الدولار يتجه نحو أكبر خسارة أسبوعية منذ يوليو 2025 وسط تحولات واسعة في أسواق العملات

شهد الدولار الأميركي تراجعاً ملحوظاً خلال تعاملات يوم الخميس، متجهاً لتسجيل أكبر خسارة أسبوعية له منذ يوليو 2025، وذلك في ظل سيولة ضعيفة سبقت عطلة عيد الشكر في الولايات المتحدة، بالتزامن مع تحول أنظار المستثمرين نحو آفاق السياسة النقدية خلال العام المقبل، حيث بدأت الأسواق بالفعل بتسعير سلسلة محتملة من خفض أسعار الفائدة الأميركية.

أداء الدولار الأمريكي اليوم

انخفض مؤشر الدولار الأميركي، الذي يقيس أداء العملة مقابل سلة من العملات الرئيسية، إلى مستوى 99.433 نقطة، مواصلاً الهبوط من أعلى مستوياته في ستة أشهر والذي بلغه قبل أسبوع فقط، في إشارة واضحة إلى تراجع الزخم الصعودي للعملة الأميركية ودخولها مرحلة تصحيح أوسع مدفوعة بتغير توقعات الفائدة.

 

ورغم ما أظهرته بيانات يوم الأربعاء من تراجع طلبات إعانة البطالة الجديدة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى لها في سبعة أشهر، في دليل على استمرار متانة سوق العمل وانخفاض وتيرة التسريحات، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتعويض الضغوط الواقعة على الدولار، خصوصاً مع تصاعد الرهانات على اتجاه الفيدرالي الأميركي نحو التيسير النقدي خلال الفترة المقبلة.

أداء قوي لليورو والين والعملات السلعية

في المقابل، سجل اليورو ارتفاعاً لافتاً، حيث بلغ أعلى مستوى له في أكثر من أسبوع عند 1.16115 دولار، ونجح في تجاوز حاجز 1.16 دولار خلال التعاملات الصباحية، مدعوماً بتراجع الدولار وتزايد شهية المستثمرين للمخاطرة في أسواق العملات.

 

كما صعد الين الياباني بنسبة 0.4% ليصل إلى 155.87 مقابل الدولار، مستفيداً من عمليات التحوط وتراجع العملة الأميركية، في حين واصل الدولار النيوزيلندي مكاسبه ليبلغ ذروة ثلاثة أسابيع عند 0.5714 دولار، بعد نبرة متشددة نسبياً من البنك المركزي النيوزيلندي مدعومة ببيانات اقتصادية قوية.

البنك المركزي النيوزيلندي يقترب من نهاية دورة التيسير

ورغم قيام البنك المركزي النيوزيلندي بخفض سعر الفائدة خلال اجتماعه الأخير، إلا أنه أشار بوضوح إلى أن قرار التثبيت كان مطروحاً بقوة، ملمحاً إلى أن دورة التيسير النقدي تقترب من نهايتها. وأخذ المتعاملون في الحسبان احتمال رفع الفائدة قبل ديسمبر من العام المقبل، وهو ما عزز مكانة الدولار النيوزيلندي ودعمه أمام العملات الرئيسية.

 

وأظهرت البيانات الاقتصادية النيوزيلندية ارتفاعاً في مبيعات التجزئة خلال الربع الثالث، إلى جانب قفزة في ثقة الأعمال وصلت إلى أعلى مستوى لها في عام، وهو ما وصفه محلل «ويستباك» إيمري سبيزر بأنه تسارع واضح في الإشارات الإيجابية لدولار نيوزيلندا، أو ما يعرف بـ"الكيوي".

الدولار الأسترالي يستفيد من التضخم والعوائد المرتفعة

على الجانب الآخر، واصل الدولار الأسترالي تحقيق مكاسب قوية بعد صدور قراءة تضخم أعلى من المتوقع، ما عزز الاعتقاد بأن دورة خفض الفائدة في أستراليا قد تكون انتهت بالفعل.

 

وبلغ العائد على السندات الأسترالية لأجل عشر سنوات 4.48%، وهو الأعلى بين دول مجموعة العشر، الأمر الذي جعل العملة الأسترالية تبدو أقل من قيمتها العادلة وفق تقديرات عدد من المحللين.

 

ويتداول الدولار الأسترالي حالياً قرب مستوى 0.6526 دولار، ضمن نطاق يتحرك فيه منذ نحو 18 شهراً، بينما أشار كيت جاكس من «سوسيتيه جنرال» إلى أن العملة باتت أكثر ارتباطاً بتحركات اليوان الصيني مقارنة بأسعار الفائدة، وهو ما قد يدعم مزيداً من المكاسب إذا استمر اليوان في الارتفاع.

 

وساهم تدخل آلية التسعير التابعة للبنك المركزي الصيني في استقرار اليوان مع افتتاح الجلسات، ما انعكس إيجاباً على العملات الآسيوية المرتبطة به.

الجنيه الإسترليني يسجل أفضل أداء منذ أشهر

أما الجنيه الإسترليني، فقد ارتفع إلى أعلى مستوى له منذ أواخر أكتوبر مسجلاً 1.3256 دولار، متجهاً لتحقيق أكبر مكاسب أسبوعية منذ أغسطس، بدعم من بيان الميزانية البريطانية الذي خفف من حدة المخاوف المتعلقة بالمالية العامة، ما أعاد بعض الثقة إلى العملة البريطانية.

 

وفي هذا السياق، صرح برنت دونيلي، رئيس «سبيكترا ماركتس»، بأن الأسواق ستبدأ قريباً في إعادة توجيه رهاناتها نحو عام 2026، مشيراً إلى أن شراء الدولار قد لا يكون من بين هذه الرهانات الكبرى.

 

وأضاف أن تعيين كيفن هاسيت، المعروف بدعمه لسياسات خفض الفائدة، رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، قد يشكل ضغطاً إضافياً على العملة الأميركية في المدى المتوسط.

جيه بي مورغان يغير توقعاته بشأن الفائدة الأميركية

وفي تطور لافت، أعلن بنك «جيه بي مورغان» أنه بات يتوقع قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماع ديسمبر المقبل، مخالفاً توقعاته السابقة التي رجحت الإبقاء على الفائدة دون تغيير حتى يناير من العام القادم.

 

وأوضح مايكل فيرولي، كبير الاقتصاديين في البنك، أن اجتماع لجنة السوق المفتوحة ما زال قراراً متقارب الاحتمالات، إلا أن التصريحات الأخيرة لمسؤولي الفيدرالي جعلت كفة الخفض أكثر ترجيحاً خلال الأسابيع المقبلة، ما دفع المؤسسة إلى تحديث رؤيتها رسمياً.

 

وبعد انتهاء الإغلاق الحكومي الذي استمر 43 يوماً منتصف نوفمبر، استؤنفت البيانات الاقتصادية الأميركية، إلا أن معظمها جاء قديماً نسبياً ولا يقدم صورة دقيقة عن الوضع الحالي للاقتصاد، وهو ما دفع المستثمرين للاعتماد بشكل أكبر على تصريحات مسؤولي الفيدرالي.

 

وقد رفعت التصريحات الأخيرة لكل من ماري دالي، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، وكريستوفر والر، عضو مجلس الاحتياطي، من احتمالات خفض الفائدة، حيث بات المستثمرون يسعرون احتمالاً يبلغ 85% لخفض الفائدة الشهر المقبل، مقارنة بـ30% فقط قبل أسبوع واحد.

 

يواصل المستثمرون مراقبة العوامل المحفزة التي قد تؤثر على الخطوة التالية لمجلس الاحتياطي الفدرالي بشأن أسعار الفائدة. ويضع المتداولون في الحسبان احتمالًا بنسبة 85% تقريبًا لخفض أسعار الفائدة من قِبل مجلس الفدرالي الأميركي بربع نقطة مئوية في ديسمبر، وفقاً لأداة CME FedWatch.

 

صرح وزير الخزانة سكوت بيسنت لشبكة CNBC في وقت سابق من يوم الثلاثاء أن هناك "احتمالًا كبيراً جداً" أن يُصدر ترامب "إعلاناً قبل عيد الميلاد" بشأن هوية رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي القادم.

 

وبينما صرّح بأنه يُجري مقابلات مع المرشحين، تتجه التوقعات نحو كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض. ويُنظر إلى هاسيت على أنه شخص أكثر ميلًا للضغط من أجل خفض أسعار الفائدة.

 

خلاصة المشهد

يتضح أن الدولار الأميركي يواجه ضغوطاً متزايدة بسبب التحول في توقعات السياسة النقدية وتصاعد احتمالات خفض الفائدة، في وقت تشهد فيه العملات المنافسة أداءً قوياً مدعوماً ببيانات اقتصادية إيجابية وعوائد جذابة.

 

ومع اقتراب نهاية العام وتزايد التركيز على عام 2026، تبدو أسواق العملات مقبلة على مرحلة جديدة من التقلبات وإعادة التسعير، قد تكون فيها اليد العليا للعملات ذات الأسس الاقتصادية الأقوى.

تم التحديث في: الخميس, 27 تشرين الثاني 2025 12:12
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول