هبوط حاد لعملة البيتكوين بعد بيانات التضخم الأمريكية القوية وتراجع آمال خفض الفائدة

شهدت أسواق العملات المشفرة هزة عنيفة يوم الجمعة بعد صدور بيانات مؤشر أسعار المنتجين الأمريكي لشهر يوليو، والتي جاءت أعلى بكثير من التوقعات، ما أدى إلى إعادة تقييم الأسواق لاحتمالات خفض الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الشهر المقبل.

وفي غضون ساعات، فقدت البيتكوين أكثر من 4% من قيمتها بعد أن سجلت مستوى قياسياً جديداً، وسط تزايد المخاطر على الأصول عالية المخاطر وتراجع مؤشرات الأسهم الأمريكية.

أداء عملة البيتكوين اليوم

في جلسة الأربعاء المتأخرة بتوقيت نيويورك، حققت البيتكوين قفزة تاريخية، حيث سجلت 124,515 دولاراً، متجاوزة بذلك أعلى مستوى سابق لها الذي تم تحقيقه في يوليو.

لكن هذه المكاسب لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما انعكس الاتجاه بفعل صدور بيانات التضخم الأمريكية القوية، التي أضعفت آمال خفض كبير في أسعار الفائدة الفيدرالية الشهر المقبل.

وبحلول صباح الجمعة (09:00 بتوقيت السعودية)، كانت العملة المشفرة الأكبر في العالم تتداول عند 119,112.5 دولار، منخفضة بنسبة 2.2%، بعد أن فقدت جزءاً كبيراً من مكاسبها.

بيانات مؤشر أسعار المنتجين

أعلنت وزارة العمل الأمريكية يوم الخميس أن أسعار المنتجين ارتفعت بنسبة 0.9% على أساس شهري في يوليو، وهي أكبر زيادة منذ يونيو 2022، وبأكثر من أربعة أضعاف توقعات المحللين التي كانت تشير إلى زيادة قدرها 0.2% فقط.

هذه الأرقام تمثل إشارة قوية على أن التضخم في قطاع الجملة لم يتم احتواؤه بعد، وهو ما يفرض ضغوطاً على الفيدرالي الأمريكي للتريث في تخفيف سياسته النقدية.

وبالفعل، قلّصت أسواق المال رهاناتها على خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر، مرجحة الآن خفضاً أصغر بمقدار 25 نقطة أساس فقط، مع وصول احتمالية ذلك إلى نحو 90%، وفق عقود الفائدة الآجلة.

ردة فعل الأسواق المالية

إعادة تقييم التوقعات الفيدرالية انعكست سريعاً على الأسواق، حيث شهد الدولار الأمريكي ارتفاعاً مدعوماً بتراجع رهانات التيسير النقدي، في حين تعرضت الأصول عالية المخاطر لضغوط بيعية قوية، بما في ذلك العملات المشفرة والأسهم الأمريكية.

وكانت البورصات الأمريكية قد تراجعت مباشرة بعد صدور البيانات، ما ساهم في فقدان البيتكوين زخمها بعد قمتها التاريخية.

تأثير البيانات على العملات المشفرة البديلة

لم يكن التراجع مقتصراً على البيتكوين وحدها، بل امتد إلى العملات البديلة (Altcoins) التي سجلت انخفاضات متزامنة:

• الإيثر (Ethereum): تراجعت بنسبة 2.9% إلى 4,639.89 دولار بعد أن كانت قد اقتربت من مستويات قياسية في الجلسة السابقة.

• الريبل (XRP): انخفضت بنسبة 4.1% إلى 3.13 دولار.

• سولانا (Solana): خسرت 5.1% من قيمتها.

• كاردانو (Cardano): انخفضت بأكثر من 6%.

• بوليجون (Polygon): تراجعت بنسبة 5.5%.

أما عملات الميم، فقد شهدت تراجعات أكبر نسبياً، حيث هبطت دوجكوين (Dogecoin) بنسبة 7%، وتراجعت $TRUMP بنسبة 5.6%.

تصفيات ضخمة لمراكز الرافعة المالية

بيانات "كوين غلاس" (CoinGlass) أظهرت أن موجة الهبوط الأخيرة أدت إلى تصفية مراكز تداول معززة بالرافعة المالية بقيمة تجاوزت مليار دولار خلال 24 ساعة فقط، من بينها 770 مليون دولار في المراكز الطويلة (Long) و269 مليون دولار في المراكز القصيرة (Short).

هذه التصفيات الكبيرة تؤكد على هشاشة المراكز ذات المخاطر العالية، خاصة بعد تحركات سعرية حادة غير متوقعة.

زادت تصريحات وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت من تعقيد المشهد، حيث أكد في مقابلة على قناة "فوكس بيزنس" أن الولايات المتحدة لن تقوم بشراء بيتكوين مباشرة لتعزيز احتياطيها الاستراتيجي من العملات المشفرة، الذي كان الرئيس دونالد ترامب قد أعلن عنه سابقاً.

لكن بيسنت أوضح لاحقاً عبر منصة "إكس" أن الوزارة ما زالت ملتزمة بالبحث عن طرق محايدة ماليًا لزيادة الاحتياطي، معتمدة أساساً على الأصول المصادرة في قضايا جنائية، مع التوقف عن بيعها.
كما نفى الوزير بشكل قاطع الشائعات حول احتمال بيع جزء من احتياطي الذهب الحكومي لشراء البيتكوين.

ووفقاً لتصريحاته، تتراوح قيمة الاحتياطي الحالي من البيتكوين بين 15 و20 مليار دولار حسب الأسعار الحالية.

ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن شركة أمريكان بيتكوين — وهي شركة تعدين أمريكية مدعومة من دونالد ترامب جونيور وإريك ترامب — تخطط للاستحواذ على شركات في آسيا، منها شركة مدرجة في اليابان وربما في هونغ كونغ، لتخزين البيتكوين على غرار استراتيجية مايكل سايلور في شركة "مايكروستراتيجي".

الشركة، التي تعتزم الطرح العام في سبتمبر عبر اندماج عكسي مع شركة "غريفون ديجيتال ماينينغ"، أكدت أنها تستكشف "فرصاً مجزية" خارج الولايات المتحدة، لكنها لم تقدم التزامات نهائية حتى الآن.

يرى توماس بيرفومو، كبير الاقتصاديين في منصة "كراكن"، أن بيانات مؤشر أسعار المنتجين الأقوى من المتوقع هزت ثقة المستثمرين في إمكانية خفض الفائدة الفيدرالية الشهر المقبل، لكنها في الوقت نفسه سلطت الضوء على ميزة الأصول الرقمية ذات العرض الثابت، مثل البيتكوين، باعتبارها وسيلة محتملة للحفاظ على القيمة وتنميتها على المدى الطويل في بيئة تضخمية.

القيمة السوقية للعملات المشفرة

في ذروة ارتفاعها الأخيرة، بلغت القيمة السوقية للبيتكوين نحو 2.5 تريليون دولار، بينما وصلت الإيثر إلى 575 مليار دولار، وفق بيانات "كوين غيكو".

وكانت الإيثر تتداول الخميس بالقرب من أعلى مستوياتها في أربع سنوات عند حوالي 4,600 دولار، مدفوعة بطلب مؤسسي قوي، فيما جاء صعود البيتكوين بوتيرة أبطأ رغم استمرار التدفقات إلى الصناديق المتداولة بالبورصة (ETFs).

يقول كريس نيوهاوس، مدير الأبحاث في "إيرغونيا"، إن العملات المشفرة تميل للتحرك بإيجابية مع الأسهم، وإن هذه العلاقة أوضح بالنسبة للإيثر مقارنة بالبيتكوين. وعلى الرغم من التراجعات الأخيرة، يرى أن المزاج العام في السوق لا يزال إيجابياً، مستشهداً بالدعم السياسي والمؤسسي المتزايد للأصول الرقمية.

توقعات الربع القادم لمسار البيتكوين والعملات المشفرة

1. السيناريو الأساسي

في هذا السيناريو، يتبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي نهجاً أكثر حذراً، ويقرر خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر، بدلاً من خفض حاد.

هذا الخفض المعتدل قد لا يشعل موجة صعودية ضخمة فورية، لكنه سيبقي التدفقات المؤسسية متدفقة إلى الصناديق المتداولة بالبورصة (Bitcoin ETFs)، خاصة مع التوقعات بمزيد من التيسير النقدي في 2025.

الأسعار في هذا السيناريو قد تتراوح بين 115,000 و128,000 دولار، مع احتمالية إعادة اختبار القمة الأخيرة إذا جاء التضخم المستقبلي أقل من التوقعات.

العوامل الداعمة:

• استمرار شراء الشركات الكبرى مثل "مايكروستراتيجي" و"أمريكان بيتكوين".

• استقرار أو انخفاض تدريجي في بيانات التضخم.

• تحسن شهية المخاطر في أسواق الأسهم العالمية.

2. السيناريو المتشائم (احتمالية 25%)

إذا جاءت بيانات التضخم القادمة — خاصة مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) لشهر أغسطس — أعلى من التوقعات، فقد يضطر الفيدرالي لتأجيل خفض الفائدة إلى ديسمبر أو حتى مطلع 2026، مع الإبقاء على السياسة النقدية المشددة.

هذا السيناريو سيعزز قوة الدولار ويضغط على الأصول عالية المخاطر، بما فيها البيتكوين، التي قد تتراجع إلى منطقة 105,000 – 110,000 دولار، مع إمكانية هبوط أعمق في حال كسر مستويات دعم رئيسية.

العوامل الضاغطة:

• استمرار ارتفاع أسعار الطاقة والسلع.

• تصاعد المخاوف الجيوسياسية أو التجارية.

• تشديد السياسة النقدية عالمياً، خاصة في أوروبا أو آسيا.

3. السيناريو المتفائل (احتمالية 20%)

في حال قرر الفيدرالي خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر، مع تلميحات لمزيد من التخفيضات السريعة، فقد يشهد السوق تدفقاً هائلاً لرأس المال نحو الأصول الرقمية، بحثاً عن عوائد أعلى في بيئة نقدية أكثر مرونة.

البيتكوين في هذا السيناريو قد تخترق مستوى 130,000 دولار بسهولة، وقد تسجل قمة تاريخية جديدة تتجاوز 135,000 دولار قبل نهاية العام، بدعم من موجة شراء مؤسسي وفردي واسعة.

العوامل المحفزة:

• تباطؤ مفاجئ في الاقتصاد الأمريكي أو تراجع حاد في بيانات التوظيف.

• تخفيف قيود السيولة من قبل بنوك مركزية أخرى.

• أخبار إيجابية قوية حول تبني العملات المشفرة في المدفوعات أو الاحتياطيات الحكومية.

تأثير العوامل السياسية على المدى القريب

التطورات السياسية في الولايات المتحدة، خاصة في ظل إدارة ترامب الحالية، ستلعب دوراً محورياً في رسم مسار البيتكوين خلال الربع القادم.

استمرار الخطاب الداعم للأصول الرقمية، والتقدم في خطط زيادة الاحتياطي الاستراتيجي من البيتكوين، يمكن أن يعزز ثقة المستثمرين، حتى في ظل بيانات اقتصادية متقلبة.

التوصية للمستثمرين:

• المدى القصير: مراقبة بيانات التضخم الأمريكية وقرارات الفيدرالي بدقة، مع وضع أوامر وقف خسارة عند مستويات دعم حرجة (حوالي 112,000 دولار).

• المدى المتوسط: الاستفادة من أي تراجعات مؤقتة لبناء مراكز طويلة الأجل، خاصة إذا استمر الدعم المؤسسي والسياسي للعملات المشفرة.

• المدى الطويل: التركيز على التنويع بين البيتكوين والإيثر وبعض العملات البديلة ذات المشاريع القوية، مع متابعة التوجهات التنظيمية العالمية.

خلاصة تحليلية:
التقلبات الأخيرة في سوق العملات المشفرة تعكس بوضوح حساسية هذه الأصول تجاه بيانات الاقتصاد الكلي، وخاصة تقارير التضخم. وبينما يسعى الفيدرالي لتحقيق توازن بين مكافحة التضخم ودعم النمو، يبقى مستقبل البيتكوين والعملات الرقمية رهيناً بتطورات السياسة النقدية الأمريكية والمناخ الاستثماري العالمي.