تفاؤل تجاري بين أميركا والصين يدفع أسعار النفط للصعود : آفاق السوق ومخاطر التراجع

حافظت أسعار النفط على مكاسبها خلال تداولات يوم الثلاثاء، مدفوعة بأجواء التفاؤل التي تسود الأسواق نتيجة المحادثات الجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي قد تمهد الطريق لتخفيف حدة التوترات التجارية طويلة الأمد، مما يعزز التوقعات بنمو اقتصادي عالمي أقوى وبالتالي ارتفاع الطلب على الطاقة والسلع الأساسية، وعلى رأسها النفط.

أداء أسعار النفط اليوم

بحلول الساعة 15:30 بتوقيت تركيا، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 0.69% لتسجل 67.50 دولاراً للبرميل، بينما صعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنسبة 0.66% ليبلغ 65.72 دولاراً، بعد أن لامس في وقت سابق أعلى مستوياته منذ 4 أبريل/نيسان.

وكان خام برنت قد سجل خلال تداولات يوم الإثنين مستوى 67.19 دولاراً،مدعوماً بتصريحات إيجابية تشير إلى احتمال توصل واشنطن وبكين لاتفاق تجاري يُنهي نزاعاً دام لسنوات بين أكبر اقتصادين في العالم، بحسب وكالة "رويترز".

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن المحادثات الجارية في لندن تسير بشكل جيد، مضيفاً أنه "لا يتلقى سوى تقارير جيدة" من فريقه المفاوض، ما عزز من ثقة الأسواق بإمكانية الوصول إلى انفراجة حقيقية في الملف التجاري الصيني الأميركي.

كما صرّح وزير التجارة الأميركي هاورد لوتنيك بأن المناقشات مع المسؤولين الصينيين في لندن كانت "مثمرة"، فيما وصف وزير الخزانة سكوت بيسنت اللقاءات بأنها "جيدة"، ما ساهم في تعزيز المعنويات الإيجابية بين المستثمرين ورفع الطلب على الأصول المحفوفة بالمخاطر، بما فيها النفط.

انعكاسات الاتفاق التجاري المحتمل على أسعار النفط

من شأن أي اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين أن يعزز الثقة بالاقتصاد العالمي، ويحفّز الطلب على السلع الاستراتيجية مثل النفط. فالصين تعد من أكبر مستوردي النفط عالمياً، وأي انتعاش اقتصادي فيها قد يقود إلى زيادة الاستهلاك، وبالتالي يدعم أسعار الخام في الأسواق العالمية.

وفي سياق موازٍ، لا تزال مفاوضات الملف النووي بين الولايات المتحدة وإيران تمثل عاملاً مهماً في تحديد اتجاهات أسعار النفط. حيث أعلنت طهران أنها ستقدم قريباً مقترحاً مضاداً للمبادرة الأميركية التي وصفتها بأنها "غير مقبولة".

في المقابل، شدد الرئيس ترامب على أن الجانبين لا يزالان مختلفين بشكل جوهري، خاصة فيما يتعلق بمسألة تخصيب اليورانيوم داخل إيران، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة أمراً مرفوضاً.

تجدر الإشارة إلى أن إيران، باعتبارها ثالث أكبر منتج للنفط ضمن منظمة أوبك، قد تؤثر بشكل كبير على الإمدادات العالمية في حال تم تخفيف العقوبات المفروضة عليها، مما يضغط على الأسعار باتجاه الهبوط نتيجة زيادة المعروض.

قد يهمك : دليل شامل عن النفط السلعة الأكثر تداولاً في العالم وكيفية الاستثمار بها

ارتفاع محدود لإنتاج أوبك رغم اتفاقات التقييد

أظهر مسح أجرته وكالة "رويترز" أن إنتاج أوبك من النفط ارتفع خلال شهر مايو/أيار، لكن الزيادة بقيت ضمن نطاق محدود. حيث ضخ العراق أقل من حصته المقررة لتعويض فائض الإنتاج في وقت سابق، في حين كانت الزيادات السعودية والإماراتية دون الحد الأقصى المسموح به.

في هذا السياق، تواصل مجموعة أوبك+، التي تضم أعضاء منظمة أوبك إلى جانب منتجين مستقلين مثل روسيا، العمل على تسريع خطتها لإلغاء المرحلة الأخيرة من تخفيضات الإنتاج التي تم تبنيها في السنوات الأخيرة لدعم الأسعار خلال فترات التراجع الاقتصادي.

مخاوف من زيادة الإمدادات في النصف الثاني من 2025

وفي مذكرة تحليلية، قال دانيال هاينز، كبير استراتيجيي السلع في بنك ANZ، إن احتمالات ارتفاع إمدادات أوبك خلال النصف الثاني من عام 2025 لا تزال تلقي بظلالها على السوق.

وأضاف: "التحول الدائم في استراتيجية أوبك نحو نموذج يستند إلى ديناميكيات السوق قد يقود إلى فائض كبير في المعروض، مما سيؤدي على الأرجح إلى تراجع حاد في أسعار النفط مع دخول النصف الثاني من العام".

علّقت فاندانا هاري، مؤسسة شركة "فاندا إنسايتس" في سنغافورة، على تحركات السوق بالقول: "لقد قامت السوق بتسعير درجة من النجاح المسبق في محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين"، لكنها حذّرت من أن النتيجة النهائية قد لا تظهر قبل يوم آخر، ما يُبقي السوق في حالة ترقب وقد يعيد الأسعار إلى نمط من التذبذب حتى تَضح الصورة.

يشير هيكل تسعير خام برنت إلى حالة "الباكورديشن"، حيث يبلغ الفارق السعري بين العقود الفورية والعقود اللاحقة نحو 80 سنتاً لصالح العقود الأقرب، وهي علامة على وجود شح في المعروض على المدى القصير، رغم توقعات بعض المحللين بوجود فائض محتمل في الإمدادات على المدى المتوسط إلى الطويل.

خلاصة وتوقعات مستقبلية: صعود حذر في ظل تقلبات مستمرة

رغم المكاسب التي سجلتها أسعار النفط بدعم من مؤشرات على تقارب تجاري أميركي صيني، فإن السوق لا تزال محكومة بعوامل متداخلة تشمل التوترات الجيوسياسية، وتطورات ملف إيران النووي، واستراتيجية أوبك+ لإدارة المعروض.

ومن المتوقع أن تبقى الأسعار في حالة تذبذب، مع ترقب نتائج المحادثات التجارية، ومدى التقدم في المفاوضات الجارية بشأن إيران، وتفاعل الأسواق مع خطط الإنتاج من قبل كبار المنتجين في الأشهر القادمة.