- الرئيسية
- الأخبار
- أخبار العملات والعملات الرقمية
- الدولار الأميركي يرتفع أمام اليورو والين الياباني وسط مخاوف من تغذية خفض الفائدة للتضخم
الدولار الأميركي يرتفع أمام اليورو والين الياباني وسط مخاوف من تغذية خفض الفائدة للتضخم

تشهد الأسواق المالية العالمية حالة من الترقب المشوب بالقلق، في ظل استمرار الدولار الأميركي في تسجيل مكاسب متوسطة أمام اليورو والين الياباني، مدعوماً بمزيج من العوامل النقدية والسياسية والجيوسياسية.
ففي الوقت الذي يترقب فيه المستثمرون قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن خفض أسعار الفائدة، أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلاً واسعاً بمحاولته التأثير المباشر على السياسة النقدية، عبر مساعيه لإقالة أحد أعضاء المجلس.
هذا المزيج من التوترات السياسية والتجارية يعكس صورة معقدة للمشهد الاقتصادي العالمي، حيث يتقاطع مستقبل السياسة النقدية الأميركية مع مسار التضخم المحلي من جهة، وتزايد النزاعات التجارية مع الهند والصين وروسيا من جهة أخرى، الأمر الذي يضع الدولار في قلب معركة كبرى بين الثقة الدولية في النظام المالي الأميركي والضغوط السياسية الداخلية.
ارتفاع الدولار عادة ما يضغط على أسعار الذهب، لكن في ظل المخاوف من فقدان استقلالية الفيدرالي، يظل المعدن النفيس ملاذاً آمناً للمستثمرين الباحثين عن التحوط من المخاطر السياسية والتضخمية. ومع ذلك، يحد ارتفاع العوائد على السندات الأميركية من جاذبية الذهب كأصل لا يدر عائداً.
ضغوط ترامب على الفيدرالي وتهديد استقلاليته
أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ملف استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى الواجهة، بإعلانه نيته إقالة عضو المجلس ليزا كوك، بذريعة وجود مخالفات في تعاملاتها المتعلقة بالقروض العقارية.
هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعاً، ليس فقط بشأن شرعية تدخل الرئيس في شؤون الفيدرالي، وإنما أيضاً بشأن حدود صلاحيات السلطة التنفيذية على مؤسسة يفترض أنها مستقلة دستورياً.
كوك رفضت الاستقالة مؤكدة أن الرئيس لا يمتلك صلاحية إقالتها، وهو ما قد يفتح الباب أمام مواجهة قانونية ودستورية غير مسبوقة.
ويُنظر إلى هذه التطورات باعتبارها حلقة جديدة في مسلسل الضغوط التي يمارسها ترامب منذ سنوات على رئيس الفيدرالي جيروم باول، حيث يطالب بتسريع وتيرة خفض أسعار الفائدة لتعزيز النمو الاقتصادي ودعم فرصه السياسية داخلياً.
من الجدير بالذكر أن محاولات الرؤساء الأميركيين للتأثير على الفيدرالي ليست جديدة. فقد مارس الرئيس ريتشارد نيكسون ضغوطاً على رئيس الفيدرالي في السبعينيات لتبني سياسة نقدية ميسرة ساهمت لاحقاً في انفجار موجة تضخمية حادة. ويخشى محللون أن يؤدي تكرار هذا السيناريو في عهد ترامب إلى تقويض ثقة الأسواق العالمية بالدولار كعملة احتياط رئيسية.
أداء الدولار مقابل العملات الرئيسية
ارتفع مؤشر الدولار بنسبة 0.2% ليصل إلى 99.15 نقطة، وهو ما انعكس على تراجع جاذبية الذهب، إذ يصبح المعدن النفيس أكثر تكلفة للمستثمرين حاملي العملات الأخرى.
-
أمام الين الياباني: صعد الدولار بنسبة 0.33% مسجلاً 147.93 ين، مدعوماً بتباين السياسات النقدية بين الفيدرالي الأميركي وبنك اليابان الذي لا يزال متمسكاً بسياساته فائقة التيسير.
-
أمام اليورو: تراجع اليورو بنسبة 0.24% ليسجل 1.1614 دولار، وسط مخاوف من تباطؤ اقتصادي في منطقة اليورو، وارتفاع تكاليف الاقتراض على خلفية تشديد البنك المركزي الأوروبي سياسته النقدية.
-
أمام الجنيه الإسترليني: هبط الجنيه 0.23% إلى 1.3448 دولار، متأثراً بالمخاوف من ضعف الاقتصاد البريطاني في ظل استمرار معدلات تضخم مرتفعة وتباطؤ النمو.
عملات المحيط الهادئ تحت الضغط
-
الدولار الأسترالي تراجع بنسبة 0.16% إلى 0.6484 دولار أميركي، بعدما كشفت البيانات عن قفزة في معدلات التضخم المحلي، ما عزز التوقعات بأن بنك الاحتياطي الأسترالي سيضطر إلى التريث في خفض الفائدة.
-
الدولار النيوزيلندي انخفض بنسبة 0.27% إلى 0.5845 دولار، نتيجة ضعف شهية المخاطرة عالمياً، وضبابية توقعات السياسة النقدية في نيوزيلندا.
تحذيرات المحللين من مخاطر التضخم وفقدان الثقة
حذّر محللون من أن مساعي ترامب لإحكام قبضته على الفيدرالي قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ أن أي خفض مفرط للفائدة في ظل استمرار الضغوط التضخمية قد يفقد المستثمرين الثقة بالدولار. ويؤكد خبراء أن الدولار، رغم كونه العملة الاحتياطية العالمية، يعتمد في مكانته على استقلالية السياسة النقدية الأميركية وشفافيتها.
خفض أسعار الفائدة يُعد أداة أساسية لتحفيز النمو الاقتصادي، لكنه في المقابل يزيد الطلب الاستهلاكي والاستثماري، وهو ما قد يؤدي إلى عودة التضخم بقوة. وفي ظل تسجيل التضخم الأميركي مستويات مرتفعة خلال العامين الماضيين، يخشى المستثمرون أن يؤدي "التيسير القسري" إلى إعادة إشعال ضغوط الأسعار، بما يضع الفيدرالي أمام معضلة صعبة بين دعم الاقتصاد والسيطرة على التضخم.
انعكاسات على سوق السندات الأميركية
شهدت أسواق السندات الأميركية تحركات لافتة:
-
السندات القصيرة الأجل (عامين): انخفض العائد إلى 3.65%، وهو أدنى مستوى في أربعة أشهر، ما يعكس توقعات قوية بخفض الفائدة.
-
السندات طويلة الأجل (30 عاماً): ارتفع العائد إلى 4.92%، مما يعكس مخاوف المستثمرين من تضخم طويل الأمد نتيجة السياسات التيسيرية.
هذه التحركات تكشف عن ظاهرة تعرف بـ"انعكاس منحنى العائد"، التي تُعد غالباً مؤشراً مبكراً على ركود اقتصادي محتمل.
التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والهند
إلى جانب التوترات النقدية، دخل قرار ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الهندية حيز التنفيذ. وارتفعت الرسوم إلى 50% على مجموعة واسعة من المنتجات تشمل الملابس والأحجار الكريمة والمجوهرات والأحذية والأدوات الرياضية والأثاث والمواد الكيميائية.
القرار الأميركي ارتبط بشكل مباشر بزيادة واردات الهند من النفط الروسي، حيث ارتفعت حصتها إلى 42% من إجمالي وارداتها النفطية، مقارنة بأقل من 1% قبل الحرب في أوكرانيا. هذا التوجه أثار غضب واشنطن التي ترى أن نيودلهي تستفيد اقتصادياً من الالتفاف على العقوبات الغربية ضد موسكو.
رغم أن حجم التجارة بين واشنطن ونيودلهي يبلغ نحو 190 مليار دولار سنوياً، إلا أن المفاوضات التجارية بينهما انهارت هذا العام بسبب رفض الهند فتح قطاعات الزراعة والألبان أمام المنتجات الأميركية. هذا التوتر التجاري قد ينعكس سلباً على سلاسل التوريد العالمية، ويزيد من الضغوط التضخمية، خصوصاً في قطاعات الطاقة والغذاء.
التوقعات المستقبلية: مسارات الدولار والسياسة النقدية والتجارة العالمية
1. مستقبل الدولار الأميركي
من المتوقع أن يظل الدولار الأميركي في موقع قوة نسبية على المدى القصير، مستفيداً من الفارق الكبير بين السياسات النقدية للفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الأخرى مثل بنك اليابان الذي يواصل التمسك بسياسة أسعار الفائدة السلبية، والبنك المركزي الأوروبي الذي يواجه مأزقاً مع تباطؤ اقتصاد منطقة اليورو.
لكن على المدى المتوسط إلى الطويل، قد يتعرض الدولار لضغوط إذا استمرت الشكوك حول استقلالية الفيدرالي. ففي حال نجح ترامب في إقالة عضو المجلس أو تعيين شخصيات ذات توجهات تيسيرية، فقد يفقد الدولار جزءاً من مكانته كعملة احتياطية مهيمنة، مع اتجاه بعض الاقتصادات الناشئة للبحث عن بدائل مثل اليورو أو اليوان الصيني أو حتى العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs).
2. أسعار الفائدة والتضخم
التوقعات تشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي قد يجد نفسه مضطراً إلى خفض أسعار الفائدة تدريجياً خلال الأشهر المقبلة إذا استمرت المؤشرات على تباطؤ النمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإن أي خفض مفرط وسريع للفائدة قد يؤدي إلى عودة التضخم، خاصة في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية وارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء.
إذا شهدت الأسواق موجة تضخمية جديدة، فقد يضطر الفيدرالي لاحقاً إلى رفع الفائدة مجدداً بشكل أكثر حدة، وهو ما قد يدخل الاقتصاد في دورة "توقف وتشغيل" (Stop-and-go policy) شبيهة بما حدث في السبعينيات، حيث تراوحت السياسة النقدية بين التيسير والتشديد في فترات متقاربة، ما أدى إلى اضطراب اقتصادي واسع.
3. انعكاسات على أسواق السندات والذهب
-
سوق السندات: استمرار انخفاض العوائد على السندات القصيرة الأجل قد يشير إلى دخول الاقتصاد في مرحلة ركود محتمل، بينما ارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل يعكس قلق الأسواق من موجة تضخمية ممتدة.
-
الذهب: سيبقى الذهب ملاذاً آمناً للمستثمرين في حال تزايدت المخاطر السياسية على الفيدرالي أو تفاقمت التوترات التجارية. أي فقدان للثقة بالدولار سيعزز الطلب على المعدن النفيس، وربما يدفع أسعاره إلى مستويات قياسية جديدة.
4. مستقبل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والهند
من المرجح أن تؤدي الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة إلى توتر متزايد في العلاقات مع نيودلهي. وعلى الرغم من أن الهند تُعد شريكاً استراتيجياً في مواجهة النفوذ الصيني، إلا أن اعتمادها المتزايد على النفط الروسي قد يدفعها للبحث عن تحالفات بديلة مع موسكو وبكين.
إذا استمر هذا المسار، فقد تخسر الولايات المتحدة فرصة تعزيز شراكتها التجارية مع خامس أكبر اقتصاد في العالم، ما قد يفتح الباب أمام تحولات هيكلية في خريطة التجارة العالمية، ويزيد من زخم التكتلات الاقتصادية البديلة مثل مجموعة بريكس (BRICS) التي تسعى إلى تقليل الاعتماد على الدولار في التجارة الدولية.
5. سيناريوهات محتملة للمرحلة المقبلة
-
السيناريو الأول (تفاؤلي): نجاح الفيدرالي في الموازنة بين دعم الاقتصاد وكبح التضخم، مع احتواء الضغوط السياسية، ما يحافظ على قوة الدولار واستقراره.
-
السيناريو الثاني (تشاؤمي): تزايد تدخل ترامب في السياسة النقدية وتعيين شخصيات موالية له داخل الفيدرالي، ما يؤدي إلى فقدان الثقة بالدولار وتسارع الضغوط التضخمية.
-
السيناريو الثالث (مختلط): استمرار الدولار قوياً في الأمد القريب بسبب السياسات النقدية العالمية المتباينة، لكنه يتعرض تدريجياً لتحديات بنيوية إذا تصاعدت النزاعات التجارية والجيوسياسية، خصوصاً مع الهند والصين.
خلاصة استشرافية
إن مستقبل الدولار الأميركي بات رهينة توازن دقيق بين الاستقلالية النقدية والضغوط السياسية، وبين التحديات التضخمية والمخاطر التجارية العالمية.
وإذا ما فقد الفيدرالي جزءاً من استقلاليته، فإن الأسواق قد تشهد تحولات جوهرية في أنماط الاستثمار والتجارة، حيث يتجه العالم شيئاً فشيئاً نحو نظام مالي متعدد الأقطاب قد لا يحتفظ فيه الدولار بالهيمنة المطلقة التي تمتع بها منذ الحرب العالمية الثانية.