الذهب يسجل مستوى قياسي جديد وسط الإغلاق الحكومي الأمريكي وتوقعات خفض الفائدة

سجل الذهب قفزة تاريخية غير مسبوقة متجاوزًا حاجز الـ 4000 دولار للأونصة، مع استمرار الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة وتصاعد الرهانات على خفض أسعار الفائدة. ويأتي هذا الارتفاع في وقت تتزايد فيه المخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وتنامي المخاطر الجيوسياسية، ما عزز من جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن للمستثمرين.

أداء أسعار الذهب اليوم

شهدت أسواق المعادن الثمينة ارتفاعًا قويًا خلال تعاملات يوم الثلاثاء، حيث تجاوز الذهب الفوري حاجز 4,000 دولار للأونصة لأول مرة في تاريخه، في ظل استمرار الجمود السياسي داخل الكونغرس الأمريكي الذي تسبب في إغلاق حكومي ممتد دون أي مؤشرات على حل قريب.

هذا الإغلاق الذي يشلّ عمل الإدارات الفيدرالية الأمريكية منذ أسابيع، خلق موجة من القلق في الأسواق العالمية بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي، ما دفع المستثمرين إلى اللجوء نحو الأصول الآمنة وعلى رأسها الذهب.

وتزامن هذا التصعيد السياسي مع تزايد الرهانات على خفض أسعار الفائدة الأمريكية خلال الشهر الجاري، ما زاد من الزخم الصعودي للمعدن النفيس. إذ يرى المستثمرون أن أي خفض للفائدة يعني بيئة أكثر ملاءمة للذهب الذي لا يدر عوائد ثابتة.

توقعات خفض الفائدة تدعم المكاسب التاريخية للذهب

قال كبير المحللين في شركة "أواندا" (OANDA) "كلفن وونغ" إن الأسواق لا تزال تراهن بقوة على خفض أسعار الفائدة في اجتماعي أكتوبر وديسمبر بنسبة تتجاوز 80%، وهو ما يعزز الطلب على الذهب بشكل مباشر.

وأوضح أن استمرار حالة الإغلاق الحكومي في ظل انعدام التوافق السياسي بين مجلسي الشيوخ والنواب يزيد من احتمالية تباطؤ النمو الاقتصادي، ما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى تبني سياسات تيسيرية في المستقبل القريب.

ورغم تصريحات رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي "جيف شميد"، الذي أكد أنه لا يفضل خفض الفائدة في الوقت الحالي مبررًا ذلك بضرورة التركيز على احتواء التضخم المرتفع بدلًا من القلق بشأن ضعف سوق العمل، فإن الأسواق تجاهلت تلك التصريحات وواصلت تسعير مزيد من التخفيضات المحتملة.

وفقًا لأداة متابعة الفائدة الأمريكية على موقع Investing السعودية، فإن الأسواق تسعر خفضًا بمقدار 25 نقطة أساس في أكتوبر بنسبة احتمال تبلغ 93%، وتخفيضًا آخر في ديسمبر بنسبة 82%.

بيئة الفائدة المنخفضة تخلق مناخًا مثاليًا لازدهار الذهب

يُعرف الذهب بأنه المستفيد الأكبر في فترات الفائدة المنخفضة وحالات الغموض الاقتصادي، إذ يتجه المستثمرون عادة إلى حيازة المعدن الأصفر للتحوط من التضخم ومن تراجع العوائد الحقيقية على الأصول المالية.

وقد ساهمت هذه البيئة في ارتفاع أسعار الذهب بنسبة 51% منذ بداية عام 2025، وهو ارتفاع استثنائي يعكس موجة طلب عالمية قوية على المعدن.

وتتوزع أسباب هذا الصعود بين مشتريات ضخمة من البنوك المركزية العالمية، وزيادة حيازة صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) المدعومة بالذهب، إضافة إلى ضعف الدولار الأمريكي وتزايد التوترات الجيوسياسية والتجارية حول العالم.

أداء الذهب عند التسوية

عند تسوية تعاملات يوم الإثنين، واصل الذهب تسجيل مستويات قياسية جديدة، حيث أغلقت العقود الآجلة الأكثر نشاطًا على إغلاق قياسي رقم 42 في عام 2025.

وارتفعت العقود الآجلة لتسليم ديسمبر بنسبة 1.72% (ما يعادل 67.7 دولارًا) لتستقر عند 3976.30 دولارًا للأونصة، مدعومة بتوقعات استمرار سياسة التيسير النقدي للفيدرالي الأمريكي، فضلاً عن حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة وفرنسا واليابان.

الذهب والدولار في الوقت الراهن

خلال التعاملات الفورية، ارتفع الذهب بنسبة 0.1% ليصل إلى 3962.63 دولارًا للأونصة بعد أن لامس أعلى مستوى تاريخي له عند 3977.19 دولارًا.

أما العقود الآجلة الأمريكية لتسليم ديسمبر فقد ارتفعت بنسبة 0.2% لتسجل 3985.30 دولارًا، بعد أن بلغت أعلى مستوى لها خلال الجلسة عند 4000.95 دولارًا.

في المقابل، صعد مؤشر الدولار الأمريكي بنحو 0.15%، إلا أن ارتفاع العملة الخضراء لم يكن كافيًا للحد من الزخم القوي في سوق الذهب.

أداء المعادن النفيسة الأخرى

لم يقتصر النشاط على الذهب فحسب، بل شهدت باقي المعادن الثمينة تحركات متفاوتة:

• الفضة الفورية استقرت عند 48.49 دولارًا للأونصة.

• البلاتين تراجع بنسبة 0.1% ليصل إلى 1624.11 دولارًا.

• البلاديوم ارتفع بنسبة 0.8% مسجلًا 1329.63 دولارًا للأونصة.

هذه التحركات تعكس استمرار الطلب على المعادن كملاذات آمنة، رغم أن الزخم الأكبر يتركز حاليًا في الذهب بصفته المؤشر الأول للثقة الاقتصادية العالمية.

غولدمان ساكس ترفع توقعاتها لسعر الذهب إلى 4,900 دولار

في أحدث تقاريرها، رفعت مجموعة غولدمان ساكس إنك (Goldman Sachs) توقعاتها لسعر الذهب بنهاية عام 2026 إلى 4,900 دولار للأونصة بدلًا من 4,300 دولار، مرجعةً ذلك إلى الطلب المستدام من البنوك المركزية والمستثمرين الغربيين.

وأكد البنك أن الارتفاع الأخير في أسعار الذهب بنسبة 17% منذ أواخر أغسطس كان مدفوعًا بشكل رئيسي بتدفقات قوية من صناديق المؤشرات المتداولة الغربية ومشتريات البنوك المركزية.
وأشار التقرير إلى أن هذه التدفقات تعتبر "ثابتة"، وقد رفعت فعليًا نقطة البداية لنموذج التسعير المستقبلي للبنك.

ورغم تعديل نقطة البداية، أوضح البنك أن توقعاته الأساسية بزيادة الأسعار بنسبة 23% حتى نهاية عام 2026 لم تتغير، متوقعًا استمرار تراكم احتياطيات الذهب في البنوك المركزية وانتعاش الطلب على صناديق المؤشرات المتداولة مع انخفاض أسعار الفائدة الأمريكية تدريجيًا.

تحليل غولدمان ساكس: البنوك المركزية المحرك الأساسي

توقّع البنك أن يبلغ متوسط مشتريات البنوك المركزية 80-70 طنًا شهريًا خلال عامي 2025 و2026، خصوصًا من جانب الأسواق الناشئة التي تسعى لتنويع احتياطياتها بعيدًا عن الدولار الأمريكي.
ووفقًا لتحليل البنك، تساهم هذه المشتريات بنحو 19 نقطة مئوية من إجمالي الزيادة المتوقعة في الأسعار.

كما رجّح البنك أن تؤدي تخفيضات الفائدة الفيدرالية بمقدار 100 نقطة أساس بحلول منتصف 2026 إلى زيادة حيازات صناديق المؤشرات المتداولة الغربية بما يضيف خمس نقاط مئوية إضافية لارتفاع الأسعار، في حين يُتوقع أن تعود المراكز المضاربية إلى طبيعتها، مما يقلل نقطة واحدة من الزيادة الكلية.

وأشار التقرير إلى أن المخاطر تميل نحو مزيد من الارتفاع في حال توجه المستثمرين من القطاع الخاص إلى تنويع محافظهم الاستثمارية نحو الذهب، وهو ما قد يدفع الطلب إلى مستويات تفوق التقديرات الحالية.

خلاصة تحليلية

إن تجاوز الذهب حاجز 4000 دولار للأونصة ليس مجرد رقم قياسي، بل يعكس تحولًا هيكليًا في الطلب العالمي على الأصول الآمنة، خصوصًا في ظل بيئة اقتصادية مضطربة وتوترات جيوسياسية متزايدة.

ومع استمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي وعدم وضوح رؤية السياسة النقدية للفيدرالي، يبدو أن المعدن الأصفر يتجه نحو حقبة جديدة من الارتفاعات التاريخية المدفوعة بعوامل اقتصادية ومالية متشابكة، قد تجعل من الذهب أقوى أصل استثماري في النصف الثاني من العقد الحالي.