البيتكوين يواصل مكاسبه ويقترب من من أعلى مستوى له في 4 أشهر مدعومًا بالتفاؤل التجاري

ارتفع سعر البيتكوين، أكبر العملات المشفرة في العالم من حيث القيمة السوقية، خلال تعاملات يوم الاثنين ليحوم بالقرب من أعلى مستوياته منذ أربعة أشهر.

وجاء هذا الصعود مدعومًا بمجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها تخفيف حدة التوترات التجارية العالمية، تحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية، وتزايد الإقبال المؤسسي على العملات الرقمية، إلى جانب تأثير خفض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة من قبل وكالة موديز.

كما أثارت حالة التفاؤل الحذر في السوق موجة من الشهية تجاه الأصول عالية المخاطر، ما منح البيتكوين دفعة إضافية نحو مستويات قياسية جديدة.

أداء سعر البيتكوين اليوم

شهدت العملة الرقمية البيتكوين ارتفاعًا بنسبة 1.18% لتسجل 102,211 دولار بحلول الساعة 10:00 صباحًا بتوقيت تركيا، بعدما قفزت في وقت سابق من الجلسة فوق مستوى 107,000 دولار، وهو أعلى مستوى تسجله منذ أواخر يناير 2025.

وبهذا الأداء القوي، باتت العملة المشفرة على مشارف تجاوز أعلى مستوى تاريخي لها على الإطلاق البالغ 109,228 دولار.

هذا الصعود الحاد يأتي امتدادًا لاتجاه صاعد بدأ منذ بداية الشهر الجاري، حيث ارتفعت العملة بأكثر من 11% منذ مطلع مايو، مدفوعة بجملة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية.

تفاؤل حذر في الأسواق وسط تهدئة التوترات التجارية بين واشنطن وبكين

يأتي ارتفاع البيتكوين الأخير في سياق حالة من التفاؤل الحذر التي تسود الأسواق العالمية، خاصة بعد أن أحرزت المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تقدمًا ملموسًا. هذا التقدم ساهم في تهدئة المخاوف من استمرار الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، والتي لطالما ألقت بظلالها على استقرار الأسواق العالمية.

وقد أعلن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت يوم الأحد أن بلاده تتوقع التوصل إلى عدة اتفاقيات تجارية إقليمية خلال فترة تعليق الرسوم الجمركية التي تمتد لـ90 يومًا. وأكد الوزير أن توقيت تطبيق أي تعريفات جمركية إضافية سيتوقف على مدى جدية الدول الأخرى في التفاوض بحسن نية.

مثل هذه التصريحات ساعدت على تقليل حالة عدم اليقين، وشجعت المستثمرين على العودة إلى الأصول ذات المخاطر العالية، مثل العملات المشفرة، في ظل توقعات بانفراج نسبي في المشهد التجاري العالمي.

انخفاض التضخم الأمريكي يدعم التوقعات بخفض أسعار الفائدة

إلى جانب التحسن في العلاقات التجارية، جاءت بيانات التضخم الأخيرة من الولايات المتحدة لتدعم آفاق خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي لاحقًا هذا العام. فقد أظهرت البيانات تراجعًا في وتيرة التضخم، مما عزز التوقعات بتوجه البنك المركزي الأميركي نحو سياسة نقدية أكثر تيسيرًا.

ومعروف أن تراجع التضخم واحتمال خفض الفائدة يؤديان عادة إلى ضعف الدولار الأمريكي، ما يزيد من جاذبية الأصول البديلة مثل البيتكوين، الذي يُنظر إليه أحيانًا على أنه مخزن للقيمة أو تحوط ضد انخفاض قيمة العملة.

ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة بشأن إمكانية عودة التضخم للارتفاع، خاصةً إذا ما تم استئناف فرض الرسوم الجمركية بشكل مكثف، مما قد يعيد الضغوط السعرية إلى الواجهة.

التبني المؤسسي يتوسع

من العوامل المهمة الأخرى التي ساهمت في صعود البيتكوين، هو تنامي حجم الاستثمارات المؤسسية في سوق العملات الرقمية. فقد أعلنت شركة Strategy Inc مؤخرًا عن شرائها لما مجموعه 13,390 وحدة بيتكوين بقيمة إجمالية تبلغ نحو 1.34 مليار دولار، في خطوة تعكس تنامي ثقة المؤسسات الكبرى في البيتكوين كأصل استثماري استراتيجي طويل الأجل.

وتؤشر هذه الخطوة إلى تحول في نظرة القطاع المالي التقليدي للعملات المشفرة، حيث أصبحت جزءًا من الاستراتيجيات الاستثمارية لبعض الشركات الكبرى، وليس مجرد أداة مضاربية.

دعم تنظيمي من هيئة الأوراق المالية الأمريكية يعزز الثقة في السوق

عززت الأسواق الرقمية من جاذبيتها بفضل مؤشرات على تحسن البيئة التنظيمية في الولايات المتحدة، لا سيما بعد أن تولى بول أتكينز رئاسة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC)، والذي يُنظر إليه على أنه أكثر انفتاحًا على صناعة الأصول الرقمية.

وقد ساهمت هذه التطورات في تخفيف المخاوف بشأن الإجراءات التنظيمية الصارمة، وشجعت مزيدًا من المؤسسات والمستثمرين الأفراد على دخول سوق العملات المشفرة.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن منصة التداول الرقمية "كوين بيز (Coinbase)" أصبحت أول شركة أصول رقمية تنضم إلى مؤشر S&P 500، مما يعكس تحولًا كبيرًا في النظرة المؤسسية للقطاع الرقمي ككل.

خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة يعزز التوجه نحو الأصول البديلة

وفي تطور موازٍ، قررت وكالة موديز (Moody’s) خفض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة، وهو ما أثار قلقًا في الأسواق المالية ودفع عددًا من المستثمرين للبحث عن أصول بديلة تحمي ثرواتهم من تبعات تدهور الجدارة الائتمانية لأكبر اقتصاد في العالم.

وقد ساعد هذا الحدث في تعزيز الطلب على البيتكوين، الذي يعتبره بعض المستثمرين وسيلة تحوط ضد اضطرابات الاقتصاد الكلي، والشكوك المتعلقة بالديون السيادية.

أداء العملات الرقمية الأخرى

بينما استمر البيتكوين في تسجيل مكاسب قوية، كانت العملات الرقمية البديلة الأخرى (altcoins) أكثر هدوءًا خلال تعاملات يوم الاثنين، خاصةً بعد أسبوع شهد تقلبات عنيفة.

• الإيثريوم (ETH)، ثاني أكبر عملة مشفرة من حيث القيمة السوقية، تراجعت بنسبة 3.2% لتسجل 2,401.45 دولار.

• في المقابل، ارتفعت عملة الريبيل XRP بنسبة 0.7% لتصل إلى 2.3754 دولار، محافظةً على موقعها كثالث أكبر عملة مشفرة في السوق.

هذا التباين في أداء العملات البديلة يعكس استمرار هيمنة البيتكوين على السوق من حيث الثقة والسيولة، لا سيما في فترات التحول الكبرى في المشهد الاقتصادي أو الجيوسياسي.

الخلاصة: بيتكوين في موقع قوة لكن الحذر لا يزال مطلوبًا

تظهر مكاسب البيتكوين الأخيرة نتيجة تفاعل عدة عوامل متشابكة، تشمل التفاؤل الجيوسياسي، انخفاض التضخم، توقعات خفض الفائدة، التوسع المؤسسي، وتغير البيئة التنظيمية في الولايات المتحدة.

وبينما يرى بعض المحللين أن العملة المشفرة قد تكون على أعتاب تسجيل قمم تاريخية جديدة، إلا أن استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي يستدعي توخي الحذر.

مع دخول المستثمرين المؤسسيين بقوة، وتزايد الاعتراف الرسمي بالعملات الرقمية، يبدو أن البيتكوين يخطو خطوات إضافية نحو التحول من مجرد "عملة رقمية" إلى أصل استثماري رئيسي في الأسواق العالمية.