اليورو يتراجع لأدنى مستوياته في 5 أسابيع والدولار يقفز بدعم من الاتفاق التجاري الأمريكي الصيني

شهدت الأسواق المالية العالمية تحولات حادة مع بداية الأسبوع، حيث انخفض اليورو إلى أدنى مستوياته منذ خمسة أسابيع مقابل الدولار الأمريكي، بينما حققت العملة الأمريكية قفزة قوية بدعم من اتفاق تجاري تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة والصين خلال عطلة نهاية الأسبوع.

 

وقد انعكست هذه التطورات على معظم العملات الرئيسية والثانوية، وسط تفاؤل الأسواق بانفراج في التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، مما خفف من مخاوف الركود وفتح المجال أمام تحركات سعرية عنيفة في سوق الصرف الأجنبي.

اتفاق تجاري أمريكي صيني يدعم الدولار بقوة

في خطوة وصفت بأنها انفراجة كبيرة في الحرب التجارية الممتدة منذ سنوات، أعلن البيت الأبيض يوم الأحد عن التوصل إلى اتفاقية تجارية مبدئية مع الصين بعد مفاوضات مكثفة جرت بين كبار المسؤولين الأمريكيين والصينيين في مدينة جنيف السويسرية. وتضمنت هذه الاتفاقية وقف تصعيد الرسوم الجمركية المتبادلة بين البلدين لمدة 90 يوماً، مما أرسل إشارات إيجابية إلى الأسواق المالية.

 

ووفقاً لما ورد في البيان المشترك النادر الصادر عن الطرفين، فقد تم الاتفاق على خفض الرسوم الأمريكية على الواردات الصينية إلى 30%، في حين خفضت بكين الرسوم على السلع الأمريكية إلى 10%. ويأتي هذا التطور بعد فترة طويلة من التصعيد، كان خلالها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد رفع الرسوم إلى 145%، ما دفع الصين إلى الرد برسوم انتقامية وصلت إلى 125%.

 

الردود الإيجابية في الأسواق لم تتأخر، حيث بدأ المستثمرون يتوقعون أن الاتفاق قد يخفف من الأعباء الملقاة على النمو الاقتصادي العالمي، ويمنح الدولار الأمريكي دفعة قوية في مواجهة سلة العملات العالمية، لا سيما في ظل استبعاد حدوث ركود اقتصادي واسع النطاق في الولايات المتحدة على المدى القريب.

أداء الدولار الأمريكي واليورو اليوم

قفز مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بأكثر من 1.25% يوم الاثنين، ليصل إلى 101.71 نقطة، وهو أعلى مستوى للمؤشر منذ خمسة أسابيع. هذا الصعود القوي يعكس تحوّلاً واضحاً في معنويات المستثمرين، الذين عادوا إلى شراء الدولار كعملة ملاذ واستثمار آمن في ظل تخفيف المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية.

 

وعلى الرغم من هذا الارتفاع، لا يزال المؤشر منخفضاً بأكثر من 3% مقارنة بمستوياته في الثاني من أبريل، حين أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك ما يعرف بـ"يوم التحرير" الاقتصادي، والذي شهد تحولات كبيرة في السياسة التجارية.

 

محللو مؤسسة ING علقوا على هذه التطورات بالقول:

 

"لقد أكدنا مراراً في الأسابيع الأخيرة أن الدولار بحاجة إلى تدفق مستمر من الأخبار الإيجابية المرتبطة بتخفيف التصعيد التجاري ليستعيد زخمه، ويبدو أن إدارة ترامب قدمت ذلك حتى الآن. هذا التحوّل البراغماتي في السياسة التجارية ساعد العملة الخضراء على استعادة جزء من قوتها المفقودة."

اليورو ينهار إلى أدنى مستوياته في خمسة أسابيع

بالتوازي مع صعود الدولار، شهد اليورو تراجعاً حاداً يوم الاثنين بنسبة 1.3% ليصل إلى 1.1099 دولاراً، وهو أدنى مستوى للعملة الموحدة منذ 10 أبريل الماضي، مقارنة بسعر افتتاح جلسة اليوم الذي بلغ 1.1246 دولاراً. وقد عكس هذا الانخفاض ضغطاً كبيراً على العملة الأوروبية، خاصة مع اتجاه المتداولين نحو الدولار بعد الإعلان عن الاتفاق التجاري الأمريكي الصيني.

 

وكان اليورو قد أنهى تداولات يوم الجمعة الماضي على مكاسب طفيفة بنسبة 0.2%، وهي أول مكاسب في ثلاثة أيام، ضمن محاولات محدودة للتعافي من خسائر امتدت لعدة أسابيع.

 

إلا أن هذه المكاسب لم تصمد طويلاً في وجه المستجدات الجديدة، خاصة مع تحسن شهية المخاطرة عالمياً وتراجع المخاوف من ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، ما قلل من جاذبية الأصول المقومة باليورو.

كما تكبّدت العملة الأوروبية خسائر أسبوعية بنسبة 0.45% خلال الأسبوع الماضي، في ثالث تراجع أسبوعي على التوالي.

تحليل: هل اليورو مبالغ في قيمته حالياً؟

وفقاً لمحللي بنك ING، فإن اليورو قد يكون حالياً مبالغاً في تقييمه بنحو 3% مقارنة بالقيمة العادلة على المدى القصير، بناءً على النماذج التي تأخذ في الاعتبار فروق أسعار الفائدة قصيرة الأجل. وهذه الفروق لا تزال تميل بقوة لصالح الدولار الأمريكي، مما يمنح العملة الأمريكية تفوقاً هيكلياً في هذه المرحلة.

 

وقد قام البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة سبع مرات خلال العام الماضي استجابةً لتراجع معدلات التضخم في منطقة اليورو. ويتوقع صانعو السياسة في أوروبا إجراء خفض إضافي في أسعار الفائدة في يونيو المقبل، في وقت تشير فيه الأسواق إلى احتمالية تقارب 90% لهذا الخفض، مع ترجيحات بخفض إضافي أو اثنين خلال النصف الثاني من العام.

 

في المقابل، فإن توقعات خفض الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تبدو أكثر تحفظاً، حيث تبلغ احتمالات التيسير النقدي في يونيو نحو 17% فقط، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 59% لشهر يوليو، مما يعزز موقف الدولار مقارنة باليورو.

الجنيه الإسترليني والين الياباني: تحركات متفاوتة أمام الدولار

على صعيد العملات الأخرى، تراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 1% إلى مستوى 1.3180 مقابل الدولار، حيث صمد بشكل أفضل من اليورو نسبياً، مدعوماً باتفاق تجاري أعلن عنه الأسبوع الماضي بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

 

أما الين الياباني، والذي يُعتبر من العملات الآمنة في فترات التوترات، فقد تراجع بشكل لافت، حيث ارتفع زوج الدولار/ين بنسبة 1.8% ليصل إلى 147.92، وهو ما يعكس تحوّل المستثمرين نحو الأصول الأعلى مخاطرة بعد التهدئة التجارية بين واشنطن وبكين.

اليوان الصيني يستفيد من التهدئة التجارية وسط ضغوط اقتصادية داخلية

في آسيا، تراجع زوج الدولار/يوان بنسبة 0.3% إلى 7.2143، مدفوعاً بارتياح الأسواق تجاه الاتفاق التجاري. وقد تلقى اليوان دعماً من الانفراجة التجارية، رغم البيانات الاقتصادية الصادرة في الصين يوم السبت، والتي أظهرت استمرار الضغوط التضخمية، حيث تراجعت أسعار المستهلكين للشهر الثالث على التوالي، في حين سجلت أسعار المنتجين أكبر انخفاض لها في ستة أشهر.

 

وتواجه الصين تحديات اقتصادية متزايدة نتيجة تداعيات النزاع التجاري، وهو ما يفرض على بكين مواصلة السياسات التحفيزية للحفاظ على الاستقرار الداخلي، خاصة مع توجه الأنظار إلى ما إذا كانت الاتفاقية الأخيرة ستُترجم إلى تهدئة مستدامة أم مجرد هدنة مؤقتة.

تأثير جيوسياسي إضافي: مفاوضات محتملة بين روسيا وأوكرانيا

بعيداً عن الجبهة الاقتصادية، تراقب الأسواق أيضاً تطورات الوضع الجيوسياسي في أوروبا، بعد تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التي أكد فيها استعداده للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين في تركيا يوم الخميس لإجراء محادثات سلام وقد علّق خبراء ING على هذه المسألة بالقول:

 

"أي اختراق في مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا قد يكون إيجابياً لليورو، لكن التأثير سيعتمد على ما إذا كانت الأسواق ستعتبر الهدنة دائمة أم مؤقتة."

خلاصة: الدولار يهيمن واليورو تحت الضغط في مشهد عالمي متغير

تشير كافة المؤشرات إلى أن الدولار الأمريكي بات في وضع صعودي مدعوم من تحولات جوهرية في السياسة التجارية الأمريكية، وتراجع المخاطر الجيوسياسية، وضعف التوقعات الأوروبية. في المقابل، يبدو اليورو هشاً أمام هذه التطورات، خاصة في ظل احتمالات خفض إضافي في أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي، مما قد يضيف مزيداً من الضغوط على العملة الموحدة في الفترة المقبلة.

ومع ترقب الأسواق لبيانات مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي المرتقبة، فإن الأسبوع الجاري قد يحمل مفاجآت جديدة قد تعيد رسم خريطة تحركات العملات العالمية.

تم التحديث في: الاثنين, 12 أيّار 2025 12:58
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول