البنوك المركزية بين التيسير والتريث: نيوزيلندا تخفض الفائدة، السويد تترقب، والصين تفضل الثبات

تشهد السياسات النقدية العالمية تباينًا واضحًا في توجهاتها مع بداية النصف الثاني من العام، إذ تتباين دوافع البنوك المركزية بين مواجهة تباطؤ اقتصادي داخلي وضغوط تضخمية خارجية، وبين السعي إلى الحفاظ على الاستقرار المالي في ظل بيئة اقتصادية عالمية غامضة.

 

وفي حين اختار بنك نيوزيلندا المركزي خفض سعر الفائدة إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات لمواجهة تباطؤ النمو، أبقى البنك المركزي السويدي (ريكس بنك) على أسعار الفائدة دون تغيير مكتفيًا بترك باب الخفض مفتوحًا، بينما اتخذت الصين موقفًا أكثر حذرًا بالإبقاء على أسعار الإقراض المرجعية مستقرة للشهر الثالث على التوالي، مع الاعتماد على سياسات هيكلية مستهدفة بدلًا من التيسير الواسع.

سعر الفائدة في نيوزيلندا

قرر بنك نيوزيلندا المركزي خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى 3.00%، وهو أدنى مستوى منذ ثلاث سنوات، محذرًا من ضغوط داخلية وخارجية متزايدة على النمو. هذه الخطوة جاءت أكثر تيسيرًا مما توقعت الأسواق، حيث كانت الرهانات ترجّح نهجًا أكثر حذرًا.

انعكاسات القرار على السوق

  • انخفض الدولار النيوزيلندي بشكل حاد بنسبة 1.2%، مسجلًا أدنى مستوى في أربعة أشهر عند 0.5819 دولار أميركي.

  • تراجعت عقود المبادلة لأجل عامين إلى 2.93%، وهو المستوى الأدنى منذ أوائل 2022.

انقسام داخل لجنة السياسة النقدية

كشف البنك عن وجود خلاف داخلي، حيث صوّت عضوان من أصل ستة لصالح خفض أكبر بمقدار 50 نقطة أساس، في إشارة إلى تزايد القلق من ضعف النمو.
كما خفّض البنك توقعاته للحد الأدنى للفائدة إلى 2.55% بدلًا من 2.85%، ما يعكس رؤية أكثر تيسيرًا للمرحلة المقبلة.

التضخم يمنح مرونة إضافية

مع بقاء التضخم عند 2.7% ضمن النطاق المستهدف (1%-3%)، يرى البنك مساحة أوسع للتحرك. ويتوقع أن يرتفع التضخم إلى 3% في الربع الثالث قبل أن يتراجع تدريجيًا إلى 2% بحلول منتصف 2026.

تحوّل من التشديد إلى التيسير

بعد أن كان بنك نيوزيلندا من أوائل البنوك التي رفعت الفائدة عالميًا بين 2021 و2023 بإجمالي 525 نقطة أساس لكبح التضخم، يجد نفسه الآن مضطرًا للتراجع سريعًا لدعم الاقتصاد، خاصة بعد دخول البلاد في ركود العام الماضي نتيجة تباطؤ النمو العالمي وتشديد السياسة المالية الحكومية.

سعر الفائدة في السويد

أبقى البنك المركزي السويدي «ريكس بنك» سعر الفائدة الرئيسي عند 2% كما كان متوقعًا على نطاق واسع، مؤكدًا أنه لا يزال يرى احتمالًا قائمًا لخفض إضافي خلال هذا العام.

  • أشار البنك إلى أن التضخم ارتفع أكثر من المتوقع خلال الصيف، لكنه اعتبر أن تجاوز المستوى المستهدف عند 2% يعود إلى عوامل مؤقتة.

  • جاء القرار متماشيًا مع توقعات المحللين الذين أجمعوا على عدم تغيير الفائدة في هذا الاجتماع.

التحديات الاقتصادية

  • الاقتصاد السويدي يعاني من ركود واضح، حيث يتردد المستهلكون في الإنفاق بينما تتأثر الشركات بالرسوم الجمركية وحالة عدم اليقين الجيوسياسي.

  • ورغم قيام البنك بخفض الفائدة في يونيو الماضي، إلا أن الضغوط السعرية لا تزال قائمة مع تسجيل التضخم السنوي 3.0% في يوليو، مقارنة بهدف البنك البالغ 2%.

سعر الفائدة في الصين

اختار البنك المركزي الصيني تثبيت أسعار الإقراض المرجعية للشهر الثالث على التوالي، حيث بقي سعر الإقراض لأجل عام واحد عند 3.0% ولسعر خمس سنوات عند 3.5%.

 

هذا القرار يعكس تفضيل السلطات الاعتماد على سياسات هيكلية موجهة تستهدف قطاعات محددة، بدلًا من اللجوء إلى تيسير واسع النطاق. وساهم تمديد الهدنة الجمركية بين واشنطن وبكين لمدة 90 يومًا في تقليل الضغوط لاتخاذ خطوات تحفيزية إضافية.

بيانات اقتصادية مثيرة للقلق

  • تباطؤ نمو الإنتاج الصناعي إلى أدنى مستوى في ثمانية أشهر.

  • تراجع حاد في مبيعات التجزئة.

  • تسجيل انكماش في القروض الجديدة باليوان للمرة الأولى منذ 20 عامًا.

إجراءات تحفيزية موجهة

  • أعلنت بكين تقديم إعانات فائدة للشركات في ثمانية قطاعات خدمية لدعم الاستهلاك.

  • يرى اقتصاديون أن التركيز سينصب أكثر على سوق العقارات والطلب الاستهلاكي، مع احتمال خفض الفائدة بمقدار 10 نقاط أساس في الربع الرابع، وخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي بـ50 نقطة أساس.

 

أكدت صحيفة «الشعب» الرسمية على ضرورة تعزيز الجهود الكلية وزيادة مرونة السياسات لمواجهة التغيرات الخارجية، مع التشديد على استمرارية واستقرار النهج الحالي.

 

قراءة تحليلية: المشهد النقدي العالمي في مفترق طرق

  • نيوزيلندا تتحرك بسرعة نحو التيسير لتعويض ضعف الاقتصاد المحلي والركود، مستفيدة من استقرار التضخم.

  • السويد تتبنى نهجًا متوازنًا، حيث تدرك أن التضخم ما زال ضاغطًا، لكنها لا تستبعد خفضًا إضافيًا لدعم الاقتصاد المتباطئ.

  • الصين تركز على سياسات انتقائية بدلًا من الخفض الشامل للفائدة، لتفادي مخاطر تراكم السيولة غير المنتجة، مع مواصلة دعم القطاعات الاستراتيجية.

هذا التباين يعكس حقيقة أن الدورة النقدية العالمية لم تعد متناغمة، إذ تختلف أولويات البنوك المركزية تبعًا لظروف اقتصاداتها المحلية، وهو ما قد يخلق تذبذبات أكبر في أسواق العملات ورؤوس الأموال خلال الأشهر المقبلة.

تم التحديث في: الأربعاء, 20 آب 2025 11:38
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول