اليورو يتجه لخسارة أسبوعية والين الياباني يواصل الهبوط لأدنى مستوى في 8 أسابيع
شهدت أسواق العملات العالمية خلال هذا الأسبوع حالة من التباين الملحوظ بين العملات الرئيسية، حيث تعرّض الين الياباني لضغوط قوية دفعته نحو أضعف مستوى له في ثمانية أسابيع وسط بيانات تضخم أضعف من المتوقع، وهو ما قلّل من احتمالات رفع أسعار الفائدة من قبل بنك اليابان.
وفي المقابل، حاول اليورو تسجيل بعض المكاسب التصحيحية لكنه ما زال يتجه نحو تكبّد أول خسارة أسبوعية منذ شهر، متأثرًا بقوة الدولار الأمريكي وارتفاع عوائد السندات في الولايات المتحدة. أما العملة الأمريكية نفسها، فقد عززت موقعها باعتبارها الوجهة الاستثمارية الأكثر أمانًا، مدفوعة ببيانات اقتصادية قوية وتراجع توقعات خفض الفائدة في أكتوبر المقبل.
أداء الين الياباني اليوم
واصل الين الياباني خسائره يوم الجمعة في السوق الآسيوية، ليتراجع أمام سلة من العملات الرئيسية والثانوية. وبشكل خاص أمام الدولار الأمريكي، ارتفعت قيمة الدولار بأكثر من 0.1% ليصل إلى 149.96 ينًا، وهو المستوى الأعلى منذ الأول من أغسطس الماضي، مقارنة بسعر الافتتاح عند 149.79 ينًا، بينما بلغ أدنى مستوى للجلسة 149.33 ينًا.
هذا الأداء الضعيف يضع الين على مسار تسجيل خسارة أسبوعية جديدة بنسبة 1.35% تقريبًا، ليكون بصدد تكبّد أكبر خسارة أسبوعية منذ أوائل يوليو الماضي، وخامس خسارة متتالية على المستوى الأسبوعي. ويشير ذلك إلى أن الضغوط السلبية على العملة اليابانية لم تعد مجرد حركة قصيرة الأجل، بل أصبحت اتجاهًا سائدًا مدفوعًا بعوامل اقتصادية وسياسية متشابكة.
التضخم في طوكيو: تباطؤ غير متوقع
البيانات الاقتصادية الأخيرة كشفت عن تباطؤ التضخم في العاصمة اليابانية طوكيو، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي بنسبة 2.5% في سبتمبر، وهو أقل من توقعات السوق البالغة 2.8%. كما تكررت نفس النسبة المسجلة في أغسطس، لتكون هذه الوتيرة الأدنى منذ مارس الماضي.
استقرار الأسعار عند مستويات أقل من المتوقع يعكس تراجع الضغوط التضخمية التي كان من الممكن أن تدفع بنك اليابان المركزي نحو تشديد السياسة النقدية. وبما أن التضخم يعد المحرك الرئيسي لقرارات الفائدة، فإن هذه البيانات قلّصت من فرص رفع أسعار الفائدة خلال اجتماع البنك في أكتوبر المقبل.
احتمالات الفائدة اليابانية
قبل صدور البيانات، كانت الأسواق تسعّر احتمالية بنسبة 50% لقيام بنك اليابان برفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في أكتوبر. غير أن هذه النسبة تراجعت بشكل ملحوظ إلى 35% بعد ظهور بيانات التضخم، ما يعكس فتورًا في توقعات السوق تجاه أي خطوات سريعة في اتجاه التشديد النقدي.
لا تقتصر التحديات التي تواجه الين على ضعف التضخم فقط، بل تتأثر أيضًا بالعوامل السياسية الداخلية في اليابان، والتي تثير حالة من الغموض لدى المستثمرين حول مستقبل السياسات الاقتصادية. ومع استمرار هذه الضبابية، يجد المستثمرون صعوبة في بناء مراكز قوية على العملة اليابانية.
من جهة أخرى، يساهم صعود الدولار الأمريكي وارتفاع عوائد السندات الأمريكية في زيادة الضغط على الين. إذ يظل فارق العوائد بين السندات الأمريكية واليابانية أحد أبرز العوامل التي تؤثر على قرارات المستثمرين، حيث يجعل الدولار أكثر جاذبية مقارنة بالين الذي يعاني من فائدة منخفضة.
أداء سعر صرف اليورو اليوم
شهد اليورو يوم الجمعة ارتفاعًا طفيفًا في السوق الأوروبية، إذ ارتفع بنسبة 0.15% ليصل إلى 1.1682 دولارًا، مقارنة بسعر افتتاح عند 1.1665 دولارًا، بعد أن سجل أدنى مستوى للجلسة عند 1.1657 دولارًا ويعزى هذا الارتفاع المحدود إلى عمليات شراء من مستويات منخفضة بعد الهبوط الأخير إلى أدنى مستوى في ثلاثة أسابيع عند 1.1645 دولارًا.
رغم هذا التعافي، فإن اليورو يتجه نحو تكبّد أول خسارة أسبوعية في شهر، حيث انخفض بنسبة تقارب 0.55% أمام الدولار. هذه الخسارة تعكس قوة الضغوط السلبية المرتبطة بتألق العملة الأمريكية وتراجع شهية المستثمرين تجاه العملة الأوروبية.
الموقف الأوروبي من الفائدة
تشير تقارير صادرة عن مصادر قريبة من البنك المركزي الأوروبي إلى أن صانعي السياسات لا يرون حاجة إلى المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة لتحقيق معدل التضخم المستهدف عند 2%، على الرغم من التوقعات الاقتصادية التي تفيد باحتمال انخفاض المعدلات خلال العامين المقبلين.
أما على صعيد تسعير الأسواق، فقد بقيت احتمالات خفض أسعار الفائدة في أكتوبر عند حدود 10% فقط، ما يعكس قناعة الأسواق بأن دورة التيسير النقدي الأوروبية قد انتهت فعليًا هذا العام، ما لم تتعرض منطقة اليورو إلى صدمة اقتصادية كبرى قد تعيد الأمور إلى نقطة البداية.
أداء مؤشر الدولار الأمريكي
شهد مؤشر الدولار الأمريكي يوم الجمعة تراجعًا طفيفًا بنسبة 0.1% ليستقر عند مستوى 98.61 نقطة، بعد أن كان قد لامس أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع ويعود هذا التراجع المحدود إلى عمليات جني الأرباح، حيث فضّل المستثمرون تخفيف مراكزهم قبل صدور التقرير الشهري لنفقات الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة، وهو أحد المؤشرات الرئيسية لقياس التضخم.
ورغم هذا التراجع الطفيف، فإن العملة الأمريكية تتجه نحو تسجيل أكبر مكسب أسبوعي في شهرين، بدعم من الطلب القوي عليها باعتبارها الملاذ الآمن والأكثر استقرارًا في ظل تذبذبات الأسواق العالمية.
قوة البيانات الاقتصادية الأمريكية
الولايات المتحدة أعلنت خلال الفترة الأخيرة عن نمو اقتصادي قوي في الربع الثاني من العام، حيث جاءت النتائج بأفضل وتيرة منذ عامين، متجاوزة توقعات السوق. كما أظهرت بيانات سوق العمل انخفاضًا أكبر من المتوقع في طلبات إعانة البطالة الأسبوعية، وهو ما يعكس متانة سوق العمل الأمريكي.
هذه المؤشرات عززت الثقة في الاقتصاد الأمريكي، وأعطت الاحتياطي الفيدرالي مساحة أكبر لتبني سياسة نقدية أكثر تشددًا أو على الأقل الامتناع عن خفض الفائدة في المدى القريب.
إعادة تسعير توقعات الفائدة الأمريكية
وفقًا لأداة "فيد ووتش" التابعة لمجموعة "CME"، تراجعت احتمالات خفض أسعار الفائدة الأمريكية بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع أكتوبر من 92% إلى 88%، فيما ارتفعت احتمالات تثبيت الفائدة عند مستوياتها الحالية من 8% إلى 12%. ويعكس ذلك تزايد قناعة الأسواق بأن الفيدرالي قد يؤجل أي خفض للفائدة لحين ظهور إشارات أكثر وضوحًا بشأن تباطؤ التضخم أو تراجع النشاط الاقتصادي.
الخلاصة والتحليل المستقبلي
-
الين الياباني يظل الأكثر ضعفًا بين العملات الرئيسية، متأثرًا بتباطؤ التضخم وتراجع توقعات رفع الفائدة، إضافة إلى الضبابية السياسية الداخلية.
-
اليورو يواجه ضغوطًا متزايدة مرتبطة بقوة الدولار وتقييد السياسات النقدية الأوروبية، رغم محاولاته المتكررة للتعافي من مستويات منخفضة.
-
الدولار الأمريكي يرسخ مكانته كأكثر العملات جاذبية، مستفيدًا من بيانات اقتصادية قوية ومرونة الاحتياطي الفيدرالي في التعامل مع توقعات السوق.
تضع هذه التطورات المستثمرين أمام مرحلة مفصلية، حيث ستبقى البيانات الاقتصادية القادمة — وخاصة المتعلقة بالتضخم والبطالة والأجور في اليابان وأوروبا والولايات المتحدة — هي العامل الحاسم في تحديد اتجاهات العملات خلال الأسابيع المقبلة. كما أن أي مستجدات جيوسياسية أو صدمات اقتصادية غير متوقعة قد تغير المشهد المالي العالمي بسرعة.