الدولار النيوزيلندي يتراجع وسط تباطؤ التضخم وتزايد رهانات خفض الفائدة في أغسطس

شهد الدولار النيوزيلندي تراجعاً ملحوظاً في تعاملات بداية الأسبوع، مع صدور بيانات التضخم التي جاءت أقل من التقديرات، ما عزز التوقعات المتزايدة بإقدام البنك الاحتياطي النيوزيلندي على خفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل.

وأدى هذا التراجع إلى زيادة تقلبات السوق، وسط متابعة حثيثة من قبل المستثمرين العالميين للسياسات النقدية في منطقة الأوقيانوسيا، لا سيما مع مؤشرات متزايدة على دخول دورة جديدة من التيسير النقدي في نيوزيلندا وأستراليا في آن واحد.

أداء الدولار النيوزيلندي اليوم

في أسواق العملات، انخفض الدولار النيوزيلندي بنسبة 0.3% إلى 0.5941 دولار أميركي، ممدداً خسائره للأسبوع الرابع على التوالي وتأتي هذه الخسائر بعد أن فقد نحو 0.8% من قيمته الأسبوع الماضي، ما يجعله يبتعد بنحو 3% عن أعلى مستوى له خلال تسعة أشهر والذي بلغ 0.6120 دولار.

وبالنظر إلى التحليل الفني، يبرز مستوى الدعم الفوري عند 0.5906 دولار، وهو أدنى مستوى تم تسجيله الأسبوع الماضي، فيما تظل المقاومة عند منطقة 0.6000 التي مثلت حاجزًا نفسيًا ومهمًا خلال الأشهر الماضية.

أظهرت البيانات الرسمية الصادرة يوم الاثنين أن معدل التضخم السنوي في نيوزيلندا بلغ 2.7% خلال الربع الثاني من عام 2025، وهو أعلى معدل سنوي منذ عام، إلا أن الرقم جاء دون التوقعات التي كانت تشير إلى ارتفاع بنسبة 2.8%.

ويعكس هذا الارتفاع في التضخم مساهمات من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والكهرباء، وخدمات البث، إلا أن وتيرة الصعود ظلت أقل من المتوقعة، ما أثار تساؤلات حول استمرارية الزخم التضخمي.

الأهم من ذلك، أن معدل التضخم الأساسي – الذي يستثني السلع المتقلبة ويُستخدم لقياس الضغوط الداخلية – تراجع إلى 3.7%، من 4% في الربع الأول، مما يؤكد أن الزخم التضخمي المحلي آخذ في الانحسار، وهو ما يعطي مساحة أوسع للبنك المركزي للتحرك نحو تخفيف القيود النقدية.

تحليل "سيتي غروب"

في مذكرة تحليلية لعملائها، أوضح محللو "سيتي غروب" أن البيانات الأخيرة لا توفر إشارات على تصاعد ضغوط الأسعار، وجاء في المذكرة:

"معدل التضخم لم يشهد ارتفاعاً ملحوظاً كما كان متوقعاً، وهو ما يمنح لجنة السياسة النقدية في البنك الاحتياطي النيوزيلندي مبرراً لتقليص التوقعات بعودة التضخم إلى الحد الأعلى من النطاق المستهدف بين 1% و3% خلال هذا العام".

وخلص المحللون إلى أن هذا التراجع الملحوظ قد يدفع البنك المركزي لاستئناف دورة التيسير النقدي خلال اجتماعه المقبل في 20 أغسطس (آب)، وهي خطوة كانت حتى وقت قريب مستبعدة من قبل الكثير من المراقبين.

رد فعل السوق: السندات ترتفع، والعوائد تنخفض

أسواق السندات المحلية كانت أول من استجاب لهذا التغيير في المزاج الاقتصادي، حيث:

• تراجعت معدلات المبادلة لأجل عامين بمقدار 6 نقاط أساس لتسجل 3.115%، وهو أدنى مستوى لها منذ منتصف مايو.

• انخفضت عوائد السندات الحكومية لأجل 10 سنوات بمقدار 4 نقاط أساس لتصل إلى 4.595%، ما يعكس قناعة المستثمرين بأن أسعار الفائدة ستنخفض قريباً.

كما ارتفعت رهانات السوق على خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في أغسطس إلى 75%، مقارنة بـ61% فقط قبل صدور بيانات التضخم، في تحول كبير خلال أقل من 24 ساعة.

الدولار الأسترالي بين الاستقرار والضغوط السياسية والاقتصادية

أما الدولار الأسترالي، فقد استقر عند 0.6510 دولار أميركي بعد أسبوع خاسر فقد فيه أكثر من 1% من قيمته، ولامس فيه أدنى مستوى عند 0.6455 ويستند حالياً إلى دعم تقني عند 0.6500 دولار، وهو مستوى مهم يمثل الحد الفاصل بين الاستمرار في التراجع أو الدخول في موجة ارتداد فني مؤقتة.

مقابل الين الياباني، تراجع الدولار الأسترالي بنسبة 0.3% ليصل إلى 96.61 ين، مع عودة الين إلى التعافي بعد نتائج الانتخابات اليابانية التي أظهرت فقدان الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا أغلبيته في مجلس الشيوخ، وهو سيناريو كانت الأسواق تتوقعه بحسب استطلاعات الرأي.

محضر البنك المركزي الأسترالي وخطاب بولوك

تترقب الأسواق عن كثب محضر اجتماع البنك الاحتياطي الأسترالي لشهر يوليو، والمقرر نشره يوم الثلاثاء، حيث من المتوقع أن يكشف عن الانقسام النادر في وجهات النظر بين صانعي السياسة النقدية بشأن مستقبل أسعار الفائدة. وكان البنك قد قرر تثبيت الفائدة عند 3.85%، رغم ظهور مؤشرات على تباطؤ سوق العمل والنشاط الاقتصادي.

وسيكون خطاب ميشيل بولوك، محافظة البنك الاحتياطي الأسترالي، يوم الخميس خلال مأدبة خيرية لمؤسسة "أنيكا"، حدثًا آخر ذا أهمية، إذ سيحاول المستثمرون استشفاف توجهات البنك من تصريحاتها، خاصة في ظل تسعير الأسواق احتمال خفض الفائدة في أغسطس بنسبة 90%، بدعم من تقرير الوظائف الضعيف الصادر الأسبوع الماضي.

وعبر بحر تسمان، سيلقي بول كونواي، كبير الاقتصاديين في البنك الاحتياطي النيوزيلندي، خطابًا يوم الخميس عند الساعة 11:30 صباحًا بالتوقيت المحلي، لمناقشة الآثار الاقتصادية للرسوم الجمركية في نيوزيلندا. وتُعتبر هذه المناسبة منصة يمكن من خلالها تقديم تلميحات إضافية عن السياسة الاقتصادية العامة والتوجهات النقدية المستقبلية للبنك.

الختام: الدولار النيوزيلندي في مرمى تقلبات السياسة النقدية العالمية

في ضوء هذه التطورات، من الواضح أن الدولار النيوزيلندي دخل مرحلة دقيقة من إعادة التقييم، مع ترجيح متزايد بأن البنك الاحتياطي النيوزيلندي سيبدأ قريباً دورة خفض أسعار الفائدة. وإذا ما تم تأكيد هذا الاتجاه في الخطابات الرسمية والتقارير الاقتصادية المرتقبة، فقد يشهد الدولار النيوزيلندي مزيدًا من الضغوط البيعية، وسط مراقبة الأسواق لأي إشارات حول حجم وتيرة الخفض المرتقبة.

وفي المقابل، تظل العملات المرتبطة بالنمو مثل الدولار الأسترالي عرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية، خصوصًا في ظل تراجع البيانات الاقتصادية وضعف التوظيف، مما قد يضع البنك الاحتياطي الأسترالي بدوره في موقف مشابه لنظيره النيوزيلندي.

الجدول الزمني لأهم الأحداث الاقتصادية المرتقبة