تراجع أسعار النفط مع ترقب محادثات أميركية روسية بشأن أوكرانيا وضبابية اقتصادية عالمية

تراجعت أسعار النفط في تعاملات بداية الأسبوع، مواصلةً خسائر الأسبوع الماضي التي تجاوزت 4%، وسط مزيج من العوامل المؤثرة، أبرزها زيادة الرسوم الجمركية الأميركية على شركائها التجاريين، وارتفاع إنتاج "أوبك"، وترقب محادثات حاسمة بين واشنطن وموسكو بشأن الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى ضبابية البيانات الاقتصادية الأميركية والصينية.

أداء أسعار النفط

شهدت الأسواق الآسيوية يوم الاثنين تراجعاً ملحوظاً في أسعار النفط، إذ انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 0.6% إلى 66.18 دولاراً للبرميل، بينما تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنسبة 0.7% إلى 63.40 دولاراً للبرميل.

ويأتي هذا الهبوط امتداداً للخسائر الحادة التي سجلتها السوق في الأسبوع الماضي، حيث فقد خام برنت 4.4%، بينما خسر خام غرب تكساس 5.1%.

تترقب الأسواق عن كثب القمة المرتقبة في 15 أغسطس/آب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا.

ويرى المحللون أن أي اختراق في هذه المحادثات قد يؤدي إلى إنهاء أو تخفيف العقوبات المفروضة على صادرات النفط الروسي، ما قد يزيد المعروض العالمي ويضغط على الأسعار.

ضغوط واشنطن والعقوبات المحتملة

أكد ترامب يوم الجمعة الماضي أنه منح روسيا مهلة نهائية للموافقة على اتفاق سلام، ملوحاً بفرض عقوبات ثانوية على الدول المستوردة للنفط الروسي في حال فشل المفاوضات. كما شددت الإدارة الأميركية ضغوطها على الهند، أكبر مشترٍ آسيوي للخام الروسي، لحثها على تقليص وارداتها.

وفقاً لبيانات شركة إنرجي أسبكتس، قامت المصافي الهندية بالفعل بشراء 5 ملايين برميل من خام غرب تكساس لشحنات أغسطس، مع إمكانية شراء 10 ملايين برميل إضافية حتى سبتمبر، في خطوة قد تمثل مؤشراً على إعادة هيكلة الإمدادات في حال تشديد العقوبات.

زيادة إنتاج «أوبك» وتأثير الرسوم الجمركية الأميركية

إلى جانب الملف الأوكراني، ساهمت زيادة إنتاج منظمة أوبك في الضغط على الأسعار، خاصة مع تزامنها مع رفع الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على شركائها التجاريين، وهو ما يزيد المخاوف من تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي وتراجع الطلب على الطاقة.

كما تتصاعد المخاوف بشأن الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، بعد صدور بيانات أظهرت ضعف الطلب المحلي وتراجع أسعار المنتجين، مما يزيد من حالة القلق في السوق.

ترقب بيانات التضخم الأميركية ودور الفيدرالي

بحسب المحلل توني سيكامور من شركة «آي.جي»، فإن الأسواق تترقب بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الأميركية المقرر صدورها يوم الثلاثاء، والتي ستكون من أبرز المؤثرات على حركة الأسعار هذا الأسبوع.

• في حال انخفاض المؤشر: قد تتزايد التوقعات بخفض مبكر وكبير لمعدلات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، ما قد يدعم النشاط الاقتصادي ويعزز الطلب على الخام.

• أما في حال ارتفاع المؤشر: فقد تتصاعد المخاوف من الركود التضخمي، مما قد يقوّض التوقعات بخفض الفائدة ويضغط على أسعار النفط.

العوامل الحاسمة لاتجاه السوق

يرى المحللون أن مسار أسعار النفط في المدى القريب سيتحدد بناءً على مخرجات ثلاثة أحداث رئيسية:

1. لقاء ترامب وبوتين في 15 أغسطس وما سينتج عنه من قرارات بشأن الحرب والعقوبات.

2. خطابات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي التي ستعطي إشارات حول توجهات السياسة النقدية.

3. صدور بيانات التضخم الأميركية التي ستحدد حجم الرهانات على خفض الفائدة.

قد يهمك : دليل شامل عن النفط السلعة الأكثر تداولاً في العالم وكيفية الاستثمار بها

تحليل موسع: سيناريوهات أسعار النفط بعد قمة 15 أغسطس

1. سيناريو الاتفاق بين واشنطن وموسكو

إذا نجح الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا، فمن المرجح أن يتم تخفيف أو رفع بعض العقوبات المفروضة على صادرات النفط الروسي.

• الأثر المتوقع: زيادة المعروض العالمي من النفط، مما قد يدفع الأسعار إلى مزيد من الانخفاض على المدى القصير.

• مدى الانخفاض المحتمل: قد تهبط أسعار خام برنت إلى ما بين 62 و64 دولاراً للبرميل إذا تزامن الاتفاق مع استمرار زيادة إنتاج «أوبك» وضعف الطلب في الصين.

• التأثيرات الأوسع: تحسن العلاقات التجارية بين موسكو وواشنطن قد يقلل من المخاطر الجيوسياسية في أسواق الطاقة، ما يضغط على علاوة المخاطر المضافة للأسعار حالياً.

2. سيناريو فشل المفاوضات وتصعيد التوترات

في حال فشل المحادثات أو تعثرها، مع فرض عقوبات أميركية ثانوية على الدول المستوردة للخام الروسي – وخاصة الهند والصين – قد تتقلص الإمدادات العالمية بشكل ملحوظ.

• الأثر المتوقع: ارتفاع الأسعار بشكل حاد، مع إمكانية تجاوز خام برنت مستوى 70 دولاراً للبرميل في الأسابيع التالية.

• عوامل داعمة للارتفاع: زيادة المخاطر الجيوسياسية، وتعقيد سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين على شحنات النفط القادمة من مناطق النزاع.

• رد الفعل المحتمل للسوق: المستثمرون قد يعيدون تقييم مراكزهم الشرائية، مع عودة المضاربين للاستفادة من تقلبات الأسعار.

3. سيناريو الاتفاق الجزئي أو التهدئة المؤقتة

قد يشهد اللقاء إعلان هدنة مؤقتة أو اتفاق محدود يشمل وقف إطلاق النار دون رفع العقوبات بشكل كامل.

• الأثر المتوقع: الأسواق قد تتفاعل إيجابياً في البداية، مع هبوط محدود للأسعار، لكن حالة عدم اليقين ستظل قائمة.

• المستويات المرجحة للأسعار: تذبذب خام برنت بين 64 و67 دولاراً للبرميل حتى تتضح الصورة النهائية للاتفاق.

• العوامل المؤثرة لاحقاً: متابعة بيانات الاقتصاد الأميركي والصيني، إضافةً إلى موقف أوبك من الإنتاج في الاجتماعات القادمة.

4. دور السياسة النقدية الأميركية

إلى جانب الملف الأوكراني، سيكون لبيانات التضخم الأميركية والسياسة النقدية للفيدرالي دور محوري في تحديد اتجاه الأسعار:

• خفض الفائدة المتوقع: في حال تراجع التضخم، قد يتجه الفيدرالي إلى خفض الفائدة في وقت مبكر، مما يعزز النشاط الاقتصادي ويزيد الطلب على الطاقة.

• مخاوف الركود التضخمي: إذا ارتفع التضخم مع ضعف النمو، فقد تتراجع شهية المخاطرة، ويؤثر ذلك سلباً على أسعار النفط.

5. العوامل الهيكلية طويلة المدى

رغم تركيز الأسواق على التطورات الفورية، فإن هناك عوامل طويلة المدى ستظل تضغط على اتجاهات الأسعار:

• التحول نحو الطاقة المتجددة والضغط على الطلب النفطي في العقود القادمة.

• سياسات الصين في إدارة واردات الطاقة، خاصة مع توسعها في التخزين الاستراتيجي.

• التغيرات في تكاليف الإنتاج لدى منتجي النفط الصخري الأميركي، الذين قد يزيدون الإنتاج سريعاً إذا ارتفعت الأسعار فوق مستويات 70-75 دولاراً.

خلاصة التحليل:
أسعار النفط خلال الأسابيع المقبلة ستكون رهينة لمخرجات قمة 15 أغسطس بين ترامب وبوتين، حيث سيحدد مصير العقوبات الروسية شكل التوازن بين العرض والطلب العالمي. ومع إضافة تأثير البيانات الاقتصادية الأميركية والصينية، فإن السوق قد تشهد تقلبات حادة بين منتصف أغسطس ونهاية سبتمبر، في واحد من أكثر الفترات حساسية هذا العام لأسواق الطاقة.