد الحاجة إليه كوسيلة لتخزين القيمة.
اتفاق تجاري بين أمريكا والمملكة المتحدة
في تطور آخر مؤثر، أعلن ترامب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن توصلهم إلى اتفاق تجاري جديد، حافظ على رسوم جمركية بنسبة 10% على البضائع البريطانية، مقابل خفض المملكة المتحدة لتعريفاتها الجمركية على الواردات الأمريكية من 5.1% إلى 1.8%.
هذا الاتفاق ساهم مؤقتًا في تهدئة الأسواق، لكنه لم ينجح في إلغاء حالة القلق العامة، حيث رأى المحللون أن الاتفاق ذو طبيعة محدودة ولا يعالج التوترات الهيكلية بين الاقتصادين.
وفي هذا السياق، أكد المحلل تيم ووترر أن "شراء الذهب عند الانخفاضات لا يزال استراتيجية مفضلة"، وأن الذهب لا يزال محصنًا نسبيًا من التراجع الحاد بفضل تدفقات الملاذ الآمن.
تصريحات المحللين: مستقبل الذهب مرهون بمخرجات محادثات التجارة
يُجمع العديد من المحللين على أن اتجاهات الذهب المستقبلية ستظل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمستجدات العلاقة بين واشنطن وبكين. حيث صرّح ديفيد ميجر، مدير تداول المعادن في "هاي ريدج فيوتشرز"، قائلاً: "من الواضح أن استمرار حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية لا يزال على الأرجح أهم دافع وراء ارتفاع أسعار الذهب"، مما يُبرز أن الأسواق لا تزال في حالة انتظار وترقب لأي تحول جوهري في العلاقات التجارية بين القوتين العالميتين.
مع انتهاء عطلة عيد العمال في الصين وعودة النشاط الاقتصادي، لوحظ ارتفاع في وتيرة الطلب على الذهب، سواء من قبل المستثمرين الأفراد أو المؤسسات. كما أُفيد بأن البنك المركزي الصيني قد منح موافقة لعدد من البنوك التجارية لشراء عملات أجنبية بغرض تمويل واردات الذهب، في خطوة تؤشر إلى رغبة السلطات الصينية في دعم توفر المعدن النفيس محليًا.
زيادة في حيازات صناديق الذهب إلى أعلى مستوى منذ أغسطس 2022
شهد شهر أبريل تدفقات قياسية إلى صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة مادياً بالذهب، مدفوعة بارتفاع المخاوف السياسية والاقتصادية نتيجة تصاعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. بيانات مجلس الذهب العالمي تسلط الضوء على هذا الاتجاه المتنامي الذي يعكس رغبة المستثمرين في البحث عن ملاذات آمنة.
أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي الصادرة أن التدفقات إلى صناديق الاستثمار المتداولة بالذهب المدعومة مادياً خلال شهر أبريل كانت الأكبر منذ مارس 2022، مع تصدر الصناديق المدرجة في الصين هذا التوجه، في ظل الحرب التجارية المتصاعدة مع الولايات المتحدة.
وقد اشتدت هذه التدفقات خلال شهر أبريل، مع تبادل أكبر اقتصادين في العالم فرض رسوم جمركية متبادلة، رغم أن المستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن من التقلبات السياسية والاقتصادية كانوا قد بدأوا في التوجه نحو صناديق الذهب منذ بداية عام 2025.
شهدت صناديق الذهب تدفقاً بلغ 115.3 طن متري بقيمة 11.2 مليار دولار الشهر الماضي، وهو أعلى تدفق شهري منذ مارس 2022 عندما كانت الأسواق العالمية تتعامل مع التداعيات الفورية لغزو روسيا لأوكرانيا.
أدت هذه التدفقات إلى رفع إجمالي حيازات صناديق الذهب بنسبة 3.3% لتصل إلى 3560.8 طن بنهاية أبريل، وهو أعلى مستوى منذ أغسطس 2022. ولا يزال الرقم القياسي المسجل عند 3915 طناً في أكتوبر 2020.
وقد تصدرت الصناديق المدرجة في الصين التدفقات بإجمالي 64.8 طناً في أبريل، بينما جذبت الصناديق المدرجة في الولايات المتحدة 42.4 طناً، وفقاً لمجلس الذهب العالمي.
أداء المعادن الأخرى: الفضة والبلاتين والبلاديوم
لم يكن الذهب وحده من استفاد من أجواء السوق، بل تبعته باقي المعادن الثمينة أيضًا:
-
الفضة: ارتفعت عقودها الآجلة إلى 32.72 دولارًا للأوقية بنسبة 0.64%.
-
البلاتين: صعد إلى 986.55 دولارًا للأوقية بنسبة 1.1%.
-
البلاديوم: ارتفع بشكل طفيف بنسبة 0.1% إلى 976.68 دولارًا.
أسواق النفط تسجّل مكاسب قوية وسط تراجع الدولار
وفي أسواق الطاقة، شهدت أسعار النفط الخام ارتفاعًا ملحوظًا:
-
خام نايمكس الأمريكي: ارتفع بنسبة 1.85% ليغلق عند 61.02 دولارًا للبرميل.
-
خام برنت: ارتفع بنسبة 1.70% ليصل إلى 63.91 دولارًا للبرميل.
ويرتبط هذا الارتفاع جزئيًا بتراجع الدولار، ما يجعل النفط أرخص لحاملي العملات الأخرى، وأيضًا بتوقعات تحسن الطلب العالمي.
خلاصة وتحليل مستقبلي
تعكس حركة أسعار الذهب الأخيرة حجم التوتر السائد في الاقتصاد العالمي، وتعزز من مكانة المعدن النفيس كأداة لا غنى عنها في فترات عدم اليقين. وفي الوقت الذي تبقى فيه المحادثات بين الولايات المتحدة والصين مفتاحًا رئيسيًا لتوجهات السوق، فإن العوامل الجيوسياسية، والأداء الضعيف للدولار، وارتفاع الطلب في الصين، تظل عوامل مساندة لسيناريو صعود الذهب في الأجل القريب والمتوسط.