توقعات هامة من البنك الدولي للاقتصاد السوري في 2025 في ظل رفع العقوبات وخطط الإصلاح

توقع البنك الدولي أن يسجل الاقتصاد السوري نموًا متواضعًا بنسبة 1% خلال العام الجاري 2025، وذلك بعد انكماش بنسبة 1.5% في عام 2024، بحسب ما أفادت به وكالة "رويترز" نقلاً عن تقرير حديث للمؤسسة الدولية.

واعتبر البنك أن هذا النمو المحدود يأتي نتيجة بعض التحسن في البيئة الاقتصادية العامة، رغم بقاء الظروف الصعبة والعراقيل الهيكلية على حالها إلى حد بعيد.

توقعات البنك الدولي للاقتصاد السوري

في بيانه، أوضح البنك الدولي أن "تخفيف العقوبات يوفر بعض الإمكانات الواعدة، إلا أن التقدم لا يزال محدوداً". وأشار إلى أن تجميد الأصول واستمرار القيود على الوصول إلى الخدمات المصرفية الدولية، يُشكلان عوائق رئيسية أمام إمدادات الطاقة، وتدفق المساعدات الخارجية، والدعم الإنساني، فضلاً عن التجارة والاستثمار.

وأكد التقرير أن التوقعات المستقبلية لسوريا لا تزال محاطة بمخاطر كبيرة، في ظل أزمة سيولة خانقة ناجمة عن نقص حاد في أوراق النقد واضطرابات واسعة النطاق في تداول الليرة السورية. وأشار إلى أن البلاد لا تزال تعاني من انقسام في سعر الصرف بين السوق الرسمية والسوق الموازية، وهو ما يعكس حجم التشوهات في السياسة النقدية وتداعياتها على البيئة الاقتصادية العامة.

وسلط تقرير البنك الدولي الضوء على تداعيات النزاع المستمر منذ أكثر من 14 عامًا، والذي ألحق دماراً واسعاً بالاقتصاد السوري. حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 50% منذ عام 2010، فيما انخفض نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 830 دولارًا فقط في عام 2024، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى المحدد للدول ذات الدخل المنخفض.

وبيّن التقرير أن واحداً من كل أربعة سوريين يعيش حالياً في فقر مدقع، بينما يعيش ثلثا السكان تحت خط الفقر ضمن شريحة الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى. كما تواجه البلاد أزمة سيولة متفاقمة، نتيجة نقص العملة الورقية، إلى جانب اضطرابات شديدة في تداول الليرة المحلية.

وفي هذا الإطار، قال جان كريستوف كاريه، المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي: "البيانات الاقتصادية المتعلقة بسوريا شحيحة للغاية ويصعب الحصول عليها. ويُسهم هذا التقييم في سد فجوة حادة في المعلومات، كما يُعد أساساً مهماً للحوار حول السياسات الاقتصادية الكفيلة بإنعاش النمو وتحقيق الازدهار في البلاد".

وأشار التقرير إلى عدد من الخطوات التي اتخذتها الحكومة السورية الجديدة، وعلى رأسها توحيد سياسات الاقتصاد الكلي والمالية العامة والنقدية، إضافة إلى تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة في إدارة المال العام.

كما نوه التقرير بالجهود المبذولة لتشجيع تدفق الاستثمارات الدولية، وتأمين التزامات الدعم الدولي اللازمة لإعادة إعمار الاقتصاد السوري، الذي يواجه تحديات هيكلية هائلة.

وكان البنك الدولي قد وافق في 25 حزيران/يونيو الماضي على منح سوريا تمويلاً بقيمة 146 مليون دولار أميركي، بهدف تحسين إمدادات الكهرباء، ودعم جهود التعافي الاقتصادي في البلاد. وتأتي هذه الخطوة ضمن توجه دولي لدعم قطاعات البنية التحتية الحيوية، التي تُعد شرطاً أساسياً لتحقيق انتعاش اقتصادي مستدام.

ورغم الإشارات الإيجابية، حذر البنك الدولي من أن الآفاق المستقبلية للاقتصاد السوري لا تزال محفوفة بمخاطر جمّة، خاصة في ظل التحديات الأمنية، وصعوبات تأمين واردات الطاقة، التي قد ترفع تكاليف الوقود وتؤدي إلى تفاقم التضخم.

إلا أن التقرير أشار إلى إمكانية تحسن الأوضاع في حال التوصل إلى اتفاقات حول تقاسم الموارد أو تحسين الحوكمة بين الحكومة الانتقالية والسلطات المحلية في شمال شرقي البلاد، وهو ما قد يعزز إنتاج النفط والغاز.

اقرأ أيضاً : سوريا تطلق أكبر مشروع إصلاح اقتصادي في تاريخها الحديث

كما أن ازدياد المشاركة الإقليمية، لا سيما من تركيا وبعض دول الخليج، بالتوازي مع تخفيف العقوبات، قد يوفر دفعة مهمة للتعافي الاقتصادي، ويُشجّع على تدفق الاستثمارات.

وأشار البنك الدولي إلى أن ارتفاع أعداد العائدين من اللاجئين والنازحين داخليًا يمكن أن يسهم بدوره في دعم النمو الاقتصادي على المدى المتوسط، شرط أن تترافق هذه العودة مع خطوات فعلية نحو تخفيف العقوبات، ما يُتيح المجال لتحفيز حركة التجارة والاستثمار من جديد.

تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي ووزير المالية

وفي سياق متصل، صرّح محافظ مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، الجمعة الماضية، أن سوريا لن تلجأ إلى الاقتراض الخارجي، مضيفًا: "لن تكون هناك استدانة من صندوق النقد الدولي أو من البنك الدولي".

وأوضح أن الليرة السورية شهدت تحسناً بنسبة 30% منذ "إسقاط نظام بشار الأسد" أواخر عام 2024، مشيرًا إلى أن المصرف المركزي لا يعتزم ربط سعر صرف الليرة بالدولار أو اليورو، وأن العمل جارٍ على إنهاء الفروقات السعرية بين السوق الرسمية والسوداء خلال الأشهر المقبلة.

وبيّن حصرية أن سوريا دخلت مرحلة جديدة من الانفتاح النقدي والمصرفي، تتزامن مع بدء تفكيك العزلة الدولية المفروضة على القطاع المصرفي لعقود. وأكد أن الحكومة تسعى إلى تأسيس اقتصاد منتج قائم على التصدير، دون الاعتماد على أسعار فائدة مرتفعة أو محفزات استثمارية محفوفة بالمخاطر.

وفي الأول من تموز/يوليو الجاري، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بتحويل التجميد المؤقت للعقوبات المفروضة على القطاع المالي والمصرفي في سوريا إلى رفع دائم.

واعتبر وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، أن هذا القرار يمثل "خطوة كبيرة ومهمة ستنعكس إيجاباً على الاقتصاد السوري".

ومن جهته، وصف محافظ مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، هذه الخطوة بـ"الفرصة التاريخية" التي ستُسهم في تعزيز الشفافية، وتحقيق الحوكمة الرشيدة، وربط النظام المالي السوري بالنظام المالي الدولي من جديد.

من جانبه، أكد وزير المالية محمد يسر برنية أن "سوريا اليوم أرض خصبة للفرص، وتتمتع بإمكانات كبيرة في مختلف القطاعات"، مشيراً إلى أن الحكومة تمضي قدماً في تنفيذ إصلاحات جادة تساهم في تحقيق نتائج ملموسة.

وأضاف برنية: "يسلط التقرير الضوء على التحديات الاقتصادية الكبرى، بما في ذلك تداعيات العقوبات، ويقدم تحليلات وبيانات قيّمة تدعم رسم سياسات قائمة على الأدلة. نحن متفائلون بثقة، ونؤمن بأن اقتصادنا سيسجل قريباً نمواً أقوى ويستأنف مسار التنمية المستدامة".