الذهب يسجل مكاسب قوية مدعومة بتراجع الدولار وتصاعد الشكوك حول استقلالية الفيدرالي

سجلت أسعار الذهب العالمية، اليوم الخميس، ارتفاعًا ملحوظاً، في ظل بيئة معقدة تجمع بين تقلبات الدولار الأميركي، وتصاعد التوترات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، وعودة المخاوف بشأن مستقبل استقلالية بنك الاحتياطي الفيدرالي، وسط تقارير تفيد بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدرس بجدية استبدال رئيس البنك الحالي، جيروم باول، في أقرب وقت، تحديدًا خلال شهري سبتمبر أو أكتوبر من العام الجاري.

هذا الارتفاع في الذهب يُعد مؤشرًا واضحًا على ازدياد حالة الحذر في الأسواق المالية، وتفضيل المستثمرين للأصول الآمنة وسط بيئة تتسم بالضبابية وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، سواء على المستوى المحلي داخل الولايات المتحدة، أو في ظل التحديات الجيوسياسية العالمية المستمرة.

ترامب يهدد استقلالية الاحتياطي الفيدرالي

أثارت التقارير الإعلامية الأخيرة، وخاصة تلك التي نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، والتي أشارت إلى أن ترامب يفكر في الإعلان عن خليفة محتمل لباول بحلول سبتمبر أو أكتوبر، قلقًا عارمًا في الأوساط الاقتصادية والمالية، حيث يُنظر إلى مثل هذه التحركات كتهديد مباشر لاستقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وهو المبدأ الذي يُعد أحد أهم مرتكزات الاستقرار النقدي في الولايات المتحدة.

ويُذكر أن ترامب لم يُخفِ خلال الأشهر الماضية عدم رضاه عن سياسات جيروم باول، لا سيما فيما يتعلق بأسعار الفائدة، حيث يفضل الرئيس الأميركي وجود قيادة للبنك تميل إلى التيسير النقدي ودعم الاقتصاد من خلال خفض أكبر للفائدة، في ظل تباطؤ بعض مؤشرات النمو ومخاوف من تبعات الحروب التجارية والعجز المالي المتزايد.

وقد وصف ترامب باول أمس الأربعاء خلال تصريحاته في قمة حلف شمال الأطلسي بأنه "بغيض"، وهي لهجة غير معتادة في الحديث عن رئيس بنك مركزي، ما يعكس مستوى التوتر المتصاعد بين البيت الأبيض والفيدرالي الأميركي.

أسعار الذهب اليوم وعند التسوية

• في تسوية تعاملات يوم الأربعاء، ارتفعت العقود الآجلة للذهب تسليم أغسطس بنسبة 0.27% أو ما يعادل 9.2 دولارًا لتغلق عند 3,343.10 دولارًا للأوقية، في إشارة إلى عودة الزخم الإيجابي للمعدن النفيس مع تزايد حالة الترقب في الأسواق.

• أما خلال تداولات صباح اليوم الخميس، فقد ارتفع الذهب الفوري بنسبة 0.40% ليسجل 3,345 دولارًا للأوقية عند الساعة 10:30 صباحًا بتوقيت تركيا، بينما صعدت العقود الآجلة الأميركية بنسبة 0.47% إلى 3,358 دولارًا.

هذا التحرك الإيجابي جاء مدفوعًا بشكل أساسي بتراجع مؤشر الدولار الأميركي، الذي انخفض بنسبة 0.37% إلى 96.91 نقطة، وهو أدنى مستوى له منذ مارس 2022، مما يجعل الذهب أكثر جاذبية لحائزي العملات الأخرى نظرًا لانخفاض تكلفته النسبية.

الدولار تحت ضغط، والذهب يحصد الثمار

يشير المحللون إلى أن الضغوط على الدولار لا تتعلق فقط بالوضع السياسي الداخلي، وإنما ترتبط أيضًا ببيانات اقتصادية مقلقة قد تُنذر بتباطؤ النمو الاقتصادي الأميركي، مما يعزز التوقعات بقيام الاحتياطي الفيدرالي باتخاذ موقف أكثر ليونة في السياسة النقدية خلال الفترة المقبلة.

وفي هذا السياق، أوضح تيم ووترر، كبير محللي السوق في شركة KCM Trade، أن هناك وضوحًا متزايدًا في رغبة ترامب في وجود قيادة أكثر تيسيرية للفيدرالي، مما يجعل الأسواق تستعد لاحتمال قوي لبدء دورة خفض أسعار الفائدة بشكل كبير، وهو ما يضعف الدولار ويزيد الطلب على الذهب.

وأضاف ووترر أن المعدن الأصفر يميل حاليًا إلى الاستقرار المؤقت، في انتظار صدور بيانات اقتصادية أميركية محورية، من بينها تقرير الناتج المحلي الإجمالي الذي سيصدر في وقت لاحق اليوم، وبيانات نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية المرتقبة يوم غد الجمعة.

الذهب في بيئة سياسية وجيوسياسية متقلبة

بالتوازي مع التطورات السياسية في الداخل الأميركي، يواصل المستثمرون مراقبة المشهد الجيوسياسي العالمي، لاسيما بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وهو الاتفاق الذي ساهم في تهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط ولو مؤقتًا، لكنه لم يُقلل تمامًا من مستويات القلق بشأن استقرار الأوضاع مستقبلاً.

وقد أشار ترامب في تصريحاته أمس الأربعاء إلى ترحيبه بانتهاء الصراع الذي استمر 12 يومًا، مؤكداً نيته بدء مفاوضات مع طهران حول برنامجها النووي، وهو ما اعتبره البعض مؤشرًا على رغبة الولايات المتحدة في احتواء التوتر، لكن الأسواق لا تزال متحفظة تجاه هذه التطورات.

ومن المعروف أن الذهب يُعد أداة تحوط رئيسية خلال فترات عدم اليقين السياسي والجيوسياسي، ويُنظر إليه على أنه "مخزن للقيمة" في أوقات الأزمات وتقلب الأسواق.

مكاسب ملحوظة للمعادن الثمينة الأخرى

لم تكن مكاسب الذهب منفردة، إذ سجلت المعادن الثمينة الأخرى أداءً قويًا خلال نفس الجلسة، مدعومة بنفس العوامل التي رفعت الذهب:

• الفضة الفورية ارتفعت بنسبة 0.23% لتصل إلى 36.34 دولارًا للأوقية.

• البلاتين قفز بنسبة 1.6% إلى 1,376.64 دولارًا، في ظل طلب صناعي قوي.

• البلاديوم حقق مكاسب استثنائية بنسبة 4.2% ليصل إلى 1,102.05 دولارًا للأوقية، مدعومًا بانخفاض المعروض العالمي وزيادة الطلب الصناعي عليه، خاصة في صناعة السيارات التي تعتمد عليه في أنظمة الحد من الانبعاثات.

التوقعات المستقبلية: الأسواق تترقب والحذر سيد الموقف

تُشير أحدث التقديرات في الأسواق إلى أن هناك احتمالية بنسبة 64 نقطة أساس لخفض أسعار الفائدة الأميركية بحلول نهاية عام 2025، وهو ما يعزز بيئة داعمة للذهب على المدى المتوسط إلى الطويل.

ويُعد هذا التحول في التوقعات دافعًا إضافيًا للمستثمرين نحو الاحتفاظ بمراكزهم في الذهب، مع تفضيل تقليل التعرض للمخاطر المرتبطة بالأسهم والدولار في الوقت الحالي، لحين اتضاح الصورة فيما يتعلق بالسياسات النقدية والاقتصادية الأميركية.

ويميل الذهب إلى الارتفاع خلال فترات عدم اليقين وفي بيئة أسعار الفائدة المنخفضة في الوقت نفسه، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن ترامب يفكر في الإعلان عن خليفة باول المحتمل بحلول سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول.

وقال ووترر "الذهب يميل في الوقت الحالي نحو الاستقرار إلى أن نحصل على قراءة المجموعة التالية من بيانات الاقتصاد الكلي الأميركي بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي ونفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي".

خاتمة : الذهب أمام مفترق طرق استثماري في ظل رياح التغيير السياسية

تتجه أسعار الذهب نحو الاستفادة من مشهد معقد وغير مستقر يجمع بين التوترات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، وترقب التغييرات المحتملة في قيادة الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب البيئة العالمية المتسمة بالحذر والتوترات الجيوسياسية المتقطعة.

وفي ظل كل هذه المعطيات، يبدو أن الذهب سيظل مستفيدًا من سلوك المستثمرين الباحثين عن الملاذات الآمنة، ما لم تظهر مفاجآت غير متوقعة على صعيد البيانات الاقتصادية الأميركية، أو على مستوى السياسة النقدية، أو في العلاقات الدولية، خصوصًا تلك المرتبطة بإيران والصين وأوروبا.