انهيار قوي يهز أسواق الكريبتو .. البيتكوين تشهد واحدة من أعنف موجات الهبوط منذ مطلع العام الجاري
شهدت عملة بيتكوين تراجعاً حاداً خلال تعاملات يوم الجمعة، في واحدة من أعنف موجات الهبوط التي تضرب سوق العملات الرقمية منذ بداية العام الجاري، وسط تصاعد عمليات البيع وتراجع شهية المخاطرة لدى المستثمرين، ما أعاد إلى الواجهة مخاوف عميقة بشأن مستقبل الأصول الرقمية عالية المخاطر.
يعرض المقال صورة دقيقة للتراجع الحاد الذي تشهده بيتكوين نتيجة موجة بيع غير مسبوقة وعمليات تصفية ضخمة أطاحت بمليارات الدولارات من السوق، في ظل تراجع شهية المخاطرة وتأثير السياسات النقدية الأمريكية.
كما يستعرض تأثير هذه التطورات على باقي العملات الرقمية، وسلوك المؤسسات الاستثمارية وحيتان السوق، مع قراءة استشرافية لمسار الأسعار بين سيناريوهات الهبوط المتواصل وآمال التعافي المرتبطة بالدعم المؤسسي والسياسات الداعمة لقطاع التشفير.
أداء أسعار البيتكوين اليوم
انحدرت بيتكوين من أعلى مستوى تاريخي سجلته عند 126 ألف دولار في أكتوبر الماضي، لتتداول اليوم دون مستوى 84 ألف دولار، في حركة تصحيحية عنيفة أعادت الأسعار إلى مستويات لم تشهدها منذ أشهر.
ويأتي هذا التراجع اللافت بالتزامن مع تحول واضح في توجهات المستثمرين نحو الأصول الآمنة، بالتوازي مع تقلص احتمالات لجوء الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى خفض أسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل، وهو ما زاد من الضغوط على سوق الكريبتو وأسهم في تفاقم موجة الهبوط الحالية.
تصحيح طبيعي أم بداية أزمة أعمق؟
في ظل هذه التطورات، يطرح المستثمرون تساؤلات جوهرية حول طبيعة ما يحدث حالياً، وما إذا كانت البيتكوين تمر بمرحلة تصحيح سعري بعد الصعود القياسي الذي سجلته الشهر الماضي، أم أن السوق تدخل مرحلة اضطراب هيكلية قد تمتد آثارها لفترة أطول.
وتتجه بيتكوين نحو تسجيل أسوأ أداء شهري لها منذ انهيارات عام 2022، حيث تراجع أكبر أصل رقمي بنسبة وصلت إلى 6.4% خلال جلسة الجمعة، ليصل إلى مستوى 81,629 دولار قبل أن يقلص جزءاً من خسائره لاحقاً.
وسجلت العملة المشفرة نحو 83,157 دولار عند الساعة 14:15 بتوقيت تركيا، في وقت أظهرت فيه البيانات أن بيتكوين فقدت ما يقارب 23% من قيمتها خلال شهر نوفمبر فقط، وهو أكبر هبوط شهري منذ يونيو 2022.
ويعود هذا المشهد إلى سلسلة الانهيارات التي بدأت بانهيار مشروع العملة المستقرة "تيرا يو إس دي" بقيادة دو كوون في مايو 2022، وما تبعه من تداعيات أطاحت بعدد من أبرز شركات التشفير وصولاً إلى سقوط منصة "إف تي إكس" التابعة لسام بانكمان-فرايد، في واحدة من أكبر الأزمات في تاريخ سوق العملات المشفرة.
ورغم الدعم السياسي الأمريكي المتزايد لقطاع التشفير في ظل إدارة دونالد ترامب، إضافة إلى تنامي تبني المؤسسات المالية للأصول الرقمية، فإن بيتكوين لا تزال أقل بأكثر من 30% مقارنة بذروتها المسجلة مطلع أكتوبر، ما يعكس هشاشة واضحة في ثقة المستثمرين.
عمليات تصفية قياسية تضغط بقوة على الأسعار
تعرضت السوق لموجة بيع قاسية عقب عمليات تصفية واسعة شهدها يوم 10 أكتوبر، حيث تم إنهاء مراكز عالية الرافعة المالية بقيمة تجاوزت 19 مليار دولار، ما أدى إلى محو نحو 1.5 تريليون دولار من القيمة السوقية الإجمالية للعملات الرقمية.
ولم تتوقف الضغوط عند هذا الحد، فقد شهدت الساعات الأربع والعشرون الأخيرة وحدها تصفية إضافية بقيمة 2 مليار دولار، وفق بيانات منصة كوين جلاس، ما عمّق من حدة التقلبات وأشعل حالة من الذعر بين المتداولين.
ويظهر بوضوح أن المؤسسات المالية لا تبدي حماساً لشراء الهبوط، حيث سجل 12 صندوقاً متداولاً في البورصة الأمريكية مخصصاً لبيتكوين تدفقات خارجة بنحو 903 ملايين دولار في يوم واحد، وهي ثاني أكبر موجة تخارج منذ إطلاقها مطلع 2024. كما انخفض الاهتمام المفتوح بالعقود الدائمة بنسبة 35% مقارنة بذروة أكتوبر التي بلغت 94 مليار دولار.
تراجع الأسواق الأمريكية يزيد الضغوط
تزامنت هذه التطورات مع أداء ضعيف في أسواق الأسهم الأمريكية، حيث فقدت المؤشرات جزءاً كبيراً من مكاسبها بعد موجة تفاؤل قادتها نتائج شركات الذكاء الاصطناعي وعلى رأسها إنفيديا، وسط مخاوف متزايدة من ارتفاع التقييمات وتضاؤل فرص خفض أسعار الفائدة في ديسمبر، ما انعكس سلباً على معنويات المستثمرين عالمياً.
ذعر في السوق وتحذيرات من مستويات حرجة
قال براتيك كالا، المدير في صندوق التحوط الأسترالي Apollo Crypto، إن المعنويات أصبحت شديدة السوء، موضحاً أن هناك بائعاً مضطراً في السوق، ولا أحد يستطيع التنبؤ بمدى امتداد هذه الموجة البيعية العنيفة.
من جانبه، أشار توني سيكامور، المحلل في IG Australia، إلى أن السوق تبدو وكأنها تختبر حدود التحمل بالنسبة لشركة مايكروستراتيجي، التي يقودها مايكل سايلور، أحد أبرز الداعمين لبيتكوين عالمياً.
وأوضح أن استمرار تراجع الأسعار قد يدفع الشركة لمواجهة طلبات تغطية هامش نتيجة المراكز الممولة بالاقتراض، خاصة بعد تسجيل سهم مايكروستراتيجي انخفاضاً بنسبة 5% خلال تداولات الخميس.
خسائر تمتد إلى باقي العملات الرقمية
عمّقت سوق العملات الرقمية خسائرها لليوم الثاني على التوالي، مع استمرار ضعف الثقة وانحسار السيولة، حيث هبطت القيمة السوقية الإجمالية إلى ما دون 3 تريليون دولار لأول مرة منذ مايو الماضي، لتصل إلى 2.86 تريليون دولار.
ووسعت بيتكوين خسائرها بنسبة 9.65% لتتداول عند 83,157 دولار، رغم تعافيها المؤقت خلال اليومين السابقين حين تجاوزت مستوى 90 ألف دولار.
واستحوذت العملة الرقمية الأكبر في العالم على 58.3% من إجمالي القيمة السوقية لقطاع الكريبتو، في مؤشر يعكس استمرار هيمنتها رغم حالة الاضطراب.
أما إيثريوم فقد تراجعت بنسبة 4% لتصل إلى 2,721.64 دولار، بينما سجلت عملة ريبل خسائر بنسبة 4.6% لتتداول عند 1.9260 دولار، ما يؤكد شمولية الهبوط في سوق الأصول المشفرة.
وبلغ إجمالي حجم التداولات خلال 24 ساعة نحو 222.8 مليار دولار، وفقاً لبيانات "كوين ماركت كاب"، في وقت انخفض فيه مؤشر الخوف والجشع إلى 11 نقطة، ليدخل منطقة الخوف الشديد التي تعكس حالة هلع لدى المستثمرين.
حيتان البيتكوين تغيب عن الشراء في ظاهرة غير معتادة
اعتادت الأسواق خلال موجات الهبوط السابقة على تدخل كبار المستثمرين المعروفين باسم "حيتان البيتكوين" لاقتناص الفرص عند التراجعات، إلا أن الغياب الملحوظ لهذه القوى الشرائية هذه المرة أثار تساؤلات عميقة حول مدى ثقتها في تعافي قريب.
ويرى محللون أن استمرار هذا السلوك قد يدفع بيتكوين إلى مزيد من التراجع خلال الأشهر المقبلة، مع احتمالات الهبوط إلى ما دون مستوى 80 ألف دولار إذا استمرت ضغوط البيع الحالية.
بين التوقعات المتفائلة وواقع السوق القاسي
في المقابل، كانت التوقعات تشير سابقاً إلى إمكانية صعود بيتكوين نحو مستويات قياسية تتجاوز 150 ألف دولار بنهاية العام الجاري، مدفوعة بالسياسات الداعمة لسوق التشفير وتوسع الاستثمار المؤسسي في التكنولوجيا المالية.
إلا أن المشهد الحالي يعكس واقعاً أكثر تعقيداً، تتقاطع فيه المخاوف الاقتصادية العالمية مع تقلبات سوق الكريبتو الحادة، مما يجعل مسار الأسعار في المرحلة المقبلة مفتوحاً على كافة السيناريوهات، وسط ترقب حذر لأي مؤشرات قد تعيد الثقة وتوقف نزيف الخسائر.
وفي ظل هذا المشهد المضطرب، تبقى بيتكوين رمزاً لتقلبات الأسواق الرقمية، وعنواناً لصراع دائم بين الطموح الاستثماري والمخاطر العالية التي تميز هذا القطاع سريع التطور.