- الرئيسية
- الأخبار
- أخبار العملات والعملات الرقمية
- الدولار النيوزيلندي يهبط لأدنى مستوى في 6 أشهر وسط تجدد التوترات التجارية وتزايد رهانات خفض الفائدة
الدولار النيوزيلندي يهبط لأدنى مستوى في 6 أشهر وسط تجدد التوترات التجارية وتزايد رهانات خفض الفائدة

شهد الدولار النيوزيلندي خلال تداولات الأسبوع الحالي هبوطًا ملحوظًا أعاده إلى أدنى مستوى له منذ ستة أشهر، متأثرًا بتجدد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، اللتين تُعدّان أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، وتربطهما علاقات اقتصادية وتجارية وثيقة مع نيوزيلندا.
هذا التراجع يأتي في وقت يواجه فيه الاقتصاد النيوزيلندي تحديات متعددة، من تباطؤ الطلب الصيني إلى ضعف الصادرات الزراعية وارتفاع معدلات التضخم العالمية، مما دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم توقعاتهم بشأن السياسة النقدية لبنك الاحتياطي النيوزيلندي (RBNZ).
وبينما تحاول السلطات النقدية في نيوزيلندا تحقيق توازن دقيق بين مكافحة التضخم ودعم النمو الاقتصادي، تبدو الأسواق متيقّنة بشكل شبه كامل من أن المزيد من التيسير النقدي قادم في الأفق القريب، خصوصًا في ظل تراجع العملة المحلية وارتفاع المخاطر الجيوسياسية العالمية.
أداء الدولار النيوزيلندي اليوم
سجّل الدولار النيوزيلندي انخفاضًا ملحوظًا خلال التعاملات الآسيوية ليوم الثلاثاء، حيث تراجع بنسبة تقارب 0.45% أمام الدولار الأمريكي ليصل إلى 0.5704، وهو أدنى مستوى له منذ أبريل الماضي، بعد أن افتتح التداولات عند 0.5726، وسجّل أعلى مستوى خلال الجلسة عند 0.5729.
ويأتي هذا التراجع بعد مكسب محدود يوم الاثنين بلغت نسبته نحو 0.1% أمام الدولار الأمريكي، وهو أول ارتفاع تسجله العملة النيوزيلندية في غضون خمسة أيام من التداولات المتتالية الهابطة، ضمن ما يُعرف بحركة "التقاط الأنفاس" بعد سلسلة من الخسائر القوية التي أضعفت ثقة المستثمرين في أداء العملة.
ويشير هذا الأداء إلى أن الضغوط البيعية على الدولار النيوزيلندي لا تزال مستمرة، مدفوعةً بمجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية، وعلى رأسها تصاعد الخلافات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والتي تُعد السوق الصينية فيها وجهة رئيسية لصادرات نيوزيلندا من منتجات الألبان واللحوم والفواكه، وهي صادرات تمثل العمود الفقري للاقتصاد النيوزيلندي.
تجدد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين
تجددت حالة القلق في الأسواق العالمية بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة الماضي، حين أعلن أن الولايات المتحدة تعتزم رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 100% اعتبارًا من الأول من نوفمبر المقبل، ما لم تتراجع بكين عن القيود الجديدة التي فرضتها على تصدير عناصر الأرض النادرة، وهي معادن أساسية تدخل في صناعة الإلكترونيات الحديثة، والرقائق الدقيقة، والمركبات الكهربائية، ومعدات الطاقة النظيفة.
من جانبها، دافعت الحكومة الصينية عن هذه القيود معتبرةً أنها إجراء ضروري لحماية مصالحها الوطنية وضمان استدامة الموارد الطبيعية لديها، لكنها في الوقت نفسه تجنّبت اتخاذ إجراءات انتقامية مباشرة عبر فرض رسوم مضادة على السلع الأمريكية، في إشارة إلى رغبتها في تجنّب اندلاع جولة جديدة من الحرب التجارية التي سبق أن ألحقت خسائر بمليارات الدولارات بالاقتصاد العالمي خلال الفترة ما بين عامي 2018 و2020.
ويُذكر أن نيوزيلندا كانت من أكثر الدول المتأثرة بتلك الحرب التجارية في السابق، حيث شهد الدولار النيوزيلندي حينها هبوطًا تجاوز 10% مقابل الدولار الأمريكي نتيجة انخفاض الطلب الصيني على الواردات الزراعية.
واليوم، يبدو أن السيناريو يتكرر مع عودة التوترات، ما يعيد الضغط مجددًا على الاقتصاد النيوزيلندي الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات إلى آسيا، خصوصًا الصين التي تمثل نحو 28% من إجمالي الصادرات النيوزيلندية.
رد فعل بنك الاحتياطي النيوزيلندي
في مواجهة هذه الضغوط، أقدم بنك الاحتياطي النيوزيلندي (RBNZ) الأسبوع الماضي على خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 50 نقطة أساس ليصل إلى 2.50%، وهو أدنى مستوى منذ يوليو 2022، متجاوزًا توقعات المحللين الذين كانوا يرجحون خفضًا أكثر تواضعًا بمقدار 25 نقطة أساس فقط.
ويُعد هذا الخفض الثامن على التوالي في دورة التيسير النقدي التي بدأها البنك منذ نحو عام، بهدف دعم النمو الاقتصادي وتشجيع الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري في ظل بيئة عالمية مضطربة.
وأكد البنك في بيانه الرسمي أن لجنة السياسة النقدية منفتحة على مزيد من التخفيضات في حال تطلّب الأمر ذلك، مشيرًا إلى أن الأولوية حاليًا هي ضمان استقرار التضخم ضمن النطاق المستهدف بين 1% و3%، وبشكل مستدام قريب من النسبة المتوسطة البالغة 2% على المدى المتوسط.
كما أشار مسؤولو البنك إلى أن التحديات العالمية، بما في ذلك ضعف الطلب الصيني، والتقلبات في أسعار السلع، وتراجع التجارة الدولية، تجعل من الضروري إبقاء السياسة النقدية في وضع تيسيري لفترة أطول.
وبناءً على ذلك، تُظهر البيانات في سوق العقود الآجلة أن احتمالات خفض إضافي في أسعار الفائدة النيوزيلندية بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماع نوفمبر تجاوزت 95%، مع توقعات بأن يصل المعدل الأساسي إلى 2.0% بنهاية العام الجاري 2025، إذا استمرت الضغوط الاقتصادية العالمية.
نظرة تاريخية على تراجع الدولار النيوزيلندي
لم يكن التراجع الحالي للدولار النيوزيلندي حدثًا استثنائيًا، بل يأتي امتدادًا لمسار تاريخي من التقلبات التي عرفتها العملة منذ إصدارها لأول مرة عام 1967 بعد إلغاء ربط الدولار النيوزيلندي بالجنيه الإسترليني.
-
في الثمانينات والتسعينات: عُرفت نيوزيلندا بإصلاحاتها الاقتصادية الجذرية التي حولت اقتصادها من اقتصاد مغلق إلى سوق مفتوحة، ما جعل الدولار النيوزيلندي أحد أكثر العملات تقلبًا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
-
في عام 2008: ومع الأزمة المالية العالمية، انخفضت العملة بشكل حاد بأكثر من 25% أمام الدولار الأمريكي، بسبب هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة إلى الملاذات الآمنة.
-
في عام 2015: شهد الدولار النيوزيلندي موجة تراجع جديدة مع انهيار أسعار الألبان، أهم صادرات البلاد، حيث فقد نحو 15% من قيمته في أقل من عام.
-
في 2018-2019: أدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى هبوط العملة مجددًا مع تراجع الصادرات إلى آسيا.
-
في 2020: خلال جائحة كوفيد-19، وصل الدولار النيوزيلندي إلى أدنى مستوياته منذ عقد، قبل أن يتعافى لاحقًا مع إعادة فتح الاقتصاد العالمي.
-
في 2025: يعود المشهد ذاته، حيث تهبط العملة مرة أخرى تحت وطأة التوترات التجارية المتجددة والضغوط على أسعار السلع الأساسية.
هذه التقلبات تعكس هشاشة الدولار النيوزيلندي أمام التغيرات في الاقتصاد العالمي، إذ تعتبر نيوزيلندا من الاقتصادات الصغيرة المفتوحة التي تتأثر سريعًا بأي تغير في التجارة أو السياسات النقدية العالمية.
تحليل اقتصادي وتوقعات مستقبلية
تتوقع الأسواق أن يظل الدولار النيوزيلندي تحت ضغط مستمر في المدى القصير إلى المتوسط، خاصة في ظل التوترات التجارية القائمة، وضعف النمو في الصين، وارتفاع احتمالات خفض الفائدة أكثر خلال الأشهر المقبلة.
ويرى محللون في مؤسسات مالية كبرى مثل بلومبيرغ ورويترز أن العملة قد تهبط إلى مستويات 0.56 أو حتى 0.55 مقابل الدولار الأمريكي في حال فشل المفاوضات بين الولايات المتحدة والصين أو تدهورت مؤشرات التجارة العالمية.
في المقابل، يرى آخرون أن أي انفراج في العلاقات التجارية بين القوتين الاقتصاديتين، إلى جانب تحسن مؤشرات الاقتصاد المحلي، قد يمنح الدولار النيوزيلندي فرصة للتعافي التدريجي.
كما أن البيانات الاقتصادية المرتقبة حول التضخم والبطالة والنمو المحلي في نيوزيلندا ستلعب دورًا رئيسيًا في توجيه توقعات المستثمرين. فارتفاع معدلات البطالة أو انخفاض التضخم دون المتوقع سيعزز الرهانات على خفض إضافي للفائدة، بينما قد يؤدي تحسن الأرقام إلى تقليص هذه التوقعات.
التحليل الفني: مستويات الدعم والمقاومة
من الناحية الفنية، يواجه الزوج NZD/USD دعمًا قويًا عند مستوى 0.5680، وهو أدنى قاع تم تسجيله في أبريل الماضي. كسر هذا المستوى قد يفتح الطريق نحو 0.5600 ثم 0.5520 كمستويات دعم تالية.
أما على الجانب الصعودي، فإن المقاومة الأولى تقع عند 0.5750، يليها 0.5820، وهي مستويات قد تعيق أي محاولات تعافٍ مؤقتة في حال استمرار الزخم السلبي في السوق.
المؤشرات الفنية مثل مؤشر القوة النسبية (RSI) تشير إلى أن العملة دخلت منطقة البيع المفرط، ما قد يدفع بعض المستثمرين إلى الشراء على المدى القصير بحثًا عن فرص تصحيح فني، إلا أن الاتجاه العام لا يزال هابطًا بوضوح.
خلاصة
إن ما يحدث للدولار النيوزيلندي اليوم هو نتاج تفاعل معقد بين عوامل داخلية وخارجية، تتراوح بين الضغوط التجارية العالمية، وتباطؤ الطلب الصيني، والسياسات النقدية التيسيرية في نيوزيلندا. ومع تزايد رهانات الأسواق على خفض الفائدة في الأشهر المقبلة، تبدو التوقعات قصيرة الأجل للعملة النيوزيلندية سلبية إلى حد كبير.
ومع ذلك، فإن أي انفراج محتمل في العلاقات التجارية الأمريكية الصينية، أو تحسن في بيانات الاقتصاد المحلي، يمكن أن يغيّر مسار العملة تدريجيًا نحو الاستقرار والتعافي على المدى الطويل، خاصة وأن الاقتصاد النيوزيلندي لا يزال يتمتع بأساسيات قوية في قطاعات الزراعة والتصدير، والتي قد تعود للانتعاش متى ما استقرت البيئة العالمية.