الدولار الأميركي يرتفع مدعوماً بتصريحات ترامب والدولار الأسترالي يهبط بقوة بعد ارتفاع البطالة
في ظل تقلبات الأسواق المالية العالمية وتزايد الترقب لتوجهات البنوك المركزية الكبرى، شهد الدولار الأميركي تعافياً ملحوظاً خلال تعاملات يوم الخميس، بعد موجة خسائر مفاجئة في الجلسة السابقة أثارتها أنباء عن احتمال إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، قبل أن تتراجع المخاوف عقب تصريحات مطمئنة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في المقابل، واجه الدولار الأسترالي ضغوطاً قوية دفعت به إلى أدنى مستوياته منذ عدة أشهر، مدفوعاً ببيانات توظيف مخيبة للآمال وارتفاع في معدل البطالة، ما عزز رهانات المستثمرين على خفض مرتقب للفائدة من البنك الاحتياطي الأسترالي.
وبينما يعيد المستثمرون تقييم توقعاتهم بشأن السياسات النقدية في الولايات المتحدة وأستراليا، تتأرجح العملات العالمية في نطاق ضيق وسط إشارات مختلطة من البيانات الاقتصادية والتطورات الجيوسياسية
ارتفع الدولار الأميركي يوم الخميس مع تحسّن في شهية المخاطرة وتراجع القلق بشأن مصير رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، في حين شهدت العملات الرئيسية الأخرى تحركات متباينة بفعل بيانات اقتصادية متضاربة وتطورات جيوسياسية، وسط توقعات بتغييرات وشيكة في السياسات النقدية حول العالم.
أداء الدولار الأمريكي اليوم
شهد الدولار الأميركي ارتفاعاً ملموساً خلال تعاملات يوم الخميس، بعد أن سجل تراجعاً حاداً في الجلسة السابقة نتيجة أنباء أربكت الأسواق بشأن احتمال إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، من منصبه. إلا أن تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب هدّأت من حدة هذه المخاوف، مؤكداً أنه لا ينوي إقالة باول في الوقت الحالي.
ففي تمام الساعة 11:40 صباحاً بتوقيت السعودية، ارتفع مؤشر الدولار الأميركي، الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.3% ليصل إلى 98.405 نقطة. ويأتي هذا الارتفاع بعد أن أنهى المؤشر سلسلة مكاسب دامت ستة أيام بخسائر حادة في الجلسة السابقة.
وكانت الأسواق قد شهدت حالة من الارتباك يوم الأربعاء، بعد أن ترددت أنباء حول نية ترامب إقالة باول على خلفية خلافات مستمرة بشأن السياسة النقدية ومشروعات الاحتياطي الفيدرالي.
لكن الرئيس الأميركي عاد وأوضح لاحقاً أن "من غير المرجح جداً" أن يتم إقالة باول، معبراً عن استيائه من تكلفة مشروع تجديد مقر الاحتياطي الفيدرالي والتي بلغت 2.5 مليار دولار، وهو ما أثار موجة انتقادات داخل الحزب الجمهوري.
ومع أن ترامب لم يُخفِ في الماضي امتعاضه من سياسات باول، لا سيما فيما يتعلق بوتيرة خفض الفائدة، إلا أن الإقالة الرسمية لرئيس البنك المركزي تُعد أمراً غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة، وهو ما زاد من أهمية النفي الصريح من ترامب.
وفي مذكرة تحليلية، قال محللو بنك ING:
"في اللحظة التي صدرت فيها التلميحات بإقالة باول، رأينا تحركاً فورياً في الأسواق: انخفاض حاد في الدولار، وتقلص سريع في عوائد السندات الأميركية. لكن سرعان ما تبخرت هذه التحركات بعد أن تراجعت المخاوف".
وأضافوا أن الأسواق لم تسعّر بالكامل احتمالية إقالة باول، حيث ظل سعر اليورو/دولار دون مستوى 1.1720 حتى قبل صدور نفي ترامب.
بيانات التضخم تدعم استقرار الأسواق
إلى جانب تأثير تصريحات ترامب، تلقى الدولار دعماً إضافياً من بيانات مؤشر أسعار المنتجين في الولايات المتحدة لشهر يونيو، والتي جاءت دون تغيير على أساس شهري، مخالفةً توقعات السوق.
ساهم هذا الاستقرار في تهدئة المخاوف بشأن تسارع التضخم، والتي كانت قد أُثِيرت بعد صدور تقرير سابق أظهر ارتفاعاً في أسعار المستهلكين.
هدأت هذه البيانات من المخاوف بشأن إمكانية تشديد السياسة النقدية بشكل مفرط من قِبل الاحتياطي الفيدرالي، مما ساهم في تعزيز استقرار الأسواق والعملة الأميركية.
تراجع اليورو والجنيه الإسترليني والين يرتفع
اليورو يتراجع بانتظار بيانات التضخم الأوروبية
شهد زوج اليورو/دولار انخفاضاً بنسبة 0.4% ليصل إلى 1.1699، وذلك قبيل صدور القراءة النهائية لمؤشر أسعار المستهلكين في منطقة اليورو لشهر يونيو. وتشير التوقعات إلى أن المؤشر سيؤكد قراءة سابقة تبلغ 2.0% على أساس سنوي، مرتفعاً من 1.9% في الشهر السابق.
ومن جهة أخرى، أشار البنك المركزي الأوروبي في اجتماعه الأخير إلى إمكانية تثبيت أسعار الفائدة خلال اجتماعه المقبل، لكن التهديدات الأخيرة من ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 30% على واردات من الاتحاد الأوروبي قد تضع مزيداً من الضغوط على صانعي القرار الأوروبيين.
الجنيه الإسترليني ينخفض وسط بيانات عمالية ضعيفة
أما الجنيه الإسترليني فقد سجل تراجعاً بنسبة 0.3% ليصل إلى 1.3390 مقابل الدولار، بعد صدور بيانات تشير إلى ارتفاع معدل البطالة في المملكة المتحدة إلى 4.7% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في مايو – وهو أعلى مستوى منذ يونيو 2021.
كما أظهرت البيانات تباطؤاً في نمو الأجور، حيث سجل معدل النمو السنوي (باستثناء المكافآت) 5.0% مقارنة بـ 5.3% في الشهر السابق، مما يوفر مساحة لبنك إنجلترا للنظر في خفض جديد للفائدة خلال اجتماعه المقبل.
الدولار/ين يرتفع وسط مخاوف سياسية في اليابان
ارتفع زوج الدولار/ الين الياباني بنسبة 0.5% ليصل إلى 148.64، في ظل تحوّل اهتمام المستثمرين نحو التطورات السياسية المحلية وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى احتمال فقدان الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا لأغلبيته في المجلس الأعلى، ما قد يفرض تحديات جديدة على السياسة الاقتصادية اليابانية في المرحلة المقبلة.
الأسترالي يهبط مع ارتفاع البطالة وزيادة التوقعات بخفض الفائدة
تراجع الدولار الأسترالي يوم الخميس، بعد أن جاءت بيانات التوظيف أضعف بكثير من التوقعات وارتفعت معدلات البطالة إلى أعلى مستوياتها منذ أواخر عام 2021، ما عزز رهانات الأسواق على خفض أسعار الفائدة.
وتراجع الدولار الأسترالي سريعاً بمقدار 0.7% ليصل إلى 0.6487 دولار أميركي، وسط توقّعات متزايدة بخفض الفائدة ربع نقطة مئوية في أغسطس آب، حيث ارتفعت احتمالية هذا القرار إلى نحو 90%، كما انخفض المستوى الأدنى المتوقع للفائدة إلى 3.05% من 3.12% قبل صدور بيانات التوظيف.
بيانات وظائف في أستراليا مخيبة للآمال
جاءت بيانات التوظيف في أستراليا أضعف بكثير من المتوقع، حيث ارتفع صافي التوظيف بمقدار 2000 وظيفة فقط خلال يونيو حزيران مقابل توقعات بارتفاعها بمقدار 20 ألف وظيفة، كما جرى تعديل بيانات مايو أيار صعوداً لتُظهر انخفاضاً قدره 1100 وظيفة.
سجّل معدل البطالة في أستراليا ارتفاعاً ملحوظاً خلال شهر يونيو حزيران، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ أواخر عام 2021، ما يشير إلى أولى علامات التراجع في سوق العمل الأسترالي الذي أبدى مقاومة قوية لفترة طويلة، ويعزز من احتمالات خفض أسعار الفائدة الشهر المقبل.
وكان معدل البطالة قد تراوح بين 3.9% و4.2% منذ أواخر عام 2023، رغم تباطؤ الاقتصاد الأوسع، وهو ما اعتُبر دليلاً على مرونة سوق العمل، ما أتاح للبنك الاحتياطي الأسترالي الإبقاء على سعر الفائدة عند 3.85% هذا الشهر بانتظار المزيد من البيانات المتعلقة بالتضخم.
وقال أبيجيت سوريا، كبير اقتصاديي منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مؤسسة كابيتال إيكونوميكس: «النتيجة هي أن البنك الاحتياطي الأسترالي يكاد يكون مؤكدًا أنه سيخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه في أغسطس».
وأضاف: «في الواقع، قد يُطرح خفض أكبر بمقدار 50 نقطة أساس إذا أكّدت بيانات التضخم المرتقبة في نهاية الشهر أن الضغوط التضخمية لا تزال ضعيفة».
ومن المقرر صدور تقرير أسعار المستهلكين للربع الثاني من العام في 30 يوليو تموز، ويتوقع المحللون أن يسجّل التضخم الأساسي ارتفاعاً متواضعاً يتراوح بين 0.6% و0.7%، وهو ما قد يفتح الباب لخفض الفائدة.
وأدت احتمالات انخفاض أسعار الفائدة إلى قفزة في عقود السندات الأسترالية لأجل ثلاث سنوات، التي ارتفعت بمقدار 8 نقاط لتصل إلى 96.570، مبتعدة عن أدنى مستوى في شهرين عند 96.45، كما انخفضت عوائد السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 4 نقاط أساس لتسجل 4.354%.
الدولار النيوزيلندي يواصل التراجع
كما تراجع الدولار النيوزيلندي إلى 0.5925 دولار، بعد أن لامس أدنى مستوى ليلي عند 0.5914، في ظل بيانات أظهرت ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 1.2% خلال يونيو، ما رفع معدل التضخم السنوي إلى 4.6%.
وتوقع بنك ويستباك أن يرتفع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 2.8% في الربع الثاني، وهو أعلى من تقديرات البنك المركزي النيوزيلندي البالغة 2.6%. وقد يدفع هذا التضخم البنك إلى استئناف خفض الفائدة في اجتماعاته المقبلة، رغم تعليق الخفض مؤقتاً هذا الشهر.
خلاصة المشهد العالمي: الأسواق بين التقلبات السياسية وضغوط البيانات
يتضح من أداء العملات العالمية أن الأسواق تمر بمرحلة شديدة الحساسية للتصريحات السياسية والبيانات الاقتصادية، حيث يتأرجح الدولار ما بين الدعم من استقرار سياسي مؤقت، والضغط من التوقعات بشأن السياسة النقدية. وفي حين تتراجع عملات مثل اليورو والجنيه الإسترليني تحت وطأة الضعف الاقتصادي، تواجه عملات آسيا والمحيط الهادئ ضغوطاً من توقعات خفض الفائدة.
يبقى اتجاه السوق مرهوناً بتطورات المشهدين الأميركي والدولي، لا سيما تصريحات ترامب، قرارات البنوك المركزية، وبيانات التضخم القادمة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.