أسعار النفط تتراجع وسط آمال باتفاق نووي بين واشنطن وطهران وزيادة في المخزونات الأميركية

شهدت أسعار النفط العالمية تراجعاً حاداً خلال تعاملات الخميس، 15 مايو، متأثرة بتقارير تشير إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة، وهو ما قد يمهد الطريق لعودة النفط الإيراني بكثافة إلى السوق العالمية.

وجاء هذا التراجع أيضاً في أعقاب بيانات حكومية أظهرت ارتفاعاً كبيراً في مخزونات الخام الأميركية، مما ضاعف الضغوط على الأسعار في وقت تتأرجح فيه السوق بين آمال التهدئة الجيوسياسية ومخاوف تخمة المعروض. ورغم الهبوط الأخير، يبقى النفط في دائرة الاهتمام الاستثماري نظراً للتداخل الحاد بين العوامل السياسية والاقتصادية في تسعير الخام العالمي خلال الفترة المقبلة.

أداء أسعار النفط خلال تداولات اليوم

تراجعت أسعار النفط بشكل واضح خلال جلسة الخميس، حيث انخفض خام برنت بنسبة 2.5% ليسجل 64.44 دولاراً للبرميل، بينما هبط خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 2.6% ليصل إلى 61.51 دولاراً للبرميل.

وتُعد هذه التراجعات امتداداً لانخفاض سابق شهدته السوق في جلسة الأربعاء، عندما خسر خام غرب تكساس نحو 0.8% من قيمته، ما يؤشر إلى موجة تصحيحية واضحة بعد أربعة أيام من الارتفاع المتتالي دفعت الأسعار إلى تحقيق مكاسب بنحو 10%.

هذا التراجع جاء في توقيت حساس للأسواق، حيث باتت حركة الأسعار أكثر تأثراً بالتطورات السياسية والدبلوماسية، خصوصاً ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، إضافة إلى المؤشرات المتعلقة بحجم العرض والطلب في أكبر سوق للطاقة في العالم: الولايات المتحدة.

تطورات ملف إيران النووي

برزت تقارير صحفية نقلتها شبكة "NBC" الأميركية تفيد بأن إيران أبدت استعدادها لتقديم تنازلات مهمة في ملفها النووي، من بينها التخلي عن تطوير الأسلحة النووية مقابل رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة. وصرّح علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، أن طهران "منفتحة على التفاوض ضمن شروط عادلة".

مثل هذه التصريحات أثارت تفاؤلاً واسعاً في الأسواق بشأن احتمالية عودة الإمدادات الإيرانية، خاصة أن إيران تملك قدرة إنتاجية تقارب 3.8 مليون برميل يومياً، منها أكثر من مليون برميل خارج السوق حالياً بسبب العقوبات وبالتالي، فإن رفع العقوبات سيمثل تدفقاً فورياً ومؤثراً على العرض العالمي.

قد يهمك : دليل شامل عن النفط السلعة الأكثر تداولاً في العالم وكيفية الاستثمار بها

الموقف الأميركي والخليجي من المفاوضات

في مقابل هذا الانفتاح الإيراني، أبدت إدارة الرئيس الأميركي إشارات إيجابية نحو إمكانية استئناف الاتفاق النووي (الذي تم التوصل إليه أول مرة عام 2015). وعلى الجانب الخليجي، أعرب وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، عن دعم بلاده الكامل للمفاوضات النووية، معبّراً عن أمله في أن تسفر عن نتائج إيجابية تضمن الاستقرار الإقليمي.

لكن في تناقض واضح، فرضت وزارة الخزانة الأميركية يوم الأربعاء عقوبات جديدة على قطاعات تتعلق بتصنيع الصواريخ الباليستية في إيران، كما استهدفت يوم الثلاثاء نحو 20 شركة يُشتبه بتورطها في شبكة تصدير غير قانوني للنفط الإيراني إلى الصين. هذا التناقض يخلق حالة من الغموض في السوق، بين احتمالية رفع العقوبات من جهة، وتصعيد الإجراءات الاقتصادية من جهة أخرى.

بيانات المخزون الأميركي

أظهرت البيانات الأسبوعية الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية ارتفاع مخزونات النفط الخام بمقدار 3.5 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 9 مايو، لتصل إلى 441.8 مليون برميل. ويأتي هذا الارتفاع بعكس التوقعات التي رجّحت هبوطاً قدره 1.1 مليون برميل، ما يشير إلى احتمال وجود ضعف في الطلب أو زيادة في الإنتاج المحلي.

هذا الارتفاع الحاد في المخزونات أعاد التذكير بهشاشة التوازن بين العرض والطلب في السوق الأميركية، خصوصاً في ظل تعافي الإنتاج المحلي وارتفاع معدلات التشغيل في مصافي التكرير الأميركية، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات تراجع الأسعار إذا استمرت الزيادات في المخزون خلال الأسابيع المقبلة.

نظرة منظمة أوبك إلى الطلب العالمي على النفط

في تقريرها الشهري، أبقت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" على توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط خلال عام 2025 عند 1.3 مليون برميل يومياً كما توقعت نمواً محدوداً قدره 0.1 مليون برميل يومياً في الطلب بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وتأتي هذه التقديرات في ظل مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي، وظهور علامات على تعثر الطلب في الأسواق المتقدمة، إضافة إلى دخول مصادر طاقة بديلة تدريجياً إلى مزيج الطاقة العالمي، مما يجعل توقعات أوبك أكثر تحفظاً مقارنة بالسنوات الماضية.

الإنتاج الإيراني والتهديد بتخمة جديدة في السوق العالمية

تشير التقديرات إلى أن إيران تملك قدرة على ضخ ما يصل إلى 1.5 إلى 2 مليون برميل يومياً في حال تم رفع العقوبات عنها. وتزامناً مع قيام تحالف "أوبك+" الشهر الماضي بإعادة ضخ كميات كانت متوقفة منذ عام 2022، فإن أي زيادة مفاجئة من جانب إيران قد تؤدي إلى تخمة في المعروض العالمي خلال النصف الثاني من العام.

هذا الاحتمال يثير قلق المنتجين الكبار مثل السعودية وروسيا، الذين يعولون على استقرار الأسعار عند مستويات تضمن استدامة استثماراتهم في الطاقة. كما أن شركات النفط الصخري الأميركية قد تتأثر بتقلبات السوق إذا أدت التخمة إلى هبوط طويل الأمد في الأسعار.

رغم التراجع الحالي، إلا أن أسعار النفط ما زالت منخفضة بنحو 13% منذ بداية العام، وسط غياب رؤية واضحة لمستقبل السوق. ويُجمع عدد من كبار المنتجين الأميركيين على أن الأسعار قد لا تشهد ارتفاعات ملحوظة قبل نهاية العام، في ظل وفرة المعروض العالمي وصعوبة التنبؤ بالسياسات الجيوسياسية.

وتسود حالة من الترقب في الأسواق، خاصة مع انتظار نتائج المحادثات النووية، وتطورات المخزون الأميركي، وبيانات الطلب في الصين – أكبر مستورد للنفط في العالم.

خاتمة: إلى أين تتجه أسعار النفط؟

السوق النفطية تمر حالياً بمرحلة حساسة، تتقاطع فيها العوامل السياسية والدبلوماسية مع المؤشرات الاقتصادية والتجارية. وبين احتمالات انفراج في العلاقات الأميركية الإيرانية وعودة ضخمة للنفط الإيراني، وبيانات مفاجئة من المخزونات الأميركية، يقف المستثمرون أمام معادلة معقدة، تفرض الحذر وترقب الخطوة التالية سواء من أوبك، أو من واشنطن وطهران.

السؤال المطروح الآن: هل نشهد قريباً دورة هبوط جديدة، أم أن السوق ستتمكن من امتصاص هذه الصدمات والمضي نحو توازن جديد؟