الذهب يتراجع دون 4000 دولار لكنه يسجل مكاسب أسبوعية مدعومًا بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية

شهدت أسعار الذهب خلال تعاملات يوم الجمعة تراجعًا ملحوظًا أدنى مستوى 4000 دولار للأوقية، بعد موجة صعود قياسية دفعت المعدن الأصفر إلى مستويات غير مسبوقة في الأيام السابقة.

ورغم هذا الهبوط، فإن الذهب ما يزال على مسار تحقيق مكاسب أسبوعية للـ أسبوع الثامن على التوالي، مستفيدًا من استمرار التوترات الجيوسياسية والاقتصادية حول العالم، ومن تصاعد التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية خلال الأشهر المقبلة.

ويرى المحللون أن التراجع الحالي لا يُعد بداية لانعكاس الاتجاه الصاعد، بل تصحيحًا طبيعيًا بعد موجة صعود طويلة، إذ يظل الزخم العام إيجابيًا بفضل حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي التي تعزز الطلب على الملاذات الآمنة.

أداء أسعار الذهب اليوم

قال مات سيمبسون، كبير المحللين في شركة سيتي إندكس (City Index)، إن أسواق الخيارات أظهرت ارتفاعًا في تقلبات الأسعار، مع زيادة ملحوظة في الطلب على أدوات الحماية من الهبوط في المراحل الأخيرة من موجة صعود الذهب.

وأشار إلى أن هذا السلوك في الأسواق يعكس احتمالية أن يقوم بعض المستثمرين بجني الأرباح بعد الارتفاعات القوية الأخيرة.

إلا أن "سيمبسون" أكد أن أي تراجع في الأسعار سيكون محدودًا بطبيعته، موضحًا أن العوامل الداعمة الأساسية لاتجاه الذهب الصاعد ما زالت قائمة، خصوصًا توقعات خفض الفائدة الأمريكية، والتوترات السياسية المستمرة، ومشتريات البنوك المركزية المتزايدة.

تطور سياسي مؤثر: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

وفي تطور سياسي مهم أثر على حركة الأسواق، صادقت الحكومة الإسرائيلية يوم الجمعة على اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس، وهو ما يمهد لوقف العمليات القتالية في قطاع غزة خلال 24 ساعة، والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين خلال 72 ساعة.

ورغم الإعلان عن الاتفاق، فإن الضربات الجوية الإسرائيلية استمرت على القطاع المحاصر، مما أبقى حالة التوتر الجيوسياسي مرتفعة، ودعم الطلب على الذهب كأصل آمن وسط ضبابية المشهد في الشرق الأوسط.

رؤية المحللين: البنوك المركزية والمستثمرون يواصلون دعم الذهب

في مذكرة بحثية حديثة، أشار محللو بنك "إيه إن زد" (ANZ) إلى أن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي واستمرار الضغوط التضخمية والتحولات الجيوسياسية العميقة، إضافة إلى ابتعاد المستثمرين عن الأصول المقومة بالدولار الأمريكي، جميعها عوامل ستُبقي الطلب الاستثماري على الذهب ومشتريات البنوك المركزية عند مستويات قوية.

وأضاف التقرير أن جولات خفض الفائدة المرتقبة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ستوفر دعمًا إضافيًا للمعدن النفيس، نظرًا لأن انخفاض العائد على الدولار يجعل الذهب أكثر جاذبية كأصل استثماري بديل.

أسباب الارتفاع القياسي للذهب هذا الأسبوع

كان الذهب قد تجاوز حاجز 4000 دولار للأوقية لأول مرة في تاريخه يوم الأربعاء، مسجلًا مستوى قياسيًا عند 4059.05 دولارًا، في موجة صعود مدفوعة بمزيج من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية.

ويُعتبر الذهب أحد الأصول غير المدرة للدخل، إلا أنه يحتفظ بجاذبيته خلال فترات الاضطرابات السياسية وعدم اليقين الاقتصادي، ما يجعله وجهة رئيسية لرؤوس الأموال الباحثة عن الأمان.

ومنذ بداية العام، ارتفع الذهب بنحو 52%، في أداء تاريخي لم يشهده منذ عقود، مدفوعًا بعدة عوامل رئيسية:

1. تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية، خصوصًا في الشرق الأوسط وأوروبا.

2. زيادة مشتريات البنوك المركزية التي تسعى لتنويع احتياطاتها بعيدًا عن الدولار.

3. ارتفاع تدفقات صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) التي تركز على الذهب.

4. التوقعات المتزايدة بخفض الفائدة الأمريكية، ما يقلل تكلفة الاحتفاظ بالمعدن.

5. الضبابية الاقتصادية المرتبطة بالحروب التجارية والرسوم الجمركية، ما عزز الطلب على الذهب كأصل استراتيجي آمن.

الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في قلب المشهد

أظهر محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لشهر سبتمبر، الصادر يوم الأربعاء، أن مسؤولي البنك أبدوا قلقًا متزايدًا من مخاطر تباطؤ سوق العمل الأمريكي، معتبرين أن هذه المخاطر أصبحت مرتفعة بما يكفي لتبرير البدء في خفض أسعار الفائدة، رغم استمرار الضغوط التضخمية.

وكان الفيدرالي قد استأنف دورة خفض الفائدة في سبتمبر عبر تقليص المعدل الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس، في أول خطوة تيسير منذ عامين تقريبًا.

ويتوقع المتعاملون في الأسواق – بحسب أداة متابعة الفائدة الأمريكية على موقع “إنفستنغ السعودية” – خفضًا إضافيًا بمقدار 25 نقطة أساس في أكتوبر بنسبة احتمال تبلغ 95%، وخفضًا آخر في ديسمبر بنسبة احتمال 82%، وهو ما يدعم بشكل مباشر استمرار الطلب على الذهب.

الذهب عند التسوية يوم الخميس

أغلقت أسعار الذهب تعاملات يوم الخميس دون المستوى النفسي الهام عند 4000 دولار للأوقية، بعد ضغوط قوية من ارتفاع الدولار الأمريكي وعمليات جني الأرباح عقب الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وانخفضت العقود الآجلة للمعدن الأصفر تسليم ديسمبر بنسبة 2.40% (أي ما يعادل 97.9 دولارًا) لتُغلق عند 3972.60 دولارًا للأوقية، بعد أن كانت قد أنهت جلسة الأربعاء عند مستوى قياسي جديد.

الذهب والدولار الآن

في تعاملات الجمعة عند الساعة 10:55 بتوقيت تركيا ، تراجع الذهب الفوري بنسبة 0.27% ليصل إلى 3964.75 دولارًا للأوقية، لكنه ظل مرتفعًا بنحو 2.2% خلال الأسبوع بأكمله، مما يعكس استمرار الزخم الصعودي رغم التذبذبات قصيرة الأجل.

أما عقود الذهب الأمريكية الآجلة لتسليم ديسمبر فقد ارتفعت هامشيًا بنسبة 0.14% إلى 3978 دولارًا للأوقية، فيما تراجع مؤشر الدولار الأمريكي بنحو 0.20% إلى 99.08 نقطة، ما قد يفتح المجال لمزيد من الدعم للمعدن النفيس إذا استمر ضعف العملة الأمريكية.

أداء المعادن النفيسة الأخرى

إلى جانب الذهب، شهدت أسواق المعادن النفيسة الأخرى تحركات متباينة خلال الجلسات الأخيرة:

• الفضة ارتفعت بنسبة 0.9% إلى 49.55 دولارًا للأوقية، بعد أن تراجعت قليلًا من مستوى قياسي بلغ 51.22 دولارًا يوم الخميس.

• البلاتين تراجع بنسبة 1% ليصل إلى 1602.25 دولارًا للأوقية.

• البلاديوم انخفض بنسبة 2.2% إلى 1381.29 دولارًا للأوقية.

ويُرجع المحللون هذه التحركات إلى تذبذب الطلب الصناعي وتقلبات الأسواق العالمية المرتبطة بتوقعات النمو الاقتصادي والطلب على المعادن الصناعية.

خلاصة وتوقعات مستقبلية

رغم التراجع المؤقت في أسعار الذهب دون 4000 دولار، فإن الاتجاه الصاعد للمعدن الأصفر لا يزال قويًا ومتماسكًا. ومع استمرار التوترات الجيوسياسية، وتباطؤ النمو العالمي، وتزايد توقعات خفض الفائدة الأمريكية، يُتوقع أن يحافظ الذهب على موقعه كأحد أبرز الأصول أداءً في عام 2025.

ويرجّح الخبراء أن أي تراجعات إضافية ستكون فرصًا للشراء أكثر من كونها بداية لتصحيح هابط، مع احتمال عودة الأسعار إلى فوق مستوى 4000 دولار للأوقية في الأسابيع المقبلة إذا استمرت الضبابية في الأسواق العالمية.