تراجع اليورو لأدنى مستوى في ثلاثة أسابيع وسط تهديدات ترامب وتصاعد المخاوف التجارية

شهدت أسواق العملات العالمية يوم الاثنين تراجعًا ملحوظًا لليورو إلى أدنى مستوياته في ثلاثة أسابيع، في ظل توتر متصاعد سببه إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطط لفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات من اثنين من أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين، هما الاتحاد الأوروبي والمكسيك، اعتبارًا من الأول من أغسطس آب القادم.

 

في المقابل، حقق الدولار الأميركي مكاسب طفيفة مقابل العملات الرئيسية والناشئة، فيما أظهرت العملات الآسيوية والسلعية تحركات محدودة. أما سوق العملات المشفرة فشهد أداءً لافتًا مع تسجيل بيتكوين مستوى قياسيًا جديدًا.

ترامب يعلن عن رسوم جمركية جديدة

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم السبت الماضي عن نيته فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 30% على واردات من الاتحاد الأوروبي والمكسيك بدءًا من مطلع أغسطس آب، في خطوة وصفت بأنها تصعيدية وغير مسبوقة في الحرب التجارية المستمرة.

 

نشر ترامب هذه التهديدات عبر منصته الخاصة «تروث سوشال»، من خلال رسالتين منفصلتين وجّههما مباشرة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم.

 

هذا الإعلان جاء في سياق ضغوط متصاعدة تمارسها الإدارة الأميركية على شركائها التجاريين بهدف إعادة التفاوض على شروط التجارة، لكنه أثار ردود أفعال غاضبة في بروكسل ومكسيكو سيتي.

رد فعل الاتحاد الأوروبي والمكسيك

ردًا على إعلان ترامب، وصفت كل من المكسيك والاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية المقترحة بأنها «غير عادلة» و«مزعزعة للاستقرار»، معتبرة أنها تهدد بتقويض النظام التجاري متعدد الأطراف وتزيد من المخاطر على الاقتصاد العالمي الهش بالفعل.

 

أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيُمدد تعليق الإجراءات المضادة التي كان يعتزم فرضها ردًا على الرسوم الأميركية حتى أوائل أغسطس آب، مؤكّدًا رغبته في إعطاء فرصة إضافية للمفاوضات والسعي نحو حل تفاوضي يجنّب الطرفين الدخول في حرب تجارية مفتوحة.

 

ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين أوروبيين تأكيدهم أن الاتحاد سيواصل الدفع نحو «تسوية تفاوضية» رغم حدة الخطاب الأميركي.

أداء سعر اليورو اليوم

رغم نبرة التهديد القوية من جانب واشنطن، كانت ردود فعل الأسواق الآسيوية في تعاملات العملات محدودة نسبيًا صباح الاثنين. لكن اليورو تأثر بشكل واضح في بداية الجلسة، حيث تراجع إلى أدنى مستوياته في نحو ثلاثة أسابيع في التداولات المبكرة.

 

لاحقًا، قلص اليورو جزءًا من خسائره لكنه ظل في المنطقة السلبية، مسجلًا في أحدث التعاملات انخفاضًا بنسبة 0.13% عند مستوى 1.1676 دولار.

 

هذا التحرك يعكس الحذر في السوق والترقب لما ستسفر عنه المفاوضات الجارية، وسط تقديرات بأن ترامب قد يستخدم هذه التهديدات كورقة ضغط تفاوضية دون تنفيذ فعلي فوري.

الدولار يحقق مكاسب مقابل العملات الناشئة

في المقابل، استفاد الدولار الأميركي من موجة طلبات شراء محدودة كملاذ آمن، وسجل مكاسب طفيفة مقابل البيزو المكسيكي الذي تأثر بشكل مباشر بالتصعيد الأميركي، حيث ارتفع الدولار بنسبة 0.28% إلى 18.6763 بيزو.

 

هذا التحرك يعكس قلقًا محدودًا في السوق المكسيكية، مع ميل المستثمرين للتحوط من مخاطر فرض الرسوم على صادرات البلاد، والتي تعتمد بشكل كبير على السوق الأميركية.

أداء العملات الرئيسية

أما الجنيه الإسترليني فقد تراجع بنسبة 0.15% إلى مستوى 1.3470 دولار، متأثرًا أيضًا بحالة الحذر العالمية، في وقت تترقب فيه الأسواق البريطانية تطورات الاقتصاد المحلي ومسار السياسة النقدية.

 

وبالنسبة إلى الين الياباني، فقد ارتفع هامشيًا إلى 147.31 مقابل الدولار، في حركة تعكس ميلًا محدودًا للطلب على الأصول الآمنة التقليدية، لكن دون موجة شراء كبيرة، مما يشير إلى أن السوق لم تدخل في حالة ذعر واسعة النطاق.

 

في هذا السياق، قالت كارول كونغ، خبيرة استراتيجيات العملات في «كومنولث بنك أوف أستراليا»، إن رد الفعل المحدود في سوق العملات يعكس أن «الأسواق المالية أصبحت غير مبالية بتهديدات الرئيس ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية، بعد تكرارها مرات عديدة خلال الأشهر الماضية».

 

وأضافت كونغ: «قد يكون تفسير المستثمرين لهذا التهديد الأخير أنه مجرد مناورة للحصول على المزيد من التنازلات، بدلًا من كونه تهديدًا جادًا بتنفيذ وشيك».

العملات السلعية: الدولار الأسترالي والنيوزيلندي

بعيدًا عن العملات الأوروبية والآسيوية الرئيسية، شهدت العملات السلعية تحركات خافتة.

• تراجع الدولار الأسترالي بنسبة 0.12% إلى 0.6566 دولار أميركي، متأثرًا بضعف شهية المخاطرة العالمية.

• انخفض الدولار النيوزيلندي بنسبة 0.37% ليصل إلى 0.5987 دولار.

تعكس هذه التراجعات الحساسية التقليدية لهذه العملات للتقلبات في التوقعات التجارية والطلب العالمي على السلع.

تهديد جديد لاستقلالية الاحتياطي الفيدرالي الأميركي

على صعيد آخر، فجّر ترامب جدلًا إضافيًا في الأسواق بتصريحاته عن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول.

 

قال ترامب في تصريحات يوم الأحد إن «استقالة باول ستكون أمرًا رائعًا»، في خطوة تُعد تهديدًا صريحًا لاستقلالية البنك المركزي الأميركي، بينما جدد مطالبه العلنية بخفض معدلات الفائدة.

 

هذا التهديد يثير مخاوف المستثمرين بشأن استقلالية السياسة النقدية الأميركية، في وقت تترقب فيه الأسواق صدور بيانات التضخم لشهر يونيو (تصدر الثلاثاء) والتي ستحدد إلى حد كبير التوقعات بشأن مسار أسعار الفائدة.

 

بحسب تسعيرات سوق العقود الآجلة، يراهن المستثمرون حاليًا على خفض بنحو 50 نقطة أساس في معدلات الفائدة الأميركية بحلول ديسمبر كانون الأول المقبل.

 

هذه التوقعات تأتي في ظل تباطؤ نسبي في الاقتصاد الأميركي، والضغوط المتزايدة التي يمارسها ترامب على البنك المركزي لدعم النمو وتقليل تكلفة الاقتراض.

سوق العملات المشفرة: بيتكوين تتخطى 120 ألف دولار

في المقابل، شهدت سوق العملات الرقمية موجة ارتفاع قوية، بقيادة بيتكوين التي سجّلت مستوى قياسيًا جديدًا بتجاوزها حاجز 120,000 دولار.

 

صعدت العملة الرقمية الأكبر في العالم بنسبة 2.6% لتتداول عند 122,248.59 دولارًا، بينما ارتفعت «إيثر» بنسبة 2% إلى 3,052 دولارًا.

 

يرى محللون أن هذا الصعود يأتي مدعومًا بتنامي الرهانات على تحقيق مكاسب تنظيمية منتظرة منذ فترة طويلة للقطاع هذا الأسبوع، في ظل توقعات بإقرار أطر تنظيمية أكثر وضوحًا قد تسهّل دخول المؤسسات الكبرى إلى السوق.

بيانات التجارة الصينية: انتعاش الصادرات والواردات

وفي آسيا، أظهرت بيانات رسمية نُشرت الاثنين أن صادرات الصين استعادت زخمها خلال شهر يونيو حزيران، وسجلت الواردات انتعاشًا ملحوظًا.

 

جاء هذا النمو في الصادرات مدفوعًا بتسارع وتيرة الشحنات الاستباقية من جانب المصدّرين الصينيين الراغبين في الاستفادة من الهدنة التجارية الهشّة بين بكين وواشنطن قبل انتهاء المهلة المحددة في أغسطس آب للتوصل إلى اتفاق ورغم قوة البيانات التجارية الصينية، كان أثرها محدودًا على العملة المحلية.

• استقر سعر اليوان المحلي عند 7.1706 مقابل الدولار.

• ارتفع اليوان الخارجي بشكل طفيف إلى 7.1710.

يُظهر ذلك أن الأسواق في الصين تترقب بحذر أكبر البيانات الأهم المقررة صدورها الثلاثاء المقبل، والمتمثلة في أرقام الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني.

 

ينتظر المستثمرون حول العالم صدور بيانات الناتج المحلي الإجمالي الصيني للربع الثاني من العام، وسط توقعات واسعة بتباطؤ النمو مقارنة بالبداية القوية للعام.

 

تعكس هذه المخاوف تأثير التوترات التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة، والضغوط الانكماشية المتزايدة على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

ارتفاع عائدات السندات الأوروبية إلى أعلى مستوياتها منذ أشهر

تصاعد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي انعكس بشكل مباشر في أسواق السندات الأوروبية.

• سجلت عائدات السندات الحكومية الألمانية لأجل 10 سنوات أعلى مستوياتها منذ أبريل نيسان 2025، إذ ارتفعت في التداولات المبكرة إلى 2.733%، قبل أن تتراجع قليلًا إلى 2.726%، ما يطابق تقريبًا مستوى إغلاق يوم الجمعة السابق.

• أما العائد على السندات الألمانية لأجل 30 عامًا، فبلغ 3.236%، بزيادة طفيفة بنحو نقطة أساس واحدة، ليبقى قريبًا من أعلى مستوياته منذ منتصف مارس آذار.

 

لم يقتصر ارتفاع العائدات على ألمانيا، بل شمل فرنسا أيضًا، خاصة بعد إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون عن خطة لتعجيل الإنفاق الدفاعي:

 

• ارتفع العائد على السندات الفرنسية لأجل 10 سنوات إلى 3.417%.

• زاد العائد على السندات لأجل 30 عامًا بنحو 1.5 نقطة أساس إلى 4.216%.

يأتي هذا التحرك في ظل إعلان ماكرون عن مضاعفة ميزانية الجيش بحلول عام 2027، أي قبل ثلاث سنوات من الموعد المقرر، في وقت تسعى فيه الحكومة لخفض 40 مليار يورو من موازنة 2026.

الاستعداد الأوروبي للرد: قائمة برسوم انتقامية

في سياق متصل، قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني في مقابلة صحفية إن الاتحاد الأوروبي أعد قائمة برسوم انتقامية تصل قيمتها إلى 21 مليار يورو (نحو 24.5 مليار دولار) على منتجات أميركية، في حال فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق تجاري قبل المهلة المحددة.

 

يشير هذا إلى أن الطرفين على شفا مواجهة تجارية قد تؤدي إلى اضطرابات كبيرة في تدفقات التجارة العالمية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي بالفعل من تباطؤ وتحديات هيكلية.

 

خاتمة: تصعيد خطير في لحظة حساسة

يُذكر أن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ليست جديدة، إذ تعود جذورها إلى ما قبل ولاية ترامب الأولى، لكنها تصاعدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بفعل السياسات الحمائية التي تبناها الرئيس الأميركي.

 

ومع دخول الاقتصاد العالمي مرحلة تباطؤ، فإن أي تصعيد إضافي قد يؤدي إلى زعزعة أكبر في الأسواق المالية، ويهدد باضطرابات واسعة في سلاسل الإمداد العالمية، مما يزيد الضغوط على صانعي السياسات النقدية والمالية في أوروبا والولايات المتحدة على حد سواء.